الأحد، 23 أبريل 2023

الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة لابن حجر الهيتمي وكتاب كتاب الأمثال المفضل الضبي

 

كتاب الأمثال المفضل الضبي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الطوسي: أخبرنا محمد بن زياد ابن الأعرابي أبو عبد الله عن المفضل الضبي قال:
زعموا أن ضبة بن أد بن طابخة
بن الياس بن مضر بن معد وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد والآخر سعيد، وأن إبل ضبة نفرت تحت الليل وهما معها، فخرجا يطلبانها، فتفرقا في طلبها، فوجدها سعد فجاء بها، وأما سعيد فذهب ولم يرجع، فجعل ضبة يقول بعد ذلك إذا رأى تحت الليل سواداً مقبلاً أسعد أم سعيد فذهب قوله مثلاً.؟؟ثم أتى على ذلك ما شاء الله أن تأتي لا يجيء سعيد ولا يعلم له خبر، ثم إن ضبة بعد ذلك بينما وهو يسير والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثان إذا مرا على سرحة بمكان فقال له الحارث: أترى هذا المكان؟ فإني لقيت فيه شاباً من هيئته كذا وكذا - فوصف صفة سعيد - فقتلته وأخذت برداً كان عليه، ومن صفة البرد كذا وكذا - فوصف صفة البرد - وسيفاً كان عليه فقال ضبة: ما صفة السيف؟ قال: ها هوذا علي، قال: فأرينه، فأراه إياه فعرفه ضبة ثم قال إن الحديث لذو شجون ثم ضربه حتى قتله، فذهب قوله هذا أيضاً مثلاً.فلامه الناس وقالوا قتلت رجلاً في الأشهر الحرم فقال ضبة: سبق السيف العذل فأرسلها مثلاً. وقال الفرزدق يخاطب الخيار بن سبرة المجاشعي:
أأسلمتني للقوم أمك هابل ... وأنت دلنظى المنكبين بطين
خميص من المجد المقرب بيننا ... من الشنء رابي القصريين سمين
فإن تك قد سالمت دوني فلا تقم ... بدار بها بيت الذليل يكون
ولا تأمنن الحرب إن اشتغارها ... كضبة إذ قال الحديث شجون
الدلنظى: الضخم؛ والهابل: الثاكل؛ يقال شنئته أشنأه وشنأة أي أبغضته، والقيصرى: الضلع التي تلي الخاصرة، وأنشد لامرأة:
فيا رب لا تجعل شبابي وبهجتي ... لشيخ يعنيني ولا لغلام
ولكن لعل قد علا الشيب رأسه ... ؟ بعيد مناط القصريين حسام
واشتغارها: انتشارها وتفرقها؛ وفي بعض الحديث أن امرأة افتخرت على زوجها فقال لها: ذهب الشغار بالفخار، يقال شغر الكلب رجله اذا رفعها ليبول.
وزعموا أن المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عاش زماناً طويلاً
وكان من فرسان العرب في الجاهلية، فزعموا أن رجلاً شاباً من قومه كان له صديق يقال له عامر، وكان ذلك الفتى يقول لعامر إن امرأة المستوغر صديقة لي وإني آتيها، وإنه يطيل الجلوس في المجلس حتى لا يبقى أحد إلا قام، فأحب أن تجلس معه حتى إذا أراد أن يقوم تمطيت وتثاءبت ورفعت صوتك تسمعني، فأنصرف من عند امرأته من قبل أن يفجأنا ونحن على حالنا تلك، وإنما كان ذلك صديقاً لأم عامر، فكان الفتى يشغله بحفظ المستوغر ليخالف الفتى إلى أم عامر فيكون معها، فإذا سمع التثاؤب خرج، ففطن المستوغر لعامر وما يصنع، فاشتمل على السيف، حتى إذا لم يبق أحد غيره وغير عامر قال: ألا ترى والذي أحلف به لئن رفعت صوتك لأضربن عنقك، قال: فسكت عامر، فقال له المستوغر: قم، فقاما إلى بيت المستوغر فإذا امرأته قاعدة بين بنيها، قال: هل ترى من بأس؟ قال: لا أرى من بأس، قال له المستوغر: انطلق بنا إلى أهلك، فانطلقا، فإذا هو بذلك الفتى متبطناً أم عامر في ثوبها، فقال له المستوغر: انظر إلى ما ترى، ثم قال لعلني مضلل كعامر فارسلها مثلاً، ومما زاده في هذا الحديث ما قاله المستوغر: إن المعافى غير مخدوع.
وزعموا أن الاضبط بن قريع
بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم كان يرى من قومه وهو سيدهم بغياً عليه وتنقصاً له فقال: ما في مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحل بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريباً بعضهم من بعض، فانصرف نحو قومه وقال: أينما أوجه ألق سعداً فأرسلها مثلاً.
ألق سعداً أي أرى مثل قومي بني سعد. ومما زاده قوله: في كل واد بنو سعد.
وزعموا أن ضرار بن عمرو
بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة

أغار على كلب ثم على بني عدي بن جناب من كلب، فأصاب فيما أصاب أهل عمرو بن ثعلبة أخي بني عدي بن جناب، وكان صديقاً لضرار بن عمرو، ولم يشهد القوم حين أغير عليهم، فلما جاءهم الخبر تبع ضرار وكان فيما أخذ من أهله يومئذ سلمى بنت وائل الصائغ، وكانت أمه له وأمها وأختين لها، وسلمى هي أم النعمان بن المنذر ابن ماء السماء، فلما لحق عمرو بن ثعلبة ضراراً قال له عمرو: أنشدك المودة والاخاء فإنك قد أصبت أهلي فارددهم علي، فجعل ضراراً يردهم شيئاً شيئاً حتى بقيت سلمى وأختاها، وكانت سلمى قد اعجبت ضراراً، فسأله إن يردهن، فردهما غير سلمى، فقال عمرو بن ثعلبة: يا ضرار: أتبع الفرس لجامها فأرسلها مثلاً، فردها عليه ومما زاده قوله: والدلو رشاءها.
وزعموا أن عمرو بن عدس
بن زيد بن عبد الله بن دارم تزوج بنت عمه دخنتوس بنت لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم
بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالاً وأعظمهم شرفاً فلم تزل تولع به وتؤذيه وتسمعه ما يكره وتهجره وتهجره حتى طلقها، وتزوجها من بعد عمير بن معبد بن زرارة وهو ابن عمها، وكان رجلاً شاباً قليل المال، فمرت إبله عليها كأنها الليل من كثرتها فقالت لخادمتها: ويلك انطلقي إلى أبي شريح - وكان عمرو يكنى بأبي شريح - فقولي له فليسقنا من اللبن، فاتاها الرسول فقال: إن بنت عمك دختنوس تقول لك اسقنا من لبنك، فقال لها عمرو قولي لها الصيف ضيعت اللبن. ثم أرسل إليها بلقوحين ورواية من لبن، فقال الرسول: أرسل إليك أبو شريح بهذا وهو يقول: الصيف ضيعت اللبن، فذهبت مثلاً فقالت وزوجها عندها، وحطأت بين كتفيه، أي ضربت: هذا ومذقة خير فأرسلتها مثلاً. والمذقة شربة ممزوجة.
وزعموا أن خالد بن مالك بن ربعي
بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك كان عند النعمان بن المنذر
في الجاهلية، فوجده قد أسر ناساً من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، فقال: من يكفل بهؤلاء؟ فقال خالد: أنا كفيل بهم، فقال النعمان : وبما أحدثوا، قال: نعم وإن كان الأبلق العقوق، فقال له النعمان: وما الأبلق العقوق؟ قال: هو الوفاء، فذهب الأبلق العقوق مثلاً، قال الشاعر:
فلو قبلوا منا العقوق أتيتهم ... بألف أودية من المال اقرعا
أي تام.
طلب الأبلق العقوق فلما ... لم يصبه أراد بيض الأنوق
وزعموا أن كبيس بن جابر بن قطن
بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة كان عارض أمة لزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة يقال لها رشية، وكانت سبية أصابها زرارة من الرفيدات، ورفيدة قبيلة من كلب فولدت له عمراً وذؤيباً وبرغوثاً فمات كبيس وترعرعت الغلمة، فقال لقيط بن زرارة: يا رشية من أبو هؤلاء؟ قالت: كبيس بن جابر، وكان لقيط عدواً لضمرة بن جابر أخي كبيس، قال: فاذهبي بهؤلاء الغلمة واقصدي بهم وجه ضمرة وأخبريه من هم، فانطلقت بهم إلى ضمرة فقال: ما هؤلاء؟ قالت: هم بنو أخيك كبيس بن جابر، فانتزع منها الغلمة - ثم قال: الحقي بأهلك، فرجعت فأخبرت أهلها الخبر، فركب زرارة وكان حليماً حتى أتى بني نهشل فقال: ردوا علي غلمتي، فشتمه بنو نهشل وأهجروا له، فلما رأوا ذلك انصرف حتى أتى قومه فقالوا له: ما صنعت، قال: خيراً، والله ما زال يستقبلني بنو عمي بما أحب حتى انصرفت عنهم من كثر ما أحسنوا إلي، ثم مكث عاماً ثم أتاهم فأعادوا عليه أسوأ ما كانوا فعلوا، فانصرف، فقال له قومه: ما صنعت؟ قال: خيراً، قد أحسنوا إلي بنو عمي وأجملوا، فمكث كذلك سبع سنين يأتيهم كل سنة فيردونه أسوأ الرد، فبينما بنو نهشل يسيرون ضحى إذ لحق بهم لاحق فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال ضمرة: يا بني نهشل إنه قد مات حلم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه: قمن أقسم بينكن الثكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان بن شجنة ابن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وامرأة سبية يقال لها خليدة من بني عجل، وسبية من بني عبد القيس، وسبية من الأزد من بني طمثان، فكان لهن أولاد، غير خليدة، فقالت لهند - وكانت لها مصافية: ولي الثكل بنت غيرك فأرسلتها مثلاً.

فأخذ ضمرة شقة بن ضمرة وأمه هند، وشهاب بن ضمرة وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة وامه الطمثانية، فأرسلهم إلى لقيط بن زرارة فقال: هؤلاء رهن لك بغلمانك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر:
صرمت إخاء شقة يوم غول ... وإخوته فلا حلت حلالي
كأني إذ رهنت بني قومي دفعتهم إلى الصهب السبال
فلم أرهنهم بدمي ولكن ... رهنتهم بصلح أو بمال
صرمت إخاء شقة يوم غول وحق إخاء شقة بالوصال
يريد إخائي شقة فحذف الياء، فأجابه لقيط بن زرارة:
أبا قطن إني أراك حزيناًوإن العجول لا تبالي خدينا
أفي أن صبرتم نصف عام بحقنا ... وقبل صبرنا نحن سبع سنينا
العجول: التي مات ولدها.
وقال ضمرة بن جابر:
لعمرك إنني وطلاب حبي وترك بني في الشطر الأعادي
لمن نوكى الشيوخ وكان مثليإذا ما ضل لم ينعش بهادي
ثم إن بني نهشل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم إلى لقيط، فقال لهم المنذر: نحوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمر وطعام، ثم دعا لقيطاً فأكلا وشربا، حتى إذا أخذت الخمر فيهما قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان ما تقول في رجل اختارك الليلة على ندامى مضر؟ قال: وما أقول فيه؟ أقول إنه لا يسألني الليلة شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغلمة، قال له المنذر: وما الغلمة؟ أما إذا استثنيت فلست قابلاً منك حتى تعطيني كل شيء طلبته، قال: فذلك لك، قال: فإني أسألك الغلمة أن تهبهم لي، قال: سلني غيرهم، قال: ما أسألك غيرهم، فأرسل لقيط إليهم فدفعهم إلى المنذر، فلما أصبح لامه أصحابه فقال لقيط في المنذر:
إنك لو غطيت أرجاء هوةٍ ... مغمسة لا يستبان ترابها
أرجاء البئر: نواحيها، والهوة: البئر، مغمسة: خفية مظلمة.
بثوبك في الظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها سادراً لا أهابها
وأصبحت موجوداً علي ملوماً ... كأن نضيت على حائض لي ثيابها
قوله: يطلبهم إلى لقيط يقال أطلبني حاجتي أي أسعفني على طلبها، واحلبني أي أعني على الحلب، وألمسني حاجتي أي التمس معي، وقوله: نضيت يقال نضا الرجل ثوبه إذا نزعه، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
تقول وقد نضت لنومٍ ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل
وأرسل المنذر إلى الغلمة وقد مات ضمرة، وكان ضمرة صديقاً له، فلما دخل عليه الغلمة وكان يسمع بشقة ويعجبه ما يبلغه عنه، فلما رآه المنذر قال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فأرسلها مثلا - قال الكسائي: الطوسي يشدد الدال ويقول المعدي ينسبه إلى معد - قال له شقة: أسعدك إلهك إن القوم ليسوا بجزر - يعني الشاء - إنما يعيش المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه، والجزر: جمع جزرة وهي الشاة، فاعجب الملك كلامه وسره كل ما رأى منه فسماه ضمرة باسم أبيه، فهو ضمرة بن ضمرة، وذهب قوله إنما يعيش الرجل بأصغريه مثلاً.
زعموا أن تقن بنت شريق
أحد بني عثم من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم

كانت تحت رجل من قومها، وكان أخوها الريب بن شريق من فرسان بني سعد وأشرافهم، وكانت لها ضرة، ولضرتها ابن يقال له الحميت. فوقع بين تقن وضرتها شر فاستبتا وتراجزتا، فغلبتها تقن وشتمتها شتماً قبيحاً، فلما سمع ذلك الحميت اخذ الرمح فطعن به في فخذ تقن فأنفذ فخذها، فلما رأى ذلك أبوه - وكره ان يبلغ أخاها - قال: اسكتي ولك ثلاثون من الإبل ولا يعلم بذلك أخوك، قالت: فأخرجها، فأخرجها فوسمتها بمسيم أخيها الريب بن شريق وألحقتها بابلها، فكانت في إبلها ما شاء الله. ثم إن سفيان بن شريق أخا الريب ورد الماء بابله، فلقى الحميت على الماء، فكان بينهما كلام، فضربه الحميت، وكان في عنق سفيان بن ريق قروح فادمى تلك القروح، فأتى سفيان أخاه الريب فذكر له ذلك، فركب الريب فرساً له يقال الهداج ثم لحق الحي وهم سائرون، فقال: من أحس من بكر أورق ضل من إبلي؟ فيقولون: ما رأيناه، ويمضي حتى لحق بالحميت وهو يسير في أول سلف الحي، فقال: هل أحسست من بكر أورق ضل من إبلي، قال: ما رأيته؛ ثم ان الريب ألقى سوطه كأنه وقع منه، فقال للحميت: ناولني سوطي، فأكب يناوله السوط فقال: أعركتين بالضفير - الضفير: السير المضفور، والضفير موضع، ثم ضربه بالسيف على مجامع كتفيه ضربةً كادت تقع في جوفه، ثم مضى على فرسه، فذهب قوله: أعركتين بالضفير مثلاً. يقول: أعركتين مرة على أخي ومرة على أختي. وقال الريب بن شريق:
بكت تقن فآذاني بكاها ... وعز علي أن وجعت نساها
سأثأر منك عرس أبيك إني ... رأيتك لا تجأجىء عن حماها
يعني بالعرس هنا تقناً، يقال جأجأ بابله، إذا حثها على الشرب.
دلفت له بأبيض مشرفي ... الم على الجوانح فاختلاها
دلفت: من الدليف وهو مشي سريع في تقارب خطو.
فان يبرا فلم أنفث عليه ... وان يهلك فآجال قضاها
وكان مجرباً سيفي صنيعاً ... فيا لك نبوة سيفي نباها
رأيت عجوزهم فصددت عنها ... لها رحم وواقٍ من وقاها
وخفت الصرم من حفص بن سودٍ ... وأتبعت الجناية من جناها
الحفص: من قبيلة الحميت، وكان صديقاً للريب بن شريق.
زعموا أن مالك بن زيد
مناة بن تميم كان رجلاً أحمق، فزوجه أخوه سعد ابن زيد مناة النوار بنت جد بن عدي بن عبد مناة بن أد ورجا سعد إن يولد لأخيه. فلما كان عند بنائه أدخلت عليه امرأته انطلق به سعد حتى اذا كان بباب بيته قال له سعد: لج بيتك، فأبى مالك، فعاتبه مراراً فقال له سعد: لج مال ولجت الرجم - الرجم: القبر - فأرسلها مثلاً، ثم إن مالكاً دخل ونعلاه معلقتان في ذراعيه فلما دنا من المرأة قالت له ضع نعليك قال: ساعداي أحرز لهما فأرسلها مثلاً، ثم أتي بطيب فجعل يجعله في استه فقالوا له يا مالك ما تصنع؟ قال " : استي اخبثي فأرسلها مثلاً. فولدت النوار لمالك بن زيد مناة حنظلة ومعاوية وقيسا وربيعة، فقال الشاعر الفرزدق:
ولولا إن يقول بنو عدي ... ألم تك أم حنظلة النوارا
إذن لأتى بني ملكان قول ... إذا ما قيل انجد ثم غارا
ليس في العرب ملكان - بالفتح - إلا ملكان بن هند بن جرم في قضاعة.
زعموا أن أم خارجة بنت سحمة
بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار البجلية - وهي أم عدس
كانت تحت رجل من اياد، وكان أبا عذرها، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فخلعها منه دعج بن خلف بن دعج بن سحيمة بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن عبد الله بن سعد بن قذاذ وهو ابن اخيها فتزوجها بعده عمرو بن تميم، فولدت له أسيد بن عمرو بن تميم، والعنبر بن عمرو، والهجيم، والقليب. ثم خلف عليها بعده بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، فولدت له: ليث بن بكر، والحارث بن بكر والديل بن بكر؛ ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له: غاضرة بن مالك، وعمرو بن مالك، وولدت في قبائل العرب.

زعموا أن الخاطب كان يأتيها فيقول: خطب، فتقول نكح، فقيل: أسرع من نكاح أم خارجة فصار مثلاً. وزعموا أن بعض ولدها كان يسوق بها يوماً فرفع لهم راكب، فقالت:ما هذا؟ فقال ابنها: إخاله خاطباً، فقالت: يا بني هل تخاف أن يعجلنا إن نحل، ما له ال وغل، فصار مثلاً.
وزعموا أن رجلاً كانت له صديقة وكان لها زوج غائب، فكان صديق تلك المرأة يأتيها فيصيب منها، فجاء زوجها ولم يعلم به صديقها، وجاء الصديق كعادته فوجد الزوج مضطجعاً بفناء البيت، فحسبه المرأة، فرفع برجليه، فوثب إليه الرجل فأخذه ودعا بالسيف ليقتله، وهو جار معاوية بن سنان بن جحوان بن عوف ابن كعب بن عبشمس بن سعد بن زيد بن تميم، فنادى المأخوذ: يا معاوي ابن سنان هل أوفيت؟ - يقال وفى الرجل واوفى بمعنى واحد - فسمع معاوية فظن انه مكروب حين سمع صوته فنادى: نعم وتعليت أي زدت على الوفاء فذهب مثلاً، فقال له زوج المرأة: أمنحباً أي ناذراً قال: نعم - المنحب: المراهن. والمنحب الدائب أيضاً.
زعموا أن خالد بن معاوية
بن سنان بن جحوان بن عوف بن كعب بن عبشمس بن سعد ساب رجلاً من بني عثم - وهو من بني جشم بن سعد بن زيد مناة ابن تميم - عند النعمان بن المنذر، فقال لهم خالد وهو يرجز بهم:
دوموا بني عثم ولن تدوموا ... لنا ولا سيدكم مرحوم
إنا سراة وسطنا قروم قد علمت أحسابنا تميم
في الحرب حين حلم الأديم فذهب قوله حلم الأديم مثلاً.
وقال خالد وهو يرجز بهم:
إن لنا بآل عثم علماًأستاه آم يعترين لحما
أفواه أفراس أكلن هشماً ... إذا لقيت انفحياً وخما
منهم طويلاً في السماء ضخماً ... لا يحتر النازل إلا لطما
تركتهم خير قويس سهما القويس: القوس الرديئة، والحتر: العطية، أي لما هجوت رؤساءهم صاروا أذلة فكيف بغيرهم، فذهب قوله خير قويس سهما مثلاً.
قال أبو عبد الله: يريد تركت من هجوته وهو ذليل فإذا كان ذليلاً وهو خير قومه فأي شيء حال قومه؟ وقال خالد وهو يرجز بالمنذر بن فدكي أخي بني عثم وكان سيدهم يومئذ عند النعمان:
فان عين المنذر بن فدكي ... عينا فتاة نقطت أمس هدي
فرجز به شاعر بني عثم، فعقر به خالد بن معاوية، ومع خالد أخ له، فاستعدوا عليهما النعمان، فقال خالد: أبيت اللعن، أنا أركب وأخي ناقة، ثم نتعرض لهم كما تعرضوا لنا، فإن استطاعوا فليعقروا بنا، فأعجب ذلك النعمان وقال: قد أعطاكم بحقكم، قالوا: قد رضينا، قال النعمان: أما والله لتجدنا ألوى بعيد المستمر فأرسلها مثلاً.
الألوى: المانع لما عنده، والمستمر: استمرار عقله وحزمه.
فاكتفل خالد وأخوه ناقتهما بكفل وتأخر أحدهما على العجز وجعل وجهه من قبل الذنب، وتقدم أحدهما إلى الكتف، فجعل كل واحد يذب بسيفه مما يليه فلم يخلصوا إلى أن يعقروا بهما فأتى النعمان فقال: أبيت اللعن قد أعطيناهم بحقهم فعجزوا عنه فنظر النعمان إلى جلسائه فقال: أترون قومه كانوا يتبعونه بأبلخ جهول، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن السليك بن السلكة التميمي ثم أحد بني مقاعس - ومقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة - كان من أشد فرسان العرب وأنكرهم وأشعرهم، وكانت أمه سوداء، وكانوا يدعونه سليك المقانب - والمقنب ما بين الثلاثين إلى الخمسين - وكان أدل الناس بالأرض، وأجودهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل، زعموا أنه كان يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحد.

فذكر أنه افتقر حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر عليه فيذهب بابله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، فاشتمل الصماء - واشتمال الصماء أن يرد فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل من الليل فقعد على جنبه فقال: استأسر، فرفع السليك إليه رأسه فقال: إن الليل طويل وأنت مقمر فأرسلها مثلاً. ثم جعل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده فضم الرجل ضمة إليه ضرط منها وهو فوقه فقال له السليك: أضراطاً وأنت الأعلى فأرسلها مثلاً. ثم قال له السليك: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخرجن فلا أرجعن حتى استغني فآتي أهلي وأنا غني، قال: فانطلقي معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى اتوا الجوف - جوف مراد الذي باليمن - فلما أشرفوا على الجوف، إذا نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضهما فليحقهم الحي، فقال لهما السليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء فاعلم لكم علم الحي أقريب أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أوحي به لكما، فأغيروا؛ فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يتسقطهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال لهم السليك: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته فقال:
يا صاحبي إلا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وأم بين اذواد
آم: جمع أمة العشر، ثم إماء لما بعد العشر.
أتنظرن قليلاً ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الريح للعادي
فلما سمعا ذلك أتيا السليك فاطردوا الإبل فذهبوا بها فلم يبلغ الصريخ إلى الحي حتى مضوا بما معهم. وزعموا أن السليك خرج ومعه عمرو وعاصم ابنا سري بن الحارث بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم يريد أن يغير في أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي أهل هذا البيت فلعلي أصيب لكم خيراً أو آتيكم بطعام، فقالوا فافعل، فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن أراح ابن له ابله، فلما أن أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل؟! فقال ابنه: إنها أبت العشاء، فقال: العاشية تهيج الآبية فأرسلها مثلاً.
العاشية: التي تتعشى، تهيج آبي العشاء فيتعشى معها. ثم غضب الشيخ فنفض ثوبه في وجوهها إلى مرتعها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وجلس الشيخ عندها للعشاء فغطى وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السليك، فلما وجد الشيخ مغتراً ختله من ورائه ثم ضربه فأطار رأسه وصاح بالإبل فاطردها، فلم يشعر أصحابه - وقد ساء ظنهم به وتخوفوا عليه - حتى اذا هم بالسليك يطردها، فطردوها معه فقال السليك:
وعاشية رج بطان ذعرتها بصوت قتيل وسطها يتسيف
فبات لها أهل خلاء فناؤهم ومرت بهم طير فلم يتعيفوا
وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزاً أهلوا وأوجفوا
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدن لأسباب المنية أعرف
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت يغشاني ظلال فأسدف
زعموا أن العيار بن عبد الله الضبي ثم أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة وفد هو وحبيش بن دلف وضرار بن عمرو الضبيان على النعمان فأكرمهم وأجرى عليهم نزلا، وكان العيار رجلاً بطالاً يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال قبل ذلك:
لا أذبح النازي الشبوب ولا ... أسلخ يوم المقامة العنقا
لا آكل الغث في الشتاء ولا ... أنصح ثوبي إذا هو انحرقا
ولا أرى أخدم النساء ول - كن فارساً مرة ومنتطقا

وكان منزلهم واحد، وكان النعمان بادياً، فأرسل إليهم بجزر فيهن تيس، فأكلوهن غير التيس، فقال ضرار للعيار - وهو أحدثهم سناً - ليس عندنا من يسلخ لنا هذا التيس فلو ذبحته وسلخته وكفيتنا ذلك فقال العيار فما أبالي أن أفعل فذبح ذلك التيس ثم سلخه، فانطلق ضرار إلى النعمان فقال: أبيت اللعن هل لك في العيار يسلخ تيساً؟ قال: أبعد ما قال؟ قال: نعم،فأرسل إليه النعمان فوجده يسلخ تيساً، فأتى به فضحك به ساعة؛ وعرف العيار أن ضراراً هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سرادقة، وكان كسا ضراراً حلة من حلله، وكان ضراراً شيخاً أعرج بادناً كثير اللحم، فكست العيار حتى إذا كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في ظل سرادقة ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حله صرار فلبسها، ثم خرج يتعارج، حتى إذا كان بحيال النعمان وعليه حلة ضرار كشفها عنه فخرىء، فقال النعمان: ما لضرار قاتله الله لا يهابني عند طعامي؟ فغضب على ضرار، فحلف ضرار أنه ما فعل، قال: ولكني أرى العيار وهو فعل هذا من أجل أني ذكرت لك سلخة التيس، فوقع بينهما كلام حتى نشائما عند النعمان. فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مرحب أخي بني يربوع ما وقع تناول أبو مرحب ضراراً عند النعمان والعيار شاهد فشتم العيار أبا مرحب ورجز به فقال النعمان للعيار: أتشتم أبا مرحب في ضرار، وقد سمعتك تقول له شراً مما قال أبو مرحب؟! قال العيار أبيت اللعن وأسعدك إلهك: إني آكل لحمي ولا أدعه لآكل فأرسلها مثلاً، فقال النعمان: لا يملك مولى لمولى نصراً.
وزعموا أن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة وكان خطيباً كثير المال عظيم المنزلة من الملوك، وانه كان مع بعض الملوك فقال له: إنه قد بلغني عن أخيك نهشل بن دارم خير، وقد أعجبني أن تأتيني به فأصنع خيراً إليه، وكان نهشل من أجمل الناس وأشجعهم، وكان عيي اللسان قليل المنطق، فلم يزل ذلك الملك بمجاشع حتى اتاه بنهشل، فأدخله عليه وأجلسه، فمكث نهشل لا يتكلم، وقد كان أعجب الملك ما رأى من هيئته وجماله، فقال له الملك: تكلم، قال: الشر كثير، فسكت عنه، فقال له مجاشع: حدث الملك وكلمه، فقال له نهشل: إني والله ما أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق، فارسل: شولان البروق مثلاً.
البروق: الناقة التي تشيل ذنبها تري أهلها انها لاقح وليست بلاقح.
زعموا أن شهاب بن قيس
أخا بني خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم خرج مع خاله اوفى بن مطر المازني، ومعه رجل آخر من بني مازن يقال له جابر بن عمرو، فكانوا ثلاثة، وكان جابر يزجر الطير، فبينما هم يسيرون إذ عرض لهم اثر رجلين يسوقان بعيرين ويقودان فرسين، قالوا: فلو طلبناهما، قال جابر: فاني أرى أثر رجلين يسوقان بعيرين شديد كلبهما الفرار بقراب أكيس فأرسلها مثلاً، وفارقهما. ومضى أوفى بن مطر وشهاب في اثر الرجلين وكان على أوفى بن مطر يمين لا يرمي بأكثر من سهمين، ولا يستجيره رجل أبداً إلا أجاره، ولا يغتر رجلاً حتى يؤذنه، فهاجا بالرجلين وهما في ظل طلحة، واذا هما من بني أسد ثم من بني فقعس، فلما رأى اوفى أحدهما قال له: استمسك فانك معدو بك، أي محمول، فقال الاسدي: انك لا تعدو بعير أمك وانما تعدو بليث مثلك يجد بالمصاع كوجدك فقال اوفى بن مطر: يا شهاب ارم فان يده في غمة، قال الاسدي:
لا تحسبن أن يدي في غمه ... في قعر نحي أستثير حمه
ليس لواحد علي منه ألا ولا اثنين ولا أهمه
إلا الذي وصى بثكل أمه
فقال اوفى بن مطر:
دع الرماء واقترب هلمه ... إلى مصاعٍ ليس فيه جمه
فذاك عندي ابن العجوز الهمه
نصب ابن على النداء. فرى أوفى بن مطر الاسدي فصرعه، ورمى شهاباً الاسدي الآخر فصرعه، فقال الآخر: جواراً يا أوفى، فقال له: على مه؟ قال: على أحد الفرسين وأحد البعيرين وعلى أن نداوي صاحبينا، فأيهما مات قبل قتلنا به صاحبه، فواثقا على ذلك، وانطلقا بهما وهما جريحان، حتى نزلا على وشل بجبلة الذي يقال له شعب جبلة، فمكثوا بذلك أربعتهم زماناً يغيرون ثم يأتون بغنيمتهم على جبلة فيقسمونها، فقال اوفى بن مطر في ذلك لجابر بن عمرو يعيره فراره:
إذا ما أتيت بني مازنٍ ... فلا تسق فيهم ولا تغسل

فليتك لم تدع من مازن ... وليتك في البطن لم تحمل
وليت سنانك صنارة ... وليت قناتك من مغزل
ونيط بحقويك ذو زرنبٍ ... جميش يوكل للفيشل
تجاوزت حمران من ساعةٍ ... وخلت قساساً من الحرمل
فمن مبلغ خلتي جابراً ... بأن خليلك لم يقتل
تخاطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومي فلم يعجل
كان مر باع مالك بن حنظلة في الجاهلية في زمان صخر بن نهشل بن دارم لصخر، فقال له الحارث بن عمرو بن آكل المرار الكندي: هل أدلك يا صخر على غنيمة على أن لي خمسها، فقال له صخر: نعم، فدله على ناس من أهل اليمن، فأغار عليهم صخر بقومه فظفروا وغنموا، وملأ يديه من الغنائم وأيدي أصحابه؛ فلما انصرف قال له الحارث: أنجز حر ما وعد فأرسلها مثلا، فادار صخر قومه على أن يعطوه ما كان جعل للحارث فأبوا عليه ذلك، وفي طريقهم ثنية متضايقة يقال لها شجعات فلما دنا القوم منها سار صخر حتى وقف على رأس الثنية وقال: أزهت شجعات بما فيهن - وأزمت أي ضاقت - لا يجوزن أحد بذمة صخر، فأرسلها مثلاً. فقال حمرة بن ثعلبة بن جعفر بن يربوع: والله لا نعطيه شيئاً من غنيمتنا، ثم مضى في الثنية، فحمل عليه صخر بن نهشل بن دارم فقتله، فلما رأى الجيش ذلك أعطوه أجمعون الخمس، فدفعه إلى الحارث بن عمرو فقال في ذلك نهشل بن حري بن ضمرة بن جابر بن قطن بن دارم:
نحن منعنا الجيش إن يتأبوا ... على شجعات والجياد بنا تجري
حبسناهم حتى أقروا بحكمنا ... وأدي أنفال الخميس إلى صخر
زعموا أن النمر بن تولب العكلي كان أحب امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها جمرة بنت نوفل، وقد أسن يومئذ، فاتخذها لنفسه وأعجب بها، وكان له بنو أخ فراودها بعضهم عن نفسها، فشكت ذلك إلى نمر وقالت: إن بني أخيك ربما راودني بعضهم عن نفسي، ولست آمنهم إن يغلبوني فقال لها النمر: قولي لهم وقولي إن أرادوا شيئاً من ذلك، وقالت جمرة: إني سأكفيك ما كان قولاً فأرسلتها مثلاً، تقول إن كان القول فاني سأكفيك القول.
زعموا أن جارية بن سليط
بن الحارث بن يربوع بن حنظلة بن مالك وسليط هو كعب، وانما سمي سليطاً لسلاطة لسانه - كان أحسن الناس وجهاً وأمدهم جسماً،وانه أتى عكاظ وكانت من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، فأبصرته جارية من خثعم فأعجبها، وتلطفت له حتى وقع عليها، فلما فرغ قالت: انك اتيتني على طهر وإني لا ادري لعلي سأعلق لك ولداً فموعدك فصال ولدي إن حملت لك، فسمى لها اسمه،حتى وافى عكاظ لرأس ثلاثة أحوال، فوجدها قد ولدت غلاماً وفطمته، فأقبلت الجارية معها أمها وخالتها يلتمسنه بعكاظ حتى رأته الجارية فعرفته، فلما رأته قالت الجارية: هذا جارية، قالت أمها: بمثل جارية فلتزن الزانية سراً او علانية. ثم دفعن إليه الغلام فسماه عوفاً فشرف وساد قومه، وهو عوف الأصم. فذكر أن بني مالك بن حنظلة وبني يربوع تخايلوا يوماً فقام عمرو بن همام ابن رباح بن يربوع يخايل عن بني يربوع فقال الناس: ادخلوا عوفاً الأصم البيت فإنه إن علم بما بينكم وشهد المخايلة أهلك هذين الحيين وأبى ذلك، فأولجوا عوفاً قبة من قباب الملك لكيلا يسمع ما بينهم فظفر بنو مالك، ونادى مناد أين عوف؟ فقالت امرأته: عوف يرنا في البيت فأرسلتها مثلاً، فسمع عوف الكلام فوثب فإذا الناس فئتان يتخايلون، وضرب خطم فرس الملك بالسيف وهو مربوط بفناء القبة، فنشب السيف في خطم الفرس وقطع الرسن، وجال في الناس فجعلوا يقولون جهجوه جهجوه أي ازجروه وكفوه، فذلك قول متمم بن نويرة في يوم جهجوه:
وفي يوم جهجوه حمينا ذماركم ... بعقر الصفايا والجواد المربب
قال العجاج:
لقد أرني ولقد أرني غراً كآرم الصريم الغن
قوله أرني من الرنو وهو النظر الدائم، أي يلهو، جهجه به وهجهج به حبسه ومنعه، والصفايا من النوق الغزار، الواحد صفي.

أغار جبيلة بن عبد الله أخو بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم على إبل جرية بن أوس بن عامر أخي بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم يوم مسلوق، فاطردوا ابله غير ناقة كانت فيها مما يحرم أهل الجاهلية ركوبه، وكان في الابل ابن أخت جرية، وكان فيها فرس لجرية يقال له العمود، وكان مربوطاً بعرادة، فاجتذبها فبقيت في طرف رسنه، فذهب وذهب القوم بالابل غير تلك الناقة الحرام، فإنهم أخرجوها وكرهوا أن تكون في الابل لأنها حرام، وبلغ جرية الخبر، فإذا القوم قد سبقوا بالابل غير تلك الناقة الحرام، فقال جرية لابن أخته: رد علي الناقة لعلي اركبها في أثر القوم، قال: إنها حرام، قال جرية: حرامه يركب من لا حلال له فركب في أثر القوم حتى أدركهم، فأقبل عليه جبيلة فاختلفا بينهما طعنتين فقتله جرية وأحرز القوم الابل فذهبوا بها، وذهب قوله: حرامه يركب من لا حلال له مثلاً. وقال جرية في ذلك:
إن تأخذوا إبلي فان جبيلكم ... عند المزاحف ثوبه كالخيعل
الخيعل: النطع والبيت من أدم والنقبة تلبسها الجارية من أدم.
أنحى السنان على مجامع زوره ... إذا جاء يزدلف ازدلاف المصطلي
نرمي برامحنا خصاصة بيتنازالت دعامة أينا لم ينزل
إذ ينسلون بذي العراد وفاتني فرسي و لا يحزنك سعي مضلل
ومفاضة زغف كأن قتيرها حدق الأساود لونها كالمجول
تضفو على كف الكمي كما ضفا ... سيل الأضاء على حبي الاعبل
أبغي نكيثة نفسه بمهند كعصا الجديدا في سنان منجل
المفاضة: الدرع الواسعة، والقتير: مسامير الدرع، وقال ابن الأعرابي: المجول: الفضة، الاعبل: الجبل الابيض، والحبي: ما تحبا أي اجتمع وحبي الاعبل: ما اتصل منه وحبا بعضه إلى بعض أي دنا، والأعبل: حجارة بيض، والاضاء: الغدران الواحدة اضاة فإذا كسرت في الجمع مددت وإذا فتحت قصرت، والجديداء: أثوب الحائك الذي يجده يقطعه، ومنجل: واسع الطعن، وعين نجلاء واسعة.
زعموا أن زرارة بن عدس
بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك

رأى يوماً ابنه لقيطاً مختالاً وهو شاب فقال: والله انك لتختال كأنك أصبت بنت قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ومائة من هجائن المنذر بن ماء السماء، قال: فان لله علي لامس رأسي غسل ولا أشرب خمراً حتى آتيك بابنة قيس ومائة من هجائن المنذر أو أبلي في ذلك عذراً، فسار لقيط حتى أتى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان سيد ربيعة وبيتهم، وكان عليه يمين إلا يخطب إليه إنسان علانية إلا ناله بشر، وسمع به، فأتاه لقيط وهو جالس في القوم، فسم عليه ثم خطب إليه علانية، فقال له قيس: ومن أنت؟ قال: أنا لقيط بن زرارة، قال: فما حملك على إن تخطب إلي علانية؟ قال: لأني قد عرفت إني إن اعالنك لا أشنك وان أناجك لا أخدعك قال قيس: كفؤ كريم لا جرم والله لا تبيت عندي لا عزباً ولا محروماً، ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيطاً القذور بنت قيس فاصنعيها حتى يبتني بها، وساق عنه قيس، فابنتي بها لقيط وأقام معهم ما شاء الله أن يقيم، ثم احتمل بأهله حتى أتى المنذر بن ماء السماء فأخبره بما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، ثم انصرف إلى أبيه ومعه بنت قيس ومائة من هجائن المنذر. وزعموا أن لقيطاً لما أراد أن يرتحل بابنه قيس إلى أهله قالت له: أريد أن ألقى أبي فأسلم عليه وأودعه ويوصيني، ففعلت، فأوصاها وقال: يا بنية كوني له أمة يكن لك عبداً، وليكن أطيب ريحك الماء حتى يكون ريحك ريح شن غب مطر - والشن طيب الريح غب المطر - وان زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإن كان ذلك لا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً. فلما أصيب لقيط احتملت إلى قومها وقالت: يا بني عبد الله أوصيكم بالغرائب شراً فوالله ما رأيت مثل لقيط لم يخمش عليه وجه ولم يحلق عليه رأس، ولولا أني غريبة لخمشت وحلقت، فلما انصرفت إلى قومها تزوجها رجل منهم فجعل يسمعها تكثر ذكر لقيط، فقال لها: أي شيء رأيت من لقيط قط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دجن وقد تطيب وشرب فطرد البقر وصرع منها وأتاني وبه نضج الدماء والطيب ورائحة الشراب، فضممته ضمة وشممته شمة، فوددت أني كنت مت ثمة، فلم أر قط منظراً أحسن من لقيط، فسكت عنها زوجها حتى إذا كان يوم دجن شرب وتطيب ثم ركب فصرع من البقر، فأتاها وبه نضج الدماء والطيب وريح الشراب، فضمته إليها، فقال: كيف ترينني أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماء ولا كصداء فأرسلتها مثلاً. وصداء ركية ليس في الأرض ماء أطيب منها مذكورة بطيب الماء قد ذكرها الشعراء، قال ضرار بن عتبة السعدي:
فاني وتهيامي بزينب كالذي يخالس من أحواض صداء مشربا
يرى دون برد الماء هولاً وذادة إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا
يتحبب: يشرب حتى يروى، وقط إذا أريد بها الكفاية كسرت مثل قولك: كسبت درهماً فقط، وإذا أريد الدهر رفعت كقولك ما رأيت قط. قال حبيب بن عيسى: الحديث أنه كان بين لقيط بن زرارة وبين رجل من أهل بيته يقال له زيد بن مالك ملاحاة فغيره زيد بتركه النكاح وقال: إن أكفاء أهل بيتك يرغبون عنك، ومن غيرهم من العرب عنك أرغب، فلما زوجه قيس قال:
ألم يأت زيداً حيث أصبح أنني ... تزوجتها إحدى النساء المواجد
عقيلة شيخ لم يكن لينالها سوى عدسي من زرارة ماجد
إذا اتصلت يوماً بنسبتها انتهت ... إلى آل مسعود بن قيس بن خالد
كأن رضاب المسك دون لثاتها على شبم من ماء مزنة بارد
لها بشر صافي الأديم كأنهلجين تراه دون حمر المجاسد
إذا ارتفعت فوق الفراش حسبتها شريجة نبع زينت بالقلائد
متى تبغ يوماً مثلها تلق دونهامصاعد ليست سبلها كالمصاعد
كان سعد بن زيد مناة بن تميم وهو الفزر وكانت تحته الناقمية فولدت له فيما زعم الناس صعصعة أبا عامر - قال شريح بن الأحوص وهو ينتمي إلى سعد:
تمناني ليلقاني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد
وقال المخبل:
كما قال سعد إذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرنب صعصعا

وأكثر في ذلك شعراء بني عامر وبني تميم - فولدت له هبيرة بن سعد، وكان سعد قد كبر حتى لم يكن يطيق ركوب الجمل، إلا أنه يقاد به ولم يملك رأسه، فقال سعد وصعصعة يوماً يقود به جمله: قد لا يقاد بي الجمل أي قد كنت لا يقاد بي الجمل، فذهب مثلاً. وكان سعد كثير المال والولد، فزعموا أنه قال لابنه يوماً هبيرة بن سعد: اسرح في معزاك فارعها، قال: والله لا أرعاها سن الحسل، وهو ولد الضب ولم يوجد دابة قط أطول عمراً منه، وسن كل دابة يسقط إلا سن الحسل، قال: يا صعصعة اسرح في غنمك، قال: لا والله لا أسرح فيها ألوة الفتى هبيرة ابن سعد - ألوة وألوة وألية بمعنى - فغضب سعد وسكت على ما نفسه، حتى إذا أصبح بالمعزى بسوق عكاظ والناس مجتمعون بها فقال: ألا إن هذي معزاي فلا يحل لرجل أن يدع أن يأخذ منها شاة، ولا يحل لرجل أن يجمع منها شاتين، فانتهبها الناس وتفرقت فيقال: حتى يجتمع معزى الفزر فذهبت مثلاً. وقال شبيب ابن البرصاء:
ومرة ليسوا نافعيك ولن ترى ... لهم مجمعاً حتى ترى غنم الفزر
وقال حبيب بن عيسى: كان من حديث الفزر مع امرأته الناقمية أنه قال لصعصعة في يوم الناقمية فيه مراغمة له: اخرج يا صعصعة في معزاك، فقالت أمه: لا يخرج صعصعة ويقعد كعب، اخرج يا هبيرة، قال: لا والذي يحج إليه على الركاب، قال: فاخرج أنت يا كعب، قال: وألية الفتى هبيرة لا أفعل، فألح على صعصعة فقالت أمه: ليس لك من شيخك إلا كده، فاخرج والله ما تصلح لغيرها، قال: إذاً والله أحسن رعايتها اليوم، فخرج حتى اضطرها إلى أصل علم، ووافق ذلك نفور الناس من عكاظ، فجعل لا يمر به جمع إلا حبسهم حتى إذا توافى بشر كثير أمرهم فانتهبوا غنمه، وسخطت الناقمية ما صنع ففارقته، فذلك قوله:
أجد فراق الناقمية فانتوتأم البين يحلولي لمن هو مولع
لقد كنت أهوى الناقمية حقبة وقد جعلت أقران بين تقطع
فلو لا بنياها: هبيرة إنه بني الذي يشفي سقامي وصعصع
لكان فراق الناقمية غبطة ... وهان علينا وصلها حين تقطع
وزعموا أن سعد بن زيد مناة بن تميم كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وكانت من أجمل الناس، فولدت له مالك ابن سعد وعوفاً، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن: يا عفلاء فقالت لها أمها: ساببنك فابدئيهن بعفال فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت: يا عفلاء، فقالت ضرتها رمتني بدائها وانسلت فأرسلتها مثلاً. وبنو مالك بن سعد رهط العجاج، وكانوا يقال لهم بنو العفيل، فقال اللعين المنقري وهو يعرض بهم:
ما في الدوائر من رجلي من عقل ... عند الرهان وما أكوى من العفل
وزعموا أن عمرو بن جدير
بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة كانت عنده امرأة معجبة له جميلة، وكان ابن عمه يزيد بن المنذر ابن سلمى بن جندل بها معجبا، وان عمرا دخل ذات يوم بيته فرأى منه ومنها شيئاً كرهه حتى خرج من البيت، فأعرض عنه، ثم طلق المرأة من الحياء منه، فمكث ابن جدير ما شاء الله لا يقدر يزيد بن المنذر على أن ينظر في وجهه من الحياء منه ولا يجالسه، ثم أن الحي أغير عليه، وكان فيمن ركب عمرو بن جدير، فلما لحق بالخيل ابتدره فوارس فطعنوه وصرعوه ثم تنازلوا عليه، ورآه يزيد بن المنذر فحمل عليهم فصرع بعضهم، وأخذ فرسه واستنفذه، ثم قال له: اركب وانج فلما ركب قال له يزيد: تلك بتلك فهل جزيتك فذهبت مثلاً.
وزعموا أن عمرو بن الأحوص
بن جعفر بن كلاب

كان أحب الناس إلى أبيه، فغزا بني حنظلة في يوم ذي نجب، فقتله خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل ابن نهشل، فزعموا أن أباه الأحوص بن جعفر - وهو يومئذ سيد بني عامر - قال: إن أتاكم الحماران طفيل بن مالك وعوف بن الأحوص يتحدثان ثم مضيا إلى البيوت فقد ظفر أصحابكم، وان جاء يتسايران حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقا فقد فضح أصحابكم وهزموا، فاقبلا حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقاً، فقال الاحوص: الفضيحة والله، ثم أرسل إليهما فأخبراه الخبر، فكان مما زعموا أن الأحوص إذا سمع باكية قال: وأهل عمرو قد أضلوه فأرسلها مثلاً؛ فيزعمون إن الأحوص مات من الوجد على عمرو ولم يلبث بعده إلا قليلاً، فقال لبيد بن ربيعة في ذلك وفي عروة بن عتبة وقد قتله البراض:
ولا الأحوصين في ليال تتابعا ... ولا صاحب البراض غير المغمر
وزعموا أن عبشمس بن سعد بن زيد مناة
وكان يلقب مقروعا عشق الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم، فطرد عنها وقوتل، فجاء الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة ليدفع عن عمه فضرب على رجله فقطعت وشلت، فسمي الأعرج، فسار إليه عبشمس بن سعد في بني سعد فأناخ إلى العنبر بن عمرو ابن تميم ومازن بن مالك بن عمرو بن تميم وغيلان بن مالك بن عمرو بن تميم يسألونهم إن يعطوهم بحقهم من رجل الأعرج، فضرب بنو عمرو بن تميم عليهم قبة، فقال لهم عبشمس: إن يرح إليكم مازن مترجلا وقد لبس ثيابه وتزين لكم فظنوا به شراً، وان جاءكم شعث الرأس خبيث النفس فاني أرجو أن يعطوكم بحقكم. فلما كان بالعشي وراح إليهم مازن مترجلاً قد لبس ثيابه وتزين لهم، فارتابوا به، فتحدث عندهم، فلما راح النعم دس عبشمس بعض أصحابه إلى الرعاء ليسمع ما يقولون، فسمع رجلاً من الرعاء يقول:
لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى نرى داهية تنسيها
أو يسف في أعينها سافيها
وكان غيلان بن مالك قد قال هذين البيتين قبل ذلك، فقال عبشمس حين خبره رسوله بما سمع وجن عليهم الليل: برزوا رحالكم، وكانوا ناحية، ففعلوا وتركوا قبتهم، فنادى مازن وأقبل إلى القبة: ألا حي بالقرى، فإذا الرجال قد جاؤوا عليهم السلاح حتى اكتنفوا القبة، فإذا هي خالية وليس فيها أحد منهم، وهرب بنو سعد على ناحيتهم. ثم إن عبشمس جمع لبني عمرو وغذاهم، فلما كان بعقوتهم ليلاً نزل في ليلة ذات ظلمة ورعد وبرق، فأقام بمنزلة حتى يصبحهم صباحاً، فقام يحوطهم من الليل، وكانت بنت عمرو معجبة به، وكان معجباً بها، قد عرف ذلك منهما، وكانت عاركاً - وكانت العارك في ذلك الزمان تكون في بيت على حدة ولا تخالط أهلها - فأضاء لها البرق فرأت ساقي مقروع، فأتت إياها تحت الليل فقالت: إني لقيت ساقي عبشمس في البرق فعرفته، فأرسل العنبر إلى بني عمرو فجمعهم، فلما أتوه خبرهم الخبر فقال مازن: حنت ولا تهنت وأنى لك مقروع فأرسلها مثلاً، وقد كانوا يعرفون إعجاب كل واحد منهما لصاحبه. ثم قال مازن للعنبر: ما كنت حقيقاً أن تجمعنا لعشق جارية. ثم تفرقوا فقال لها العنبر: لا رأي لمكذوب فأرسلها مثلاً، فأخبريني واصدقيني، قالت: يا أبتاه ثكلتك أمك إن لم أكن رأيت مقروعاً فانج ولا أظنك ناجياً فأرسلتها مثلاً، فنجا العنبر من تحت الليل وصبحتهم بنو سعد وقتلوا منهم ناسا فيهم غيلان بن مالك وهو الذي قال: لا نعقل الرجل ولا نديها، فجعلت بنو سعد تحثو في عينه التراب وهو قتيل ويقولون: تحلل غيل فذهب قولهم مثلاً.
يقول تحلل من يمينك، وغيل غيلان، فرخم. ثم إن عبشمس اتبع العنبر حتى أدركه وهو على فرسه وعليه اداته وهو يسوق ابله فقال له عبشمس: دع أهلك فان لنا وإن لك، فقال العنبر: لا ولكن من تقدم منعته ومن تأخر عقرته، فجعل إذا تأخر شيء عقره، فدنا منه عبشمس فلما رأته الهيجمانة نزعت خمارها وكشفت عن وجهها وقالت: يا عبشمس نشدتك الرحم لما وهبته لي، فقال: لقد خفتك على هذه منذ الليلة، فوهبه لها. وقال ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم لأبيه كعب بن عمرو في تلك الحرب، وكان ذؤيب صاحب راية عمرو في حروبها:
يا كعب إن أخاك منحمق فاشدد إزار أخيك يا كعب
أتجود بالدم ذي المضنة في ال ... جلى وتلوي الناب والسقب
تلوي: تتبع، الناب: المسنة من النوق، والسقب: ولد الناقة.

تنبو المناطق عن جنوبهم وأسنة الخطي لا تنبو
إني حلفت فلست كاذبه حلف الملبد شفه النحب
ينفك عندي الدهر ذو خصل نهد الجزارة منهب غرب
الجزارة: القوائم، ويقال فرس بحر وفرس سكب إذا كان كثير الجري.
يشتد حين يريد فارسه ... شد الجداية غمها الكرب
الجداية: الظبية، وهي من الظباء مثل العناق من المعز.
الآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الانساع والقرب
أي بعد أن وقعت العداوة يسعى في الصلح، أي ليس هذا من أوانة فحارب الآن ولا تبال.
أقبلت تعطي خطة غبناً وتركتها ومسدها رأب
جانيك من يجني عليك و قد تعدى الصحاح فتجرب الجرب
والحرب قد تضطر جانيها إلى المضيق ودونه الرحب
يروي غير ابن الأعرابي تعدي الصحاح مبارك الجرب، وأراد مباركاً فترك الألف لأن اللفظة لا تجرى.
وكان من أمر داحس وما قيل فيه من الأشعار والأمثال إن أمه كانت فرسا لقرواش بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، يقال لها جلوى، وأن أباه ذا العقال كان لحوط بن أبي جابر بن أوس ابن حميري بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك، وإنما سمي داحساً إن بني يربوع احملوا ذات يوم سائرين في نجعة، وكان ذو العقال مع ابنتي حوط ابن أبي جابر تجنبانه، فمرت به جلوى فرس قرواش، فلما رآها الفرس ودى - أي انعظ - فضحك شباب من الحي رأوه، فاستحيت الفتاتان فأرسلتاه، فنزا على جلوى، فوافق قبولها فأقصت ثم أخذه لهما بعض الحي فلحق بهم حوط، وكان رجلاً شريراً سيء الخلق، فلما نظر الى عين فرسه قال: والله لقد نزا فرسي فأخبراني ما شأنه، فأخبرتاه فقال: والله لا أرضى أبداً حتى آخذ ماء فرسي، قال له بنو ثعلبة: والله ما استكرهنا فرسك إنما كان منفلتاً، فلم يزل الشر بينهم حتى عظم، فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: دونكم ماء فرسكم، فسطا عليها حوط فجعل يده في تراب وماء ثم أدخلها في رحمها حتى ظن أنه أخرج الماء؛ واشتملت الرحم على ما فيها فنتجها قرواش مهراً فسمي داحساً بذلك، وخرج كأنه ذو العقال أبوه، وهو الذي قال ابن الخطفى فيه:
إن الجياد يبتن حول فنائنا ... من آل أعوج او لذي العقال
فلما تحرك المهر شيئاً مر مع أمه وهو فلو يتبعها، وبنو ثعلبة منتجعون فرآه حوط فأخذه، فقالت بنو ثعلبة: يا بني رياح ألم تفعلوا فيه ما فعلتم أو مرة ثم هذا الآن، فقالوا: هو فرسان ولن نترككم أو تدفعوه الينا فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: إذا لا نقاتلكم عليه، أنتم أعز علينا منه، هو فداؤكم، فدفعوه اليهم. فلما رأى ذلك بنو رياح قالوا: والله لقد ظلمنا إخوتنا مرتين وحلموا عنا وكرموا فأرسلوا به إليهم معه لقوحان، فمكث عند قرواش ما شاء الله، وخرج من أجود خيول العرب.

ثم إن قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي اغار على بني يربوع، فلم يصب غير ابنتي قرواش بن عوف ومائة لقرواش أصاب الحي وهم خلوف لم يشهد من رجالهم غير غلامين من بني أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فجالا في متن الفرس مرتدفيه وهو مقيد، فأعجلهما القوم عن حل قيده، واتبعهما القوم، فضبر بالغلامين ضبراً حتى نجوا به، ونادتهما إحدى الجاريتين أن مفتاح القيد مدفون في مذود الفرس بمكان الفرس بمكان كذا وكذا، فسبقا اليه حتى اطلقا حيث يرودونه فلما رأى ذلك قيس بن زهير رغب في الفرس فقال: لكما حكمكما وادفعا إلي الفرس، قالا: أو فاعل أنت هذا؟ قال: نعم، واستوثقا منه أن يرد ما أصاب من قليل أو كثير ثم يرجع عوده على بدئه ويطلق الفتاتين ويخلي عن الابل وينصرف عنهم راجعاً، ففعل ذلك قيس، ودفعا اليه الفرس. فلما رأى ذلك أصحاب قيس قالوا: لا والله لا نصالحك أبداً، أصبنا مائة من الابل وامرأتين فعمدت الى غنيمتنا فجعلتها في فرس لك تذهب به دوننا، فعظم في ذلك الشر حتى اشترى منهم غنيمتهم بمائة من الابل. فلما جاء قرواش قال للغلامين: أين فرسي؟ فاخبراه الخبر فآبى إن يرضى إلا أن يدفع إليه فرسه، فعظم في ذلك الشر حتى تنافروا فيه، فقضي بينهم أن ترد الفتاتان والابل إلى قيس بن زهير ويرد عليه الفرس، فلما رأى ذلك قرواش رضي بعد شر، وانصرف قيس معه داحس، فمكث ما شاء الله. فزعم بعضهم أن الرهان إنما هاجه بين قيس وبين حذيفة بن بدر أن قيساً دخل على بعض الملوك وعنده قينة لحذيفة بن بدر تغنيه بشعر امرىء القيس:
دار لهر والرباب وفرتنا ... ولميس قبل حوادث الأيام
وهن فيما يذكر نسوة من بني عبس، فغضب قيس بن زهير فشتمها وشق رداءها، فغضب حذيفة، فبلغ ذلك قيساً فأتاه ليسترضيه، فوقف عليه فجعل يكلمه وهو لا يعرفه من الغضب، وعنده أفراس له، فعابه قيس وقال: ما يرتبط مثلك مثل هذه يا ابا مسهر، فقال حذيفة: أتعيبها؟ قال: نعم، فتجاريا حتى تراهنا.
ويزعم بعضهم أن ما هاج الرهان أن رجلاً من بني عبد الله بن غطفان ثم احد بني جوشن - وهم أهل بيت شؤم - أتى حذيفة زائراً فعرض عليه حذيفة خيله فقال: ما رأى فيها جواداً مبراً، قال حذيفة: ويلك فعند من الجواد المبر؟ قال: عند قيس بن زهير قال: هل لك أن تراهنني عنه؟ قال: نعم قد فعلت، فراهنه على ذكرٍ من خيله وانثى، ثم إن العبدي أتى قيساً فقال: اني قد راهنت على فرسين من خيلك ذكر وانثى وأوجبت الرهان، فقال قيس: ما أبالي من راهنت غير حذيفة، قال: فاني راهنت حذيفة قال له قيس: إنك ما علمت لأنكد، قال: فأتى قيس حذيفة قال: ما غدا بك؟ قال: غدوت لأواضعك الرهان، قال: بل غدوت لتغلقه، قال: ما أردت ذاك، فأبى حذيفة إلا الرهان، قال قيس: أخيرك ثلاث خلال، إن بدأت فاخترت فلي خصلتان ولك الأولى، وان بدأت فاخترت فلي الأولى ولك خصلتان، قال حذيفة: فابدأ قال قيس: الغاية من مائة غلوة، قال حذيفة: المضمار أربعون ليلة - اي يضمرون الخيل - والمجرى من ذات الإصاد، ففعلا ووضعا السبق على يدي غلاق ابن غلاق أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان. فزعموا أن حذيفة أجرى الخطار فرسه والحنقاء، وزعم بعض بني فزارة انه أجرى قرزلاً والحنفاء، وأجرى قيس داحساً والغبراء. وزعم بعضهم انه هاج الرهان رجل من بني النعتم بن قطيعة

بن عبس يقال له سراقة راهن شباباً من بني بدر، وقيس غائب، على أربع جزائر من خمسين غلوة - الغلوة ما بين ثلاثمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع - فلما جاء قيس كره ذلك وقال: إنه لم ينته رهان قط إلا إلى شر. ثم أتى بني بدر فسألهم المواضعة فقالوا: لا حتى تعرف لنا سبقنا، فان أخذنا فحقنا وان تركنا فحقنا، فغضب قيس ومحك، وقال: أما إذ فعلتم فأعظموا الخطر وأبعدوا الغاية، قالوا: فذاك لك، فجعل الغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وتلك مائة غلوة، والثنية فيما بينهما، وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له حصين ويدي رجل من بني العشراء، من بني فزارة وهو ابن أخت لبني عبس، وملأوا البركة ماء، وجعلوا السابق أول الخيل يكرع فيها. ثم إن حذيفة وقيس بن زهير أتيا المدى الذي أرسلن منه ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه فلما أرسلت عارضاها فقال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال قيس: ترك الخداع من أجرى من مائة غلوة، فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة فجعلت خيل حذيفة تنزق خيل قيس فقال حذيفة: سبقت يا قيس، فقال قيس جري المذكيات غلاب، فأرسلها مثلاً. ثم ركضا ساعة فقال حذيفة: انك لا تركض مركضاً فأرسلها مثلاً، ثم قال سبقت خيلك يا قيس، فقال قيس: رويداً يعلون الجدد - الجدد: الأرض الغليظة، فأرسلها مثلاً، لأن الذكور في الوعوث أبقى وأصبر من الاناث، والاناث في الجدد أصبر وأسبق. وقد جعل بنو فزارة كميناً بالثنية فاستقبلوا داحساً فعرفوه فأمسكوه، وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلية، حتى مضت الخيل وأسهلت من الثنية، ثم أرسلوه فتمطر في آثارها فجعل يندرها فرساً فرساً حتى انتهى إلى الغاية مصلياً وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية لسبقها، فاستقبلها بنو فزارة فلطموها ثم حلأوها عن البركة، ثم لطموا داحساً وقد جاءا متواليين، وكان الذي لطمه عمير بن نضلة فجفت يده فسمي جاسئا، فجاء قيس وحذيفة في أخرى الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم ولطموا فرسيهم، ولو تطيقهم بنو عبس لقاتلوهم، وانما كان من شهد ذلك من بني عبس ابياتا وقال قيس إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شراً من الظلم فأعطونا حقنا، فأبى بنو فزارة أن يعطوهم شيئاً، وكان الخطر عشرين من الابل، فقالت بنو عبس: فأعطوا بعض سبقنا، فأبوا، قالوا: فأعطونا جزوراً ننحرها ونطعمها أهل الماء فانا نكره القالة في العرب، فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزرو واحد سواء، والله ما كنا لنقر لك في السبق ولم تسبق فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم إن قيساً قد كان كارهاً لأول هذا الرهان، وقد أحسن في آخره، وإن الظلم لا ينتهي إلا إلى شر، فأعطوه جزوراً من نعمكم، فأبوا فقام رجل من بني فزارة إلى جزور من إبلة فعقلها ليعطيها قيساً ويرضينة فقام ابنه فقال: انك لكثير الخطأ تريد أنة تخالف قومك وتلحق بهم ما ليس عليهم، فأطلق الغلام عقالها فلحقت بالنعم، فلما رأى ذلك قيس بن زهير احتمل هو عنهم ومن كان معه من بني عبس، فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم إن قيساً أغار فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله، فبلغ ذلك بني فزارة وهموا بالقتال وغضبوا، فحمل الربيع بن زياد أخو بني عوذ بن غالب بن قطيعة ابن عبس دية عوف بن بدر مائة عشراء متلية - أي تلاها أولادها - وأم عوف وأم حذيفة واخوته الخمسة هي سودة بنت نضلة بن عمير بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة، فاصطلح القوم فمكثوا ما شاء الله، - ونضلة كان يسمى جابرا. ثم إن مالك بن زهير أتى امرأة له يقال لها مليكة بنت حارثة من بني غراب بن ظالم بن فزارة فابتنى باللقاطة قريباً من الحاجر، فبلغ ذلك حذيفة فدس له فرساناً على افراس من مسان خيلهم فقال: لا تنظروا إن وجدتم مالكا أن تقتلوه، وربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن قارب

العبسي مجاور حذيفة بن بدر وكانت تحت الربيع بن زياد معاذة بنت بدر، فانطلق القوم فالقوا مالكاً فقتلوه ثم انصرفوا عنه، فجاءوا عشية وقد اجهدوا أفراسهم، فوقفوا أفراسهم على حذيفة ومعه الربيع بن زياد، فقال حذيفة: أقدرتم على حماركم؟ قالوا: نعم وعقرناه، قال الربيع: ما رأيت كاليوم قط، أهلكت أفراسك من أجل حمار، قال حذيفة لما اكثر الربيع عليه من الائمة وهو يحسب أن الذي أصابوا حماراً: إنا لم نقتل حماراً، ولكنا قتلنا مالك بن زهير بعوف بن بدر قال الربيع: بئس لعمر الله القتيل قتلت، أما والله إني لأظنه سيبلغ ما تكره، فتراجعا شيئاً ثم تفرقا، فقام الربيع يطأ الأرض وطأ شديدأ، وأخذ حمل بن بدر ذا النون سيف مالك بن زهير. فزعموا أن حذيفة لما قام الربيع أرسل أمة مولدة فقال: اذهبي إلى معاذة بنت بدر امرأة الربيع فانظري ما ترين الربيع يصنع، فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت فاندست بين الكفاء والنضد، فجاء الربيع فنفذ البيت حتى أتى فرسه، فقبض معرفته ومسح متنيه حتى قبض بعكوة ذنبه، ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه فهزه هزاً شديداً ثم ركزه كما كان، ثم قال لامرأته: اطرحي لي شيئاً، فطرحت له شيئاً فاضطجع عليه، وكانت قد طهرت تلك الليلة فدنت منه: إليك، قد حدث أمر، ثم تغنى:
نام الخلي وما أغمض حار ... من سيء النبأ الجليل الساري
من مثله تمسي النساء حواسراً ... وتقوم معولة مع الأسحار
من كان مسروراً بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
معناه أنه إذا نظر إلى النساء وما يصنعن لمقتل مالك علم أن رهطه لا يقرون لذلك حتى يدركوا لثأرهم:
يجد النساء حواسراً يندبنهيضربن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تستراًفالآن حين بدون للنظار
يخمشن حرات الوجوه على امرىءسهل الخليقة طيب الأخبار
أفبعد مقتل مالك بن زهيرترجو النساء عواقب الأطهار
ما إن أرى في قتله لذوي النهىإلا المطي تشد بالأكوار
ومجنبات ما يذقن عذوفاًيقذفن بالمهرات والأمهار
ومساعراً صداً الحديد عليهمفكأنما تطلى الوجوه بقار
يا رب مسرور بمقتل مالكولسوف يصرفه بشر محار
قال: فرجعت الأمة فأخبرت حذيفة فقال: هذا حين استجمع أمر أخيكم، ووقعت الحرب. وقال الربيع لحذيفة - وهو يومئذ جار له - سيرني فإني جاركم، فسيره ثلاث ليال ووجه معه قوماً وقال لهم: إن مع الربيع فضلة من خمر فان وجدتموه قد هراقها فهو جاد، وقد مضى فانصرفوا، وإن لم تجدوه هراقها فاتبعوه فإنكم تجدونه قد مال لأدنى روضة فرتع وشرب فاقتلوه، فتبعه القوم فوجدوه قد شق الزق ومضى فانصرفوا. فلما أتى الربيع قومه وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء، وذلك أن الربيع ساوم قيس بن زهير بدرع كانت عنده، فلما نظر إليها وهو راكب وضعها بين يديه ثم ركض بها فلم يرددها على قيس، فعرض قيس بن زهير لفاطمة بنت الخرشب الانمارية من بني أنمار بن بغيض - وهي أم الربيع بن زياد - وهي تسير في ظغائن من بني عبس، فاقتاد جملها يريد أن يرتهنها بالدرع حتى ترد عليه، فقالت: ما رأيت كاليوم قط فعل رجل، أين يضل حلمك؟ أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد وقد أخذت أمهم فذهبت بها يميناً وشمالاً فقال الناس في ذلك ما شاءوا أن يقولوا، وحسبك من شر سماعه، فأرسلتها مثلاً، فعرف قيس ما قالت له فخلى سبيلها وطرد ابلاً لبني زياد حتى قدم بها مكة فباعها من عند عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، فقال قيس في ذلك:
ألم يبلغك والأنباء تنميبما لاقت لبون بني زياد
ومحبسها لدى القرشي تشريبأدراع وأسياف حداد
كما لاقيت من حمل بن بدروأخوته على ذات الإصاد
هم فخروا علي بغير فخروردوا دون غايته جوادي
وكنت إذا منيت بخصم سوءدلفت له بداهية نآد
بداهية تدق الصلب منهفتقصم أو تجوب عن الفؤاد
وكنت إذا أتاني الدهر ربقبداهية شددت له نجادي
قال العدوي: ربق وربيق الداهية، وأم الربيق الداهية، والنجاد حمائل السيف.
ألم يعلم بنو الميقاب أنيكريم غير معتلث الزناد
أي ليس بفاسد الأصل. الوقب: الأحمق والميقاب مثله، وقالوا الميقاب: التي تلد الحمقى؛ ومعتلث لا خير فيه.

أطوف ما أطوف ثم آويإلى جار كجار أبي دواد
جار قيس بن زهير: ربيعة الخير بن قرط بن غيلان بن أبي بكر بن كلاب، ويقال جار أبي دواد الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان أبو دواد في جواره فخرج صبيان الحي يلعبون في غدير فغمسوا بني أبي دواد فمات، فخرج الحارث فقال: لا يبقى في الحي صبي إلا غرقته في الغدير، فودي ابن أبي دواد لذلك عدة ديات.
إليك ربيعة الخير بن قرطوهوباً للطريف وللتلاد
كفاني ما أخاف أبو هلالربيعة فانتهت عني الأعادي
تظل جياده يجمزن حوليبذات الرمث كالحدأ الغوادي
كأني إذ أنخت إلى ابن قرطعقلت إلى يمامة أو نضاد
ويروى: إلى يلملم أو نضاد وهما جبلان. وقال قيس بن زهير:
إن تك حرب فلم أجنهاجنتها صبارتهم أو هم
صبارتهم: خلفاؤهم.
حذار الردى إذ رأوا خيلنا ... مقدمها سابح أدهم
السابح: الكثير الجري.
عليه كمي وسربالهمضاعفة نسجها محكم
وإن شمرت لك عن ساقهافويهاً ربيع فلا تسأموا
زجرت ربيعاً فلم ينزجركما انزجر الحارث الأجذم
إذا نصب ربيع أراد الترخيم يا ربيعة، فلما حذف الهاء للترخيم ترك العين مفتوحة، ومن رفع ذهب به مذهب الاسم التام المفرد وإن كان مرخماً، كقول ذي الرمة: فيامي ما يدريك ....
وكانت تلك الشحناء بين بني زياد وبين بني زهير، فكان قيس يخاف خذلانهم إياه، فزعموا أن قيساً دس غلاماً له مولداً فقال: انطلق كأنك تطلب إبلا فإنهم سيسألونك، فاذكر مقتل مالك ثم احفظ ما يقولون فأتاهم العبد فسمع الربيع يتغنى بقوله:
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار
فلما رجع العبد إلى قيس أخبره بما سمع من الربيع بن زياد، فعرف قيس أنه قد غضب له، فاجتمعت بنو عبس على قتال بني فزارة، فأرسلوا إليهم أن ردوا إبلنا التي ودينا بها عوف بن بدر أخا حذيفة لأمه، قال: لا أعطيهم دية ابن أمي وإنما قتل صاحبكم حمل بن بدر وهو ابن الأسدية، فانتم وهو أعلم. ويزعم بعض الناس انهم كانوا ودوا عوف بن بدر مائة متلية - والمتالي التي في بطونها أولادها وقد تم حملها فانما ينتظر نتاجها - وأنه أتى على تلك الابل أربع سنين وقد توالدت، وأن حذيفة بن بدر أراد أن يردها بأعيانها فقال له سنان بن أبي حارثة: اتريد أن تلحق بنا خزاية فتعطيهم أكثر مما أعطونا فتسبنا العرب بذلك؟ فأمسكها حذيفة، وأبى بنو عبس أن يقبلوا إلا إبلهم بأعيانها، فمكث القوم ما شاء الله أن يمكثوا. ثم إن مالك بن بدر خرج يطلب إبلاً له فمر على جنيدب أخي بني رواحة فرماه بسهم فقتله يوم المعنقة فقالت ابنة مالك بن بدر:
لله عينا من أرى مثل مالكعقيرة قوم أن جرى فرسان
فليتهما لم يشربا قط شربةوليتهما لم يرسلا لرهان
أحل به جنيدب أمس نذره ... فأي قتيل كان في غطفان
إذا سجعت بالرقمتين حمامةأو الرس فابكي فارس الكتفان
ثم إن الأسلع بن عبد الله بن ناشب بن زيد بن هدم بن لدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض مشى في الصلح ورهن بني ذيبان ثلاثة من بنيه وأربعة من بني أخيه حتى يصطلحوا، وجعلهم على يدي سبيع بن عمرو من بني ثعلبة بن بن ذبيان، فمات سبيع وهم على يديه فأخذهم حذيفة من بنيه فقتلهم. ثم إن بني فزازة تجمعوا هم وبنو ثعلبة وبنو مرة فالتقوا هم وبنو عبس بالخاثرة فهزمتهم بنو عبس وقتلوا منهم مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبي - قتله الحكم بن مروان بن زنباع العبسي - وعبد العزى بد حذار الثعلبي والحارث بن بدر الفزاري، وقتلوا هرم بن ضمضم المري - قتله ورد بن حابس العبسي - ولم يشهد ذلك اليوم حذيفة بن بدر، فقالت نائحة هرم بن ضمضم - هو من بكر بن ضمضم - :
يا لهف نفسي لهفة المفجوعألا أرى هرماً على مودوع
من أجل سيدنا ومصرع جنبهعلق الفؤاد بحنظل مصدوع

أي من أجله محترق فؤادها وكأنما أكل حنظلاً. ثم إن حذيفة جمع وتهيأ واجتمع معه بنو ذبيان بن بغيض، فبلغ بني عبس أنهم قد ساروا إليهم، فقال قيس بن زهير: أطيعوني فو الله لئن لم تفعلوا لا تكئن على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقالوا: نطيعك، فأمرهم فسرحوا السوام والضعفاء بليل وهم يريدون إن يظعنوا من منزلهم ذلك، ثم ارتحلوا في الصبح فأصبحوا على ظهر دوابهم، وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم، فلما أصبحوا طلعت الخيل عليهم من الثنايا، فقال: خذوا غير طريق المال فإنه لا حاجة للقوم إن يقعوا في شوكتكم ولا يريدون بكم في أنفسكم شراً من ذهاب أموالكم، فأخذوا غير طريق المال. فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه قال: أبعدهم الله، وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم؟؟؟؟؟؟ فاتبع المال، وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم، وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال، فلما أدركوه ردوا أوله على آخره، ولم يفلت منهم شيء، وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الابل فيذهب بها، وتفرقوا واشتد الحر، فقال قيس بن زهير: يا بني عبس إن القوم قد فرق بينهم المغنم، فاعطفوا الخيل في آثارهم، ففعلوا فلم يشعر بنو ذبيان إلا بالخيل دواس - يعني متتابعة - فلم يقاتلهم كثير احد، وجعل بنو ذبيان إنما همة الرجل منهم في غنيمته أن يحوزها وينجو بها، فوضع بنو عبس السلاح فيهم حتى ناشدهم بنو زياد البقية، ولم يكن لهم هم غير حذيفة فأرسلوا مجنبتين يقتفون أثره، وأرسلوا خيلاً مقدمة تنفض الناس وتسألهم حتى سقط على أثر حذيفة من الجانب الأيسر أبو عنترة شداد بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس وعمرو بن الاسلع وقرواش بن هني والحارث بن زهير وجنيدب بن زيد، وكان حذيفة استرخى حزام فرسه، فنزل عنه فوضع رجله على حجر مخافة أن يقتص أثره، ثم شد الحزام فوضع صدر قدمه على الأرض فعرفوه بحنف فرسه فاتبعوه، ومضى حذيفة حتى استغاث بجفر الهباءة - الجفر: ما لم يطو من الآبار - وقد اشتد عليه الحر فرمى بنفسه فيه، ومعه حمل بن بدر وحنش بن عمرو وورقاء ابن بلال وأخوه، وهما من بني عدي بن فزارة، وقد نزعوا سروجهم وطرحوا سلاحهم ووقعوا في الماء فتمعكت دوابهم، وبعثوا ربيئة فجعل يطلع وينظر فاذا لم ير شيئاً رجع فنظر نظرة فقال: اني قد رأيت شخصاً كالنعامة أو كالطير فوق القتادة من قبل مجيئنا، فقال حذيفة هذا شداد على جروة، فحال بينهم وبين الخيل، ثم جاء عمرو بن الاسلع ثم جاء قرواش حتى تناموا خمسة، فحمل جنيدب على خيلهم فاطردها وحمل عمرو بت الاسلع وشداد عليهم في الجفر فقال حذيفة: يا بني عبس فأين العقل واين الاحلام؟ فضرب حمل بين كتفيه وقال: اتق مأثور القول بعد اليوم فأرسلها مثلاً، وقتل قرواش بن هني حذيفة بن بدر وقتل الحارث بن زهير حملاً وأخذ منه ذا النون سيف مالك بن زهير، وكان حمل بن بدر أخذه من مالك بن زهير يوم قتله، فقال الحارث بن زهير:
تركت على الهباءة غير فخر ... حذيفة حوله قصد العوالي
سيخبر قومه حنش بن عمرو ... اذا لاقاهم وابنا بلال
ويخبرهم مكان النون مني ... وما أعطيته عرق الخلال
من المخالة، اي ما اعطيته عن صداقة وصفاء ود. فأجابه حنش بن عمرو أخو بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض:
سيخبرك الحديث بكم خبير ... يجاهدك العداوة غير آل
بداءتها لقراوش وعمرو ... وانت تجول جوبك في الشمال
أي فعل قرواش هذا الفعل. العرق: العطية، والخلال: المخالة، يقول: لم تعطوني السيف عن مودة ولكني قتلته وأخذته، وقوله وأنت تجول جوبك في الشمال، الجوب: الترس، يريد إن قرواشاً وعمرو بن الأسلع اقتحما الجفر وقتلا من قتلا وأنت ترسك في يدك لم تغن شيئاً، ويقال لك البداءة ولفلان العوادة. وقال قيس بن زهير في ذلك:
تعلم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة لا يريم
ولولا ظلمة ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم
أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم
وقال في ذلك شداد بن معاوية العبسي:

من يك سائلاً عني فاني ... وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها ... أمام الحي يتبعها المهار
ويروى أمام الخيل، يريد أنها فرس حرب لا يطلب نسلها.
لها بالصيف آصرة وجل ... وست من كرائمها غزار
كرائم من الابل تشرب هذه الفرس البانها.
ألا أبلغ بني العشراء عني ... علانية وما يغني السرار
قتلت سراتكم وحسلت منكم ... حسيلاً مثل ما حسل الوبار
الحسيل: الرديء، يقول: أنفيت شراركم، وقتلت خياركم وأبقيت رذالكم.
ولم اقتلكم سراً ولكن ... علانية وقد سطع الغبار
وكان ذلك اليوم يوم ذي حسى - وحسى وادٍ فيه ماء.
ويزعم بعض بني فزارة إن حذيفة كان أصاب فيما أصاب من بني عبس تماضر بنت الشريد السلمية ام قيس بن زهير فقتلها، وكانت في المال. ثم إن بني عبس ظعنوا فحلوا إلى كلب بعراعر، وقد اجتمع عليهم بنو ذبيان فخالفوا، فقاتلتهم كلب فهزمتهم بنو عبس وقتلوا مسعود بن مصاد الكلبي ثم أحد بني عليم بن جناب، فقال في ذلك عنترة:
ألا هل أتاها أن يوم عراعر ... شفى سقماً لو كانت النفس تشتفي
أتونا على عمياء ما جمعوا لنا ... بأرعن لا خل ولا متكشف
تماروا بنا إذا يمدرون حياضهم ... على ظهر مقضي من الأمر محصف
علالتنا في كل يوم كريهةٍ ... بأسيافنا والقرح لم يتقرف
وما نذروا حتى غشينا بيوتهم ... بغبية موت مسبل الودق مذعف
اي تشككوا في رجوليتنا حتى استعملوا الحياض، علالتنا: اي بقيتنا. فأجلتهم الحرب فلحقوا بهجر فامتاروا منها، ثم حلوا على بني سعد بالفروق وقد آمنهم بنو سعد ثلاث ليال فأقاموها، ثم شخصوا عنهم، فاتبعهم ناس من بني سعد فقاتلهم العبسيون فامتنعوا حتى رجع بنو سعد وقد خابوا منهم ولم يظفروا بشيء، فقال في ذلك عنترة بن شداد بن معاوية:
ألا قاتل الله الطلول البواليا ... وقاتل ذكراك السنين الخواليا
القصيدة كلها. ثم سئل قيس بن زهير: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: مائة فارس كالذهب لم نكثر فنفشل ولم نقل فنضعف. ثم سار بنو عبس حتى وقعوا باليمامة، فقال قيس بن زهير: إن بني حنيفة قوم لهم عز وحصون فخالفوهم، فخرج قيس حتى أتى قتادة بن مسلمة الحنفي وهو يومئذ سيدهم، فعرض عليهم قيس نفسه وقومه، فقال: ما يرد مثلكم، ولكن لي في قومي أمراء لا بد من مشاورتهم، وما ننكر حسبك ولا نكايتك؛ فلما خرج قيس من عنده قيل له: ما تصنع، أتعمد إلى أفتك العرب وأحزمهم فتدخله أرضك ليعلم وجوه أرضك وعورة قومك ومن أين يؤتون؟! فقال: كيف أصنع وقد وعدت له على نفسي، وانا استحي من رجوعي؟ فقال له السمين الحنفي: انا أكفيك قيسا، وهو رجل حازم متوثق لا يقبل إلا الوثيقة، فلما اصبح قيس غدا عليه، ولقيه السمين فقال: انك على خير وليست عليك عجلة، فلما رأى ذلك قي ومر على جمجمة بالية فضربها برجله ثم قال: رب خسف قد أقرت به هذه الجمجمة مخافة مثل هذا اليوم، وما أراها وألت منه وان مثلاي لا يرضى إلا القوي من الأمر، فلما لم ير ما يحب احتمل فلحق ببني عامر بن صعصعة، فنزل هو وقومه على بني شكل، وهم بنو اختهم، وبنو شكل هم من بني الحريش ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكانت أمهم عبسية، فجاوروهم، فكانوا يرون عليهم أثرة وسوء جوار وأشياء تريبهم، ويستخفون بهم، فقال نابغة بني ذبيان:
لحا الله عبساً عبس آل بغيض ... كلحي الكلاب العاويات وقد فعل
فأصبحتم والله يفعل ذاكميعزكم مولى مواليكم شكل
إذا شاء منهم ناشىء دربخت لهلطيفة طي البطن رابية الكفل

دربخت المرأة: أي جبت له وخضعت وقامت على أربع حتى يأتيها. فمكثوا مع بني عامر، يتجنون عليهم ويرون منهم ما يكرهون، حتى غزتهم بنو أسد ومن تبعهم من بني حنظلة يوم جبلة، فأصابوا يومئذ زبان بن بدر فكانوا معهم ما شاء لله. ثم إن رجلاً من الضباب أسرته بنو عبد الله بن غطفان والضبابي هو اخو الحنبص فدفعه الذي أسره إلى رجل من أهل تيماء يهودي، فاتهمه اليهودي بامرأته فخصاه، فقال الحنبص الضبابي لقيس بن زهير: أد إلينا ديته، فإن مواليك بني عبد الله بن غطفان أصابوا صاحبنا، وهم حلفاء بني عبس، فقال: ما كنا لنفعل، فقال: والله لو أصابه مر الريح لوديتموه، فقال قيس بن زهير في ذلك:
لحا الله قوما أرشوا الحرب بيننا ... سقونا بها مراً من الشرب آجنا
وحرملة الناهيهم عن قتالناوما دهره ألا يكون مطاعنا
أكلف ذا الخصيين إن كان ظالماً ... وإن كان مظلوماً وإن كان شاطنا
خصاه امرؤ من أهل تيماء طابنولا يعدم الإنسى والجن طابنا
فهلا بني ذبيان وسط بيوتهمرهنت بمر الريح إن كنت راهنا
وخالستهم حقي خلال بيوتهموإن كنت ألقى من رجال ضغائنا
إذا قلت قد أفلت من شر حنبصلقيت بأخرى حنبصاً متباطناً
فقد جعلت أكبادنا تجتويهم ... كما يجتوي سوق العضاه الكرازنا
العضاة: كل شجر له شوك، والكرازن: المعاول، الواحد كرزين.
تدروننا بالمنكرات كأنما ... تدرون ولدانا ترمي الرهادنا
تدروننا: تختلوننا، والرهادن: جمع رهدن وهو شبيه بالعصفور. فقال النابغة الذبياني جواباً لقيس:
ابك بكاء النساء إنك لنتهبط أرضاً تحبها أبدا
نحن وهبناك للحريش وقدجاوزت في الحي جعفرا عددا
وأغار قرواش بن هني العبسي - وبنو عبس يومئذ في بني عامر - على بني فزارة، فأخذه أحد بني العشراء - الأخرم بن سيار أو قطبة بن سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة - أخذه تحت الليل، فقالوا له: من أنت؟ فقال: رجل من بني البكاء، فعرفت كلامه فتاة من بني مازن، وكانت ناكحاً في بني عبس، فقالت: أبا شريح أما والله لنعم مأوى الأضياف وفارس الخيل أنت، فقالوا له:ومن أنت؟ قال: قرواش بن هني، فدفعوه إلى بني بدر فقتلوه، وكان قتل حذيفة، ويزعم بعض الناس أنهم دفعوه إلى بني سبيع فقتلوه بمالك بن سبيع، وكان قتل مالك بن سبيع الحكم بن مروان بن زنباغ فقال نهيكة ابن الحارث من بني مازن بن فزارة:
صبرأ بغيض بن ريث إنها رحمقطعتموها أناختكم بجعجاع
فما أشطت سمي أن هم قتلوابني أسيد بقتلى آل زنباع
لقد جزتكم بنو ذبيان ضاحيةبما فعلتم ككيل الصاع بالصاع
قتلاً بقتل وتعقيراً بعقركممهلاً حميض فلا يسعى بها الساعي
وقال في ذلك عنترة:
هديكم خير أباً من أبيكمأعف وأوفى بالجوار وأحمد
وأحمى لدى الهيجا إذا الخيل صدها ... غداة الصياح السمهري المقصد
فهلا وفي الفوغاء عمرو بن جابربذمته وابن اللقيطة عصيد
سيأتيكم مني وإن كنت نائياًدخان العلندى حول بيتي مذود
قصائد من بز امرىء يجتديكموانتم بجسم فارتدوا وتقلدوا
أي يطلب منكم الثأر. وقال قيس بن زهير:
مالي أرى إبلي تحن كأنهانوح تجاوب موهناً أعشارا
نوح: نساء ينحن، والأعشار: جمع عشر وهو إن يرد الماء في اليوم التاسع، وهذا مثل، والموهن: بعد صدر من الليل.
لن تهبطي أبداً جنوب مويسلوقنا قراقرتين فالأمرارا
أجهلت من قوم هرقت دماؤهمبيدي ولم أدهم بجنب تعارا
إن الهوادة لا هوادة بينناإلا التجاهد فاجهدن فزارا
إلا التزاور فوق كل مقلصيهدي الجياد إذا الخميس أغارا
فلا هبطن الخيل حر بلادكملحق الأياطل تنبذ الأمهارا
حتى تزور بلادكم وتروا بهامنكم ملاحم تخشع الأبصارا
وقال قيس بن زهير في مالك بن زهير بن بدر:
أخي والله خير من أخيكمإذا ما لم يجد بطل مقاما
أخي والله خير من أخيكمإذا ما لم يجد راع مساما
أخي والله خير من أخيكمإذا الخفرات أبدين الخداما
قتلت به أخاك وخير سعدفان حربا حذيف وإن سلاما
ترد الحرب ثعلبة بن سعدبحمد الله يرعون البهاما
وكيف تقول صبر بني حجانإذا غرضوا ولم يجدوا مقاما

وتغني مرة الأثرين عناعروج الشاء تتركهم قياما
ولولا آل مرة قد رأيتمنواصيهن ينضون القتاما
وقال نابغة بني ذبيان:
أبلغ بني ذبيان أن لا أخا لهمبعبس إذا حلوا الدماخ فأظلما
بجمع كلون الأعبل الجون لونه ... ترى في نواحيه زهيراً وحذيما
هم يردون الموت عند لقائهإذا كان ورد الموت لا بد أكرما
ثم إن بني عبس ارتحلوا عن بني عامر، فساروا يريدون بني تغلب، فأرسلوا إليهم أن أرسلوا إلينا وفداً فأرسلت إليهم بنو تغلب بستة عشر راكباً منهم ابن الخمس التغلبي قاتل الحارث بن ظالم، وفرح بهم بنو تغلب وأعجبهم ذلك. فلما أتى الوفد بني عبس قال قيس: انتسبوا نعرفكم، فانتسبوا، حتى مر بابن الخمس، فقال قيس: أن زماناً أمنتنا فيه لزمان سوء، قال ابن الخمس: وما أخاف منك، فو الله لأنت اذل من قراد بمنسم ناقتي فقتله قيس، وإنما يقتله بالحارث بن ظالم، لأن الحارث كان قتل بزهير بن جذيمة خالد بن جعفر بن كلاب، فلما رأى ذلك قيس قال: يا بني عبس ارجعوا إلى قومكم فهم خير أناس لكم فصالحوهم، فأما أنا فلا أجاور بيتاً غطفانياً أبداً، فلحق بعمان فهلك بها. ورجع الربيع وبنو عبس، فقال الربيع بن زياد في ذلك:
حرق قيس علي البلادحتى إذا استعرت أجذما
أجذم: ذهب، ويقال أنه لمجذام الركض إذا أسرع.
جنية حرب جناها فماتفرج عنه وما أسلما
عشية يردف آل الربابيعجل بالركض أن يلجما
في نسخة غداة بآل الرباب، والرباب امرأة يعشقها قيس بن زهير.
ونحن فوارس يوم الهريرإذ تسلم الشفتان الفما
عطفنا وراءك أفراسناوقد مال سرجك فاستقدما
إذا نفرت من بياض السيوفقلنا لها أقدمي مقدما
ولما انصرف الربيع - وكان يسمى الكامل - أتى بني ذبيان ومعه ناس من بني عبس، فأتى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، فوقفوا عليه فقالوا له: هل أحسست لنا الحارث بن عوف - وهو يعالج نحياً له - فقال: هو في أهله، ثم رجعوا وقد لبس ثيابه، فقالوا: ما رأينا كاليوم قط مركوباً إليه قال: ومن أنتم، قالوا: بنو عبس ركبان الموت، قال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، مرحباً بكم، لا تنزلوا حتى لا تأتوا حصن بن حذيفة، قالوا: أنأتي غلاماً حديث السن قد قتلنا أباه وأعمامه ولم نره قط؟! قال الحارث: نعم إن الفتى حليم وأنه لا صلح حتى يرضى، فأتوه عند طعامه ولم يكن رآهم، فلما رآهم عرفهم، قال: هؤلاء بنو عبس، فلما أتوه حيوه فقال:من انتم قالوا: ركبان الموت، فحياهم وقال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، إن تكونوا احتجتم إلى قومكم فقد احتاج قومكم إليكم، هل أتيتم سيدنا الحارث بن عوف، قالوا: لم ناته، وكتموه اتيانهم إياه، فقال: فأتوه، فقالوا: ما نحن ببارحيك حتى تنطلق معنا، فخرج يضرب أوراك أباعرهم قبله حتى أتوه، فلما اتوه حلف عليه حصن: هل أتوك قبلي، قال: نعم، قال: فقم بين عشيرتك فإني معينك بما أحببت، قال الحارث: أفأدعو معي خارجة بن سنان؟ قال نعم،فلما اجتمعنا قلا لحصن: اتجيرنا من خصلتين: من الغدر بهم والخذلان لنا؟ قال: نعم، فقاما بينهما فباءوا بين القتلى، وأخرجا لبني ثعلبة بن سعد الف ناقة أعانهما فيها حصن بخمسمائة ناقة. وزعموا أنه لما اصطلح الناس، وكان حصين بن ضمضم المري قد حلف لا يمس غسلاً حتى يقتل بأخيه هرم بن ضمضم الذي قتله ورد بن حابس العبسي، فأقبل رجل من بني عبس يقال له ربيعة بن وهب الحارث بن عدي بن بجاد، وأمه امرأة من بني فزارة، يريد أخواله، فلقي حصين بن ضمضم فقتله بأخيه، فقال حيان بن حصن أحد بني مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عبس:
سالم الله من تبرأ من غي ... ظٍ وولى أثامها يربوعا
قتلونا بعد المواثيق بالس ... م تراهن في الدماء كروعا
إن تعيدوا حرب القليب علينا ... تجدوا أمرنا أحذ جميعا
فلما بلغ فزارة قتل حصين بن ضمضم ربيعة بن وهب غضبوا، وغضب حصن في قتل ابن اختهم، وفيما كان من عقد حصن لبني عبس، وغضبت بنو عبس فأرسل اليهم الحارث بابنه فقال: اللبن أحب إليكم أم انفسكم - يعني ابنه - يقول: إن شئتم فاقتلوه وان شئتم فالدية، قالوا: بل اللبن، فأرسل اليهم بمائة من الابل دية ربيعة بن وهب فقبلوا الدية وتموا على الصلح، فقال في ذلك شييم بن خويلد الفزاري:

حلت أمامة بطن التين فالرقما ... واحتل أهلك أرضاً تنبت الرتما
من ذات شك إلى الأعراج من إضمٍ ... وما تذكره من عاشق أمما
هم بعيد وشأو غير مؤتلف ... إلا بمزؤودة لا تشتكي السأما
أنضيتها من ضحاها أو عشيتها ... في مستتب يشق البيد والاكما
سمعت أصوات كدري الفراخ به ... مثل الأعاجم تغشي المهرق القلما
يا قومنا لا تعرونا بمظلمة ... يا قومنا واذكروا الآلاء والذمما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداغ واللمما
عي المسود بها والسائدون ... ولم يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
كنا بها بعدما طيخت عروضهم ... كالهبرقية ينفي ليطها الدسما
أي ينقطر منها الدم، طيخت: دنست، والطيخ الفساد، والهبرقية السيوف والهبرقي: الحداد، أراد كالسيوف التي تشن الدم، والليط: اللون، ليط الإنسان: جلده ولونه.
إني وحصناً كذي الأنف المقول له ... ما منك أنفك إن أعضضته الجلما
أي لا أستغني أنا عن حصن كما لا يستغنى عن الأنف.
أإن أجار عليكم لا أبا لكم ... حصن تقطر آفاق السماء دما
أدوا ذمامة حصن أو خذوا بيد ... حرباً تحش الوقود الجزل والضرما
الضرم: صغار الحطب، أي أعطوا الرضى بدية او غيرها او ائذنوا بحرب. وقال في ذلك عبد قيس بن بجرة أخو بني شمخ بن فزارة، وهو ابن عنقاء، يعتذر عن حصين بن ضمضم المري:
إن تأت عبس وتنصرها عشيرتها ... فليس جار ابن يربوع بمخذول
كلا الفريقين أغنى قتل صاحبه ... هذا القتيل بميت أمس مطلول
باءت عرار بكحل والرفاق معاً ... فلا تمنوا أماني الأضاليل
وعرار: مثل حذام وقطام، أي اتفقوا واصطلحوا، وعرار وكحل، ثور وبقرة كانا في سبطين من بني اسرائيل، فقعر كحل فقعرت به عرار، فوقع الشر بينهم حتى كادوا أن يتفانوا - فضربت العرب بهما مثلاً. وقال زهير بن أبي سلمى يذكر الحارث بن عوف وخارجة بن سنان وحملهما ما حملا من دماء بني عبس وبني ذبيان:
لعمري لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم
إلى آخر القصيدة.
وزعموا أن بني مرة وبني فزارة لما اصطلحوا وباءوا بين القتلى أقبلوا يسيرون حتى نزلوا على ماء يقال له قلهى، وعليه بنو ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فقالت بنو مرة وبنو فزارة لبني ثعلبة: اعرضوا عن بني عبس فقد باءونا بعض القتلى ببعض، فقالت بنو ثعلبة: كيف تباؤون بعبد العزى بن حذار ومالك بن سبيع؟ أتهدرونهما وهما سيدا قيس؟ فو الله لا نسم هذا بأنوفنا، فمنعوهم الماء حتى كادوا يموتون عطشاً. فلما رأوا ذلك أعطوهم الدية، ويزعمون إنها كانت أول الحمالة. فقال في ذلك معقل بن عوف بن سبيع الثعلبي:
لنعم الحي ثعلبة بن سعد ... إذا ما القوم عضهم الحديد
هم ردوا القبائل من بغيضٍ ... بغيظهم وقد حمي الوقود
تطل دماؤهم والفضل فينا ... على قلهى ونحكم ما نريد
وقال الربيع بن زياد في حرب داحس:
إن تك حربكم أمست عواناً ... فإني لم أكن ممن جناها
ولكن ولد سودة أرثوها ... وحشوا نارها لمن اصطلاها
فإني لست خاذلكم ولكن ... سأشفي الآن إذ بلغت إناها
ولد سودة: حذيفة وإخوته الخمسة، أمهم سودة بنت نضلة بن عمير بن جرية.وقال عنترة بن شداد بن معاوية:
سائل عميرة حين اجلب جمعها ... عند الحروب باي حي تلحق
أبحي قيس ام بعذرة بعدما ... رفع اللواء لها وبئس المحلق
وأسأل حذيفة حين أرش بيننا ... حرباً ذوأبها بموت تخفق
فلتعلمن اذا التقت فرساننا ... بلوى النجيرة أن ظنك أحمق
فهذا ما كان من حديث داحس. وبلغنا إن الحرب التي كانت فيه أربعون سنة، وصار داحس مثلا ويقال: أشأم من داحس.
وقال بشير بن أبي العبسي:
إن الرباط النكد من آل داحسٍ ... جرين فلم يفلحن يوم رهان

فسببن بعد الله مقتل مالكٍ ... وغربن قيساً من وراء عمان
ويمنع منك السبق إن كنت سابقاً ... وتلطم إن زلت بك القدمان
لطمن على ذات الإصاد وجمعهم يرون الأذى من ذلة وهوان تم حديث داحس والحمد لله رب العالمين.
و كان من حديث بيهس أنه كان رجلاً من بني غراب بن فزارة بن ذبيان بن بغيض وكان من سابع سبعة إخوة، فأغار عليهم ناس من أشجع وبينهم حرب، وهم في إبلهم، فقتلوا ستةً وبقي بيهس، وكان يحمق، وكان أصغرهم، فأرادوا قتله ثم قالوا: ما تريدون من قتل هذا يحسب عليكم برجل ولا خير فيه، فتركوه فقال: دعوني أتوصل معكم إلى أهلي فانكم إن تركتموني وحدي أكلتني السباع وقتلني العطش، ففعلوا فاقبل معهم، فلما كان في الغد نزلوا فنحروا جزوراً في يوم شديد الحر فقالوا: اظلوا لحم جزوركم لا يفسد، فقال بيهس: لكن بالآثلاث لحماً لا يظلل فقالوا: إنه لمنكر وهموا إن يقتلوه، ثم تركوه ففارقهم حتى انشعب له طريق أهله فأتى أمه فأخبرها الخبر فقالت: ما جاءني بك من بين إخوتك؟ فقال لو خيرك القوم لاخترت، فأرسلها مثلاً. ثم إن أمه عطفت عليه ورقت فقال الناس: احبت ام بيهس بيهساً ورقت له، فقال بيهس: ثكل أرأمها ولداً فأرسلها مثلاً. ثم جعلت تعطيه ثياب إخوته ومتاعهم يلبسها فقال يا حبذا التراث الذلة، فأرسلها مثلاً. وقال حبيب بن عيسى لما اراد بيهس أن يمضي عنهم قال بضهم: كيف يأتي هذا الشقي أهله بغير خفير؟ فقال لهم بيهس: دعوني فكفى بالليل خفيراً فأرسلها مثلاً. ثم أتى على ذلك ما شاء الله، ثم إنه مر على نسوة من قومه يصلحن امرأة منهن يردن أن يهدينها لبعض القوم الذين قتلوا إخوته فكشف ثوبه عن استه وغطى به راسه، فقلن: ويحك اي شيء تصنع؟ فقال:
البس لكل حالة لبوسها ... إما نعيمها وإما بوسها
فأرسلها مثلاً، فلما أتى على ذلك ما شاء الله جعل يتتبع قتلة إخوته فيقتلهم ويتقصاهم حتى قتل منهم ناساً فقال بيهس:
يا لها من مهجة يا لها ... أني لها الطعم والسلامه
قد قتل القوم إخوانها ... في كل وادً زقاء هامه
لأطرقنهم وهم نيام ... فأبركن بركة النعمامه
قابض رجل وباسط أخرى ... والسيف أقدمه امامه
نعامة: هو بيهس، لقب بنعامة لقوله: فأبركن بركة النعامة. ثم أخبر أن ناساً من أشجع في غار يشربون فيه، فانطلق بخالٍ له يكنى أبا حشر فقال له: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منهن؟ قال: نعم، فانطلق بيهس باي حشر حتى إذا قام على باب الغار دفع خاله في الغار فقال: ضرباً أبا حشر، فقال بعضهم: إن أبا حشر لبطل، فقال أبو حشر: مكره أخوك لا بطل فأرسلها مثلاً، فكان بيهس مثلاً في العرب، قال المتلمس:
ومن حذر الأيام ما حز انفه ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
وأول هذه الأبيات:
وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا ... وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا
فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتة ... وموتن بها حراً وجلدك أملس
ومن حذر الأيام... الخ.
وقال بعض الشعراء من بني تغلب وهو أبو اللحام:
لقمان منتصراً وقس ناطقاً ولأنت أجرأ صولةً من بيهس
يريد بها الأسد ههنا وهذا البيت غلط من المفضل لان بيهساً هو الأسد وليس ببيهس الذي يلقب بنعامة، ويدلك على ذلك البيت الذي بعده وهو لأبي اللحام التغلبي يمدح عباد بن عمرو بن كلثوم: يقص السباع كأن فحلاً فوقه ضخم مذمره شديد الافحس كان قس بن ساعدة من إياد مفوها ناطقاً فوقف بسوق عكاظ على جمل له أحمر فقال: أيها الناس اجتمعوا ثم اسمعوا وعوا، كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لمعتبرا، نجوم تمور، وبحار لا تبور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ما للناس يذهبون ثم لا يرجعون، أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا، يحلف بالله قس بن ساعدة إن الله لديناً احب اليه مما نحن فيه.
زعموا أن رجلاً من بني عمرو بن سعد
بن زيد مناة بن تميم يقال له عياض ابن ديهث

أورد إبله على ماء، فصادف عليه رعاء الحارث بن ظالم المري - مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان - فأدلى عياض بن ديهث دلوه ليسقي ماشيته، فقصر رشاؤه واستعار بعض أرشية رعاء الحارث بن ظالم فأعاروه حتى سقى إبله، ثم أصدرها، فلقيه بعض حشم النعمان فأخذ أهله وماله، فنادى يا حار يا حاراه، فركب الحارث حتى أتى النعمان، وقد كان لقي عياضاً قبل ذلك، فقال له: ويلك ومتى أجرتك؟ قال: فاني عقدت رشائي برشاء رعائك فسقيت إبلي، وأخذت ذلك الماء في بطونها، فقال له الحارث: إن في هذا لجواراً ثم اتى النعمان فقال: أبيت اللعن، إنك أخذت إبل جاري وأهله وولده، فقال النعمان: أفلا تشدما وهي من أديمك أول - يعني قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر وهو جار للأسود بن المنذر بن ماء السماء أخي النعمان. ثن إن النعمان أوعد الحارث وعيداً شديداً فقال له الحارث: هل تعدون الحيلة الى نفسي، فأرسلها مثلاً، أي هل تريد بحيلتك أن تقتلني، هذا غايتك، يريد هل يكون شيء بعد الموت. ثم انصرف تدبر النعمان كلمته فندم على تركه، ثم طلبه فلم يجده. وكانت سلمى بنت ظالم أخت الحارث تحت سنان بن أبي حارثة بن نشبة بن غيظ بن مرة، وكان النعمان قد دفع الى سنان ابن أبي حارثة ابناً له يكون عنده، فجاء الحارث إلى أخنه فقال: إن سناناً يقول لك: زيني ابن النعمان حتى آتي به أباه لعله يصنع إلينا خيراً، ففعلت، فانطلق به الحارث فضرب عنقه، ثم هرب فلحق بمكة، وكان رد على ابن ديهث بعض ما أخذ منه، فقال الحارث بن ظالم:
قفا فاسمعا اخبركما إذ سألتما ... محارب مولاه وثكلان نادم
مولاه: ابن عمه، أي إنا نحارب ابن عمي سنان بن أبي حارثة الذي كان عنده ابن النعمان.
فأقسم لولا من تعرض دونه ... لخالطه ما في الحديدة صارم
حسبت أبا قابوس أنك فائز ... ولما تذق وأنفك راغم
فان تك أذواد أصبن ونسوة ... فهذا ابن سلمى رأسه متفاقم
علوت بذي الحيات مفرق رأسه ... ولا يركب المكروه لولا الاكارم
فتكت به كما فتكت بخالدٍ ... وكان سلاحي تجتويه الجماجم
أخصي حمار ظل يكدم نجمةً ... أيؤكل جيراني وجارك سالم
بدأت بيتك وانثنيت بهذه ... وثالثة تبيض منها المقادم
وقال الفرذدق يذكر ذلك:
كما كان أوفى اذ ينادي ابن ديهث ... وصرمته كالمغنم المنتهب
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السيف يضرب
وما كان جاراً غير دلوً تعلقت ... بحبليه في مستحصد العقد مكرب
مكرب: مشدود، وعقد الحبل على عراقي الدلو يقال له الكرب، ويقال للرجل اكرب دلوك. وقال الفرذدق:
أعوذ ببشر والمعلى كلاهما ... بني مالك أوفى جواراً وأكرم
من الحارث المنجي عياض بن ديهث ... فرد أبو ليلى له وهو أظلم
وما كان جاراً غير دلو تعلقت ... بعقد رشاء عقده لا يجذم
فرد أخا عمرو بن مسعود ذوده ... جميعاً وهن المغنم المتقسم
فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم أن الحارث قدم الحيرة فأخذ فأتى به النعمان فأمر به ابن الخمس التغلبي فضرب عنقه. زعموا أن الرجلين من أهل هجر أخوين ركب أحدهما ناقة صعبة، وكانت العرب تحمق أهل هجر، وان الناقة ندت، ومع الذي لم يركب منهما قوس ونبل، واسمه هنين، فناداه الراكب منهما: يا هنين أنزلني عنها ولو بأحد المغروين - يعني سهمه - فرماه أخوه فصرعه فمات فذهب قوله: ولو بأحد المغروين مثلاً.
زعموا أن رجلاً شاباً غزلاً
خرج يطلب حمارين لأهله فمر على امرأة متنقبة جميلة في النقاب، فقعد بحذائها وترك طلب الحمارين، وشغله ما سمع من حسن حديثها وما رأى من جمالها في النقاب، فلما سفرت عن وجهها إذا لها أسنان مكفهرة منكرة مختلفة، فلما رآها ذكر حماريه فقال: ذكرني فوك حماري أهلي فذهب قوله مثلاً.
زعموا أن رجلاً في الجاهلية
كانت له فرس مرببة معلمة قد تألفه وعرفته

فبعثه قومه طليعة فمر بروضة فأعجبته، وهو لا يدري أن العدو قريب منه، فنزل فخلع لجام فرسه وخلى عنها ترعى، فبينا هو على ذلك إذ طلعت عليه خيل العدو دواس - أي يتبع بعضهم بعضاً - فأخذوه، وطلبوا الفرس فسبقتهم، فلم يقدروا عليها، فتعجبوا منها ومن جودتها فقالوا: إن دفعتها إلينا فأنت آمن وإلا قتلناك، فظن الرجل أنهم قاتلوه إن لم يفد نفسه، فدعاها فجاءت فقال: عرفتني نسأها الله أي أخرها وزاد في أجلها، فصار مثلاً.
وزعموا أن قوماً كانوا في جزيرة
من جزائر البحر في الدهر الأول ودونها خليج من البحر، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبراً، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فأقل النفخ وأضعف الربط، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وغشية الموت فنادى رجلاً من أصحابه أن يا فلان إني قد هلكت. فقال: ما ذنبي يداك أوكتا وفوك نفخ فذهب قوله مثلاً. اوكيت رأس السقاء إذا شددته وقال بعض الشعراء:
دعاؤك حذر البحر أنت نفخته ... بفيك وأوكته يداك لتسبحا
زعموا أن شيخاً كانت تحته امراة شابة
فكانت تراه إذا أراد أن ينتعل قعد فانتعل، وكانت ترى الشبان ينتعلون قياماً؛ فقالت يا حبذا المنتعلون قياماً فسمع ذلك منها فذهب ينتعل قائماً فضرط وهي تسمع فقالت: إذا رمت الباطل أنجح بك اي غلبك، فأرسلتها مثلاً.
زعموا أن الحارث بن أبي شمر الغساني سأل أنس ابن الحجيرة عن بعض الأمر فأخبره به فلطمه فقال: ذل لو أجد ناصراً ثم قال: الطموه، فقال أنس: لو نهي عن الأولى لم يعد للآخرة، فأرسلها مثلاً فقال زيدوه فقال أنس أيها الملك ملكت فأسجح فأرسلها مثلاً. فأمر أن يكف عنه.
زعموا أن قوماً شردت إبل بني صحار
بن وهب بن قيس بن طريف وهو اخو الطماح بن عمرو بن قعين، حتى وقعت في بلاد بني عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، فركب الجميح - وهو منقذ ابن الطماح بن قيس - في طلب الابل حتى وقع في بلاد بني مرة، قال: فانتهيت إلى بيت عظيم فأنخت إليه ووضعت رحلي عنده في عشية متغيمة، فإذا في البيت الذي انخت بفنائه رجل شاب مضاجع ربة البيت، قد غلبته عينه فنام، فحسبته رب هذا البيت، فلم ألبث إلا قليلاً حتى راح الشاء فحبست في العطن، ثم راحت الابل وفيها أفراس ومعها رعاؤها، فحسبت في العطن، ثم طلع رجل على فرس يصهل فارتاحت له الخيل، وارتاحت العبيد لذلك، وجاء حتى وقف عليهم فقال: ماذا كم السواد بفناء البيت؟ قالوا: ضيف، فلما رأيت ذلك عرفت أنه رب البيت، وان الفتى ليس منها في شيء، فدخلت البيت فاحتملت الفتى حتى أبرزته من وراء البيت، فاستيقظ بي فقال: أما أنت فقد أنعمت علي فمن أنت؟ فقلت: أنا منقذ بن الطماح، قال: أو في الابل جئت؟ قلت: نعم، فقال: أدركت، امكث ليلتك هذه عند صاحب رحلك، فإذا اصبحت فأت ذاك العلم الذي ترى فقف عليه ثم ناديا صباحاه فإذا اجتمع إليك الناس فإني سآتيك على فرس ذنوب بين بردين، فأعرض لك الفرس مرتين حتى تثب عليه، فإذا فعلت ذلك فثب خلفي ثم ناد يا حار يا حار المخاض، فإنك إذا فعلت ذلك أدركت قال وإذا هو الحارث بن الظالم فلما أصبحت فعلت الذي أمرني به، فناديت يا صباحاه، فأتاني الناس حتى جاءني آخر من جاء، فعرض لي فرسه فوثبت عليه فإذا أنا خلفه، فقلت يا حار يا حار المخاض، فأجارني وحولت رحلي إليه، فمكثت عنده أياماً لا يصنع شيئاً، ثم قال: سبني يغضب لحمى فقلت: لا أسبك أبداً، قال: فقل قولاً يعذرني به قومي، قال: فمكث حتى إذا أوردوا النعم جعلت أسقي وأرتجز فقلت - وكانت في الابل الذي ذهبت ناقة يقال لها اللفاع:
إني سمعت حنة اللفاعفي النعم المقسم الأوزاع
ناقصلى الله عليه وسلم ما وليدة جياعأما إذا أجدبت المراعي
فإنها تحلب في المجاعأما إذا أخصبت المراعي
فإنها نهي من النقاعفادعي أبا ليلى ولا تراعي
ذلك راعيك فنعم الراعيإلا يكن قام عليه ناعي
لا تؤكلي العام ولا تضاعيمنتطقاً بصارم قطاع
يفري به مجامع الصداع فلما سمع بذلك الحارث - وكان يكنى أبا ليلى - أقبل يسعى مخترطاً سيفه فقال:
هل يخرجن ذودك ضرب تشذيب ... ونسب في الحي غير مأشوب

هذا أواني وأوان المعلوب ثم نادى الحارث: من كان عنده من هذه الابل شيء فلا يصدرن بشيء من ذمتنا حتى يردها، قال: فردت جميعاً مكانها غير الناقة التي يقال لها اللفاع، فانطلق وانطلقت معه نطوف عليها، فوجدناها مع رجلين يحلبانها فقال لهما الحارث: خليا عنها فليست لكما، فضرط البائن منهما - البائن: الذي يقف من جانب الحلوبة الأيمن، ويقال للحالبين البائن والمستعلي، والمستعلي الذي من جانب الناقة الأيسر - فقال المستعلي: والله ما هي لكما، فقال الحارث: است البائن اعلم فأرسلها مثلاً ورد الابل على الجميع فانصرف بها.
كانت امرأة من طيء يقال لها رقاش كانت تغزو بهم ويتيمنون برأيها، وكانت كاهنة، وكان لها حزم ورأي، فأغارت بطيء، وهي عليهم على اياد بن نزار بن معد يوم رحى حائر فظفرت بهم وغنمت وسبت، فكان فيما أصابت من إياد فتى شاب جميل، فاتخذته خادماً فرأت عورته فأعجبها فدعته إلى نفسها فوقع عليها فحملت فأتيت في إبان الغزو لتغزو بهم، فقالوا لها: هذا أوان الغزو فاغزي إن كنت تريدين الغزو، فجعلت تقول: رويد الغزو يتمزق فأرسلتها مثلاً. ثم جاءوا لعادتهم فرأوها نفساء مرضعا قد ولدت غلاماً، فقال بعض شعراء طيء.
نبئت أن رقاش بعد شماسها ... حبلت وقد ولدت غلاماً أكحلا
فالله يخطيها ويرفع ذكرها ... والله يلحقها كشافاً مقبلا
كانت رقاش تقود جيشاً جحفلا ... فصبت وحق لمن صبا أن يحبلا
دري رقاش فقد أصبت غنيمةً ... فحلاً يصورك أن تقودي جحفلا
زعموا أن المنذر بن امرىء القيس وهو جد النعمان بن المنذر، وكانت أمه ماء السماء امرأة من النمر بن قاسط - قال للحارث بن العيف بن عبد القيس، والمنذر يومئذ محارب للحارث بن جبلة الغساني ملك الشام: اهج الحارث بن جبلة، فقال له الحارث بن العيف:
لا هم أن الحارث بن جبله ... زنا على أبيه ثم قتله
وركب الشادخة المحجله ... وكان في جاراته لا عهد له
فأي فعلٍ سيءٍ لا فعله وقال لحرملة بن عسلة أخي بني بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة: اهج الحارث، وكانت أم حرملة امرأة من غسان فقال حرملة بن عسلة:
ألم ترأني بلغت المشيبا ... لدى دار قومي عفاً كسوبا
وأن الاله تنصفته ... بأن لا أعق وأن لا أحوبا
أي عبدته، والناصف: الخادم، قال الشاعر:
وتلقى حصان تنصف ابنة عمها ... كما كان يلقى الناصفات الخوادم
وأن لا أكافر ذا نعمةٍ ... وإلا أخيبه مستثيبا
وغسان قوم هم والدي ... فهل ينسينهم أن أغيبا
فأوزع بها بعض من يعتريك ... فان لها من معد كليبا
يقال: كلب وكليب مثل معز ومعيز، والإيزاع: الإغراء.
وأن لخالك مندوحة ... وإن عليك بغيب رقيبا
فلما كان حين سار المنذر بن ماء السماء إلى الحارث بن جبلة فالتقوا بعين أباغ، فقتل المنذر بن ماء السماء وهزم جيشه، وكان فيهم أخلاط من العرب من ربيعة ومضر وغيرهم، فكان ابن عسلة في الجمع يومئذ مع المنذر فأسر هو، فأحسن إليه الحارث بن جبلة وحمله وكساه وخلى سبيله، وكان في جيش المنذر يومئذ رجل من بني حنيفة، يقال له عمرو بن شمر بن عمرو، إنما خرج متوصلاً بجيش المنذر يريد أن يلحق بأخواله من غسان، وكانت أمه منهم، فرأى مصرع المنذر فأتاه فأخذ برداً كان عليه، ثم أتى الحارث فأخبره أنه قتله وهذا برده، وكان ابن العيف العبدي في الأسراء، فقال له الحارث بن جبلة حين رآه: أتتك بحائن رجلاه فأرسلها مثلاً. ثم قال له: إنه بلغني ما قلت، فاختر مني إحدى ثلاث خلال: إما أن اطرحك في جب فيه الأسد قد ضري وجوع فتمكث معه ليلة، أو ارمي بك من رأس طمار - يعني جبل دمشق، فان نجوت نجون وإن هلكت هلكت، أو يضربك الدلامس - سيافه الذي يقوم على رأسه، وهو أعظم الرجال وأشدهم - بعمود له من حديد ضربة فان نجوت وإن هلكت هلكت، فنظر في أمره فكره الأسد، وكره أن يلقى من رأس الجبل، واختار أن يضربه الدلامس تلك الضربة، فضربه على منكبه فدق منكبه ووركه، ثم أمر به فألقى، فاحتسب عليه راهب فداواه حتى بريء وهو مخبل.

كان امرؤ القيس بن حجر الكندي الشاعر رجلاً مفركا لا تحبه النساء ولا تكاد امرأة تصبر معه، فتزوج امرأة من طيء فابتنى بها، فأبغضته من تحت ليلته فكرهت مكانه، فجعلت تقول: يا خير الفتيان أصبحت أصبحت، فيرفع رأسه فيرى الليل كما هو، فيقول: أصبح ليل فلما أصبح قال لها: قد رأيت ما صنعت الليلة، وقد عرفت أن ما صنعت ذلك من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني؟ قالت: ما كرهك، فلم يزل بها حتى قالت: كرهت منك أنك خفيف العجزة، ثقيل الصدرة، سريع الاراقة، بطيء الافاقة، فلما سمع ذلك منها قال لها هو: إنك لحديدة الركبة، سلسة النقبة، سريعة الوثبة، وطلقها، وذهب قوله: اصبح ليل مثلاً.
كان الناس يتبايعون على طلوع الشمس وغروب القمر من صبح ثلاث عشرة ليلة تخلو من الشهر: أتطلع بعد غروب القمر أم قبله، فتتابع رجلان على ذلك،فقال أحدهما: تطلع قبل غروب القمر، وقال آخر: يغيب القمر قل طلوع الشمس، فكأن قوم اللذين تبايعا ضلعوا مع الذي قال إن القمر يغرب قبل طلوع الشمس، فقال الآخر: يا قوم إنكم تبغون علي، فقال له قائل: إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر، فذهب مثلاً.
زعموا أن امرأة بغيا كانت تؤاجر نفسها فاستأجرها رجل بدرهمين، فلما جامعها أعجبها جماعه، فجعلت تقول: صكا ودرهماك لك، لا أفلح من أعجلك فذهب قولها مثلاً.
خرج رجل من طيء يقال له جابر بن رألان ثم أحد بنى ثعل بن سنيس، ومعه صاحبان له، حتى إذا كانوا بظهر الحيرة، وكان للمنذر بن ماء السماء يوم يركب فيه في السنة لا يلقى فيه أحداً إلا قتله، فلقي في ذلك اليوم ابن رألان وصاحبيه، فأخذتهم الخيل بالثوية، فأتى بهم المنذر - الثوية: موضع بالحيرة - وقال المنذر: اقرعوا فأيكم قرع خليت عنه وقتلت الباقيين، فاقترعوا فقرعهم جابر، فخلى سبيله وقتل صاحبيه، فلما رآهما ابن رألان يقادان ليقتلا قال: من عز بز فأرسلها مثلاً؛ وقال جابر في ذلك:
يا صاح حي الراني المتربيا ... واقرأ عليه تحية أن يذهبا
يا صاح ألمم إنها إنسية ... تبدي بناناً كالسيور مخضبا
ولقد لقيت على الثوية آمناً ... يسق الخميس بها وسيقاً احدبا
كرهاً أقارع صاحبي ومن يفز ... منا يكن لأخيه بدءاً مرهبا
لله دري يوم أترك طائعاً ... أحداً لأبعد منهما أو أقربا
أحداً: أي أحد الأخوين، يلوم نفسه على تركه إياهما.
فعرفت جدي يوم ذلك إذ بدا ... أخذ الجدود مشرقين وغربا
كر الفنون عليك دهراً قلباً ... كر الثقال يقوده أن يذهبا
ولقد أرانا مالكين لرأسه ... نزعاً خزامة أنفه أن يشغبا
زعموا أن امرأة كان لها صديق وهو لزوجها عدو وكانت معجبة، قال لها: لا اشتفي أبداً حتى أجامعك وزوجك يراني، فاحتالي لي، وكان لزوجها بهم، فكان يرعاها بفناء بيته، فاصطنعت له سرباً إلى جنبها ثم جعلت له غطاءً،وكان رب البيت يرعى حول بيته، فلما تبرز من البيت وتباعد عنه وثب عليها صديقها، فرآه زوجها فأقبل مسرعاً قد ذهب عقله، فلما رآه صديقها مقبلاً دخل السرب، وجاء الرجل وقال للمرأة: ما هذا الذي رأيت معك؟ قالت: ما رأيت من شيء وهذا البيت فانظر فيه، فنظر فلم ير شيئاً، فعاد إلى غنمه، وعاد صديقها اليها، فلما رآه زوجها أقبل، وعاد صديقها إلى سربه، فلما جاء قال: ما هذا؟ قالت: وهل ترى من بأس؟ فنظر وانصرف إلى مكانه، فعاد صديقها إليها، حتى فعل ذلك مراراً يقبل الزوج فلا يرى شيئاً ثم يعود صديقها إليها إذا ذهب وزوجها، فلما أكثر قال زوج المرأة: قد نراك فلست بشيء فأرسلها مثلاً.
وأما هذا المثل: أعن صبوح ترقق فان العرب يدعون شراب الليل الغبوق، وشراب النهار الصبوح، فزعموا أن رجلاً نزل ببيتٍ من العرب ليس لهم مال، فآثروه على أنفسهم فغبقوه غبوقاً قليلاً فبات بهم ليستوجب أن يصبحوه، فقال: أين اغدوا إذا صبحتموني - أي أنه لا بد من ان يصبحوه فقالوا: أعن صبوح ترقق، فذهب قولهم مثلاً. الصبوح: شراب النهار، والغبوق: شراب الليل.
زعموا أن سليحاً من قضاعة وغسان احتربوا

فظهرت عليهم سليح، وكانت غسان تؤدي اليهم دينارين على كل رجل منهم، وكان سبطة بن المنذر السليحي هو يجبي الدينارين منهم لسليح، فاتى رجلاً منهم يقال له جذع بن عمرو، وعليه ديناران، فقال: اعطني الدينارين، فقال: اعجل لك أحدهما لك أحدهما وأخر علي الآخر حتى أوسر، فقال سبطة: ما كنت لآؤخر عليك شيئاً، فدخل جذع بيته وقال: اقعد حتى أعطيك حقك، فاشتمل جذع على السيف ثم خرج إلى سبطة فضربه حتى سكت ثم قال: خذ من جذع كما أعطاك فأرسلها مثلاً، وامتنعت منهم غسان بعد ذلك اليوم.
زعموا أن رجلاً من جهينة رمى رجلاً من القارة
وهم بنو الهون بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر - فقتله فرمى رجل من القارة رجلاً من جهينة، وكان القارة فيما يذكرون أرمى حي في العرب، فقال قائلهم: قد انصف القارة من راماها فأرسلها مثلاً.
زعموا أن امرأ القيس بن حجر الكندي كان مفركاً لا يكاد يحظى عند امرأة تزوج امرأة ثيباً فجعلت لا تقبل عليه ولا تريه من نفسها شيئاً مما يحب، فقال لها ذات يوم: أين أنا من زوجك الذي كان قبل؟ فقالت: مرعىً ولا كالسعدان فأرسلتها مثلاً. زعموا ان امرأ القيس لما بلغه أن بني أسد قتلوا حجراً وكان ذلك اليوم يشرب فقال: اليوم خمر وغداً أمر فأرسلها مثلاً.
زعموا أن همام بن مرة
بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وكانت أمه لبنى بنت الحزمر بن كاهل، وكانت من بني أسد ابن خزيمة - أغار على بني أسد، قالت له امراة منهم: أبخالاتك يا همام تفعل هذا؟ قال: كل ذات صدار خالة لي فأرسلها مثلاً.
زعموا أن كعب بم مالك
بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة تزوج رقاش بنت عمرو بن عثم بن تغلب بن وائل
وكانت من اجمل نساء وأكملهن خلقاً، فقال لها: اخلعي درعك فقالت: خلع الدرع بيد الزوج ثم قال: اخلعي درعك لأنظر اليك فقالت: ان التجريد لغير نكاح مثلة، فطلقها فتحملت إلى أهلها، فمرت بذهل بن شيبان بن ثعلبة فأتاها فسلم عليها وخطبها إلى نفسها فقالت لخادمها: انظري إليه اذا بال أيبعثر أم يقعر، فنظرت إليه الأمة فقالت: يقعر فزوجته، وعنده امرأة من بني يشكر يقال لها الورثة بنت ثعلبة، وكانت لا تترك له امرأة الا ضربتها وأجلتها فخرجت رقاش وعليها خلخالان، فقالت الورثة: بخ بخ ساق بخلخال، فقالت رقاش: اجل، ساق بخلخال، من نحلة خال، ليس كخالك البخال، فوثبت عليها الورثة لتضربها، فصبطتها رقاش وغلبتها، حتى حجزها عنها الرجال، فقالت الورثة:
يا ويح نفسي اليوم أدركني الكبر ... أأبكي على نفسي العشية أم أذر
فو الله لو ادركت في بقيةً ... للاقيت ما لاقى صواحبك الأخر
فولدت رقاش لذهل بن شيبان مرة وأبا ربيعة ومحلماً والحارث.
زعموا أن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة كانت الأكلة أصابت رجله، فأمر بقطعها من الركبة، فدعا بنيه ليقطعوها، فكلهم أبى ان يقطعها، فدعا نقيذا - وهو همام بن مرة - وكان من أجبنهم في نفسه فقال: اقطعها يا بني، فجعل يهم به، فقال أبوه: إذا هممت فافعل، فسمي هماماً، فقطعها همام، فلما رآها قد بانت قال: لو كنت منا حذوناك فأرسلها مثلاً.
أما قول الناس: أعز من كليب بن وائل؛ فان كليب بن ربيعة بن الحارث ابن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن عثم بن تغلب بن وائل كان سيد ربيعة في زمانه، فكان الناس إذا حضروا المياه لم يسق أحد منهم إلا من سقاه، وإن بدا فأصابهم مطر لم يتحوض إنسان منهم حوضاً إلا ما فضل عن كليب، وكان يقول: اني قد أجرت صيد كذا وكذا فلا يصاد منها شيء قال معبد بن سعنة الضبي - كذا رواه المفضل، وهو الأسود ابن سعنة أخو معبد: كفعل كليب كنت أخبرت أنه يخطط أكلاء المياه ويمنع يجير على أفناء بكر بن وائل أرانب ضاحٍ والظباء فترتع فقيل أعز من كليب بن وائل، فذهبت عزته مثلاً.
وكان لكليب أخ يقال له امرؤ القيس بن ربيعة - وهو مهلهل - وعدي بن ربيعة

وكانت إبل كليب لا يسقى معها إبل حين ترد الماء حتى تصدر، وكان جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة، أمه الهالة من بني عمرو بن سعد ابن زيد مناة بن تميم، وكانت أمها غنوية فجاورت امرأة من غني مع جساس بن مرة للخؤولة، فوردت ناقة للغنوية مع إبل كليب وهي عطشى فشرعت في الحوض، فرآها فانكرها فقال: ما هذه الناقة؟ قالوا: ناقة لجساس بن مرة من غني، فرماها بسهم فأصاب ضرعها، فندت إلى بيت الغنوية، فرأتها تسيل دماً، فأتت جساساً فصرخت إليه، قال: من فعل هذا بناقتك؟ قالت؟ كليب، فخرج هو وعمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان إلى كليب، فطعنه طعنة أثقلته، وزعموا أن عمرو بن الحارث أجهز عليه فقال كليب حين غشيه الموت لجساس: اغثني بشربة فقال: تجاوزت شبيثاً والأحص فأرسلها مثلاً - شبيث والأحص ماءان له.
زعموا أن اسم ناقة الغنوية البسوس فصارت مثلاً وقال الناس: أشأم من ناقة البسوس كذا قال المفضل، وإنما اسم الغنوية البسوس، واسم ناقتها سراب.
ثم ان جساس بن مرة ركب فرسه فركض ليؤذن أصحابه، فمر على مهلهل وهو وهمام بن مرة يضربان بالقدح، وكانا متصافيين متوافقين لا يكتم واحد منهما صاحبه شيئاً أبداً، فلما رآه همام قال: هذا جساس وقد جاء لسوءة والله ما رأيت فخذه خارجةً قبل اليوم، فلما دنا من همام أخبره الخبر ثم مضى، وعاد همام إلى مهلهل وقد تغير لونه، قال: ما شأنك قد تغير لونك، ما أخبرك هذا؟ قال: لا شيء فذكره العهد والميثاق، قال: اخبرني أنه قتل كليباً قال له مهلهل:استه أضيق من ذاك فأرسلها مثلاً.
ووقعت الحرب وتمايز الحيان بكر وتغلب، فزعموا أن الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وكان رجلاً حليماً شجاعاً لما رأى ما وقع من الشر قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل فأرسلها مثلاً واعتزل فلم يدخل في شيء من أمرهم.
ثم ان بني تغلب قالوا: لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا فيما بينكم وبينهم، فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل بن شيبان فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا: اختر منا خصالاً: إما أن تدفع إلينا جساساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا هماماً، أو تقيدنا من نفسك، فسكت وقد حضرته وجوه بكر بن وائل فقالوا: انك غير مخذول قال: أما جساس فانه غلام حديث السن ركب رأسه فهرب حين خاف ولا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة ولو دفعته إليكم صيح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره فهل لكم إلى غير ذلك؟ هؤلاء بني فدونكم أحدهم فاقتلوه وأما أنا فما أتعجل من الموت، وهل تزيد الخيل على أن تجول جولةً فأكون أول قتيل، ولكن هل لكم إلى غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: لكم ألف ناقة يضمنها لكم بكر بن وائل فغضبوا وقالوا: لم نأتك لترذل لنا - أي تعطينا رذال بينك - ولا تسومنا اللبن.
ثم تفرقوا فوقعت الحرب بينهم، فاعتزل الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة.
ثم ان بني تغلب لقوا بجير بن الحارث بن عباد وهو غلام في إبله فأتوا به مهلهلاً، وكان رئيس بني تغلب بعد كليب، وكان كليب يضعفه ويقول: انما أنت زير نساء، فلما أتى ببجير قال: من أنت يا غلام؟ قال: أنا بجير بن الحارث بن عباد، وقد عرفت أن أبي قد كره أمر هذه الحرب واعتزل الدخول فيها، قال: من أمك؟ قال، فلانة بنت فلان، فأمر به مهلهل فضربت عنقه وقال: بؤبشسع نعل كليب، فبلغ الحارث بن عباد الخبر فقال: نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل وهدأت الحرب بينهم فيه، هو فداؤهم، فقيل له: ان مهلهلاً حين قتله قال: بؤبشسع نعل كليب قال: وقد قال ذلك؟ قالوا نعم، قال: سوف يعلم، ثم قال الحارث بن عباد:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائلٍ عن حيال
لم أكن من جناتها علم الله ... وإني بحرها اليوم صال
لا بجير أغنى قتيلاً ولا ره ... ط كليب تزاجروا عن ضلال

وقد كان رجل من بني تغلب يقال له امرؤ القيس بن أبان قال لمهلهل، حين أراد يقتل بجيراً: لا تقتل هذا الفتى فان أباه اعتزل هذا الأمر ولم يدخل فيه، فلما أبى مهلهل إلا قتله قال ذلك التغلبي: والله ليقتلن بهذا الفتى رجل لا يسأل عن امه، يعني بشرفها هي أعرف من ذلك، فالتقى الحيان بكر وتغلب، وأبو بجير فيمن شهد القتال يومئذ، فرأى فارساً من أشد الناس فحمل عليه فأخذه أبو بجير فقال: ويلك دلني على أحد ابني ربيعة مهلهل أو عدي قال: فما لي إن دللتك على أحدهما؟ قال: أخلي عنك؟ قال: فالله لي عليك بذلك؟ قال: نعم فلما استوثق منه قال: فاني عدي بن ربيعة، قال أبو بجير: فأحلني على امرىء شريف كريم الدم، قال: فأحاله على عمرو بن أبان بن كعب بن زهير، فحمل عليه أبو بجير فقتله، فقال أبو بجير في ذلك.
لهف نفسي على عدي وقد أش ... عب للموت واحتوته اليدان
طل من طل في الحروب ولم أو ... تر بجيراً أباته ابن آبان
فارس يضرب الكتيبة بالسي ... ف وتسمو أمامه العينان
ثم إنه أتى على ذلك ما شاء الله أن يأتي.
ثم أغار كثيف بن زهير التغلبي على بكر بن وائل فهزموه، فلحق به مالك وعمرو ابنا الصامت من بني عامر بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، فلما رآهما كثيف - وكان رجلاً شديد الخلق - ألقى سيفه فتقلده مالك بن الصامت، وهو ابن كومة، فهاب مالك كثيفاً أن يتقدم عليه فيأسره، فأدركهم عمرو بن الزبان بن مجالد الذهلي، فوثب على كثيف فأسره، فقال مالك ابن كومة: أسيري، وقال عمرو بن الزبان: اسيري، فحكما كثيفاً في ذلك فقال: لولا مالك ألفيت في أهلي ولولا عمرو لم أوسر، فغضب عمرو فلطم وجه كثيف، فلما رأى ذلك مالك - وكان حليما تركه في يدي عمرو وكره أن يقع في شر، فانطلق عمرو بكثيف إلى أهله فكان أسيراً عنده حتى اشترى نفسه، وقال كثيف: اللهم أن لم تصب بني زبان بقارعةٍ قبل الحول لا أصلي لك صلاة أبداً.
فمكثوا غير كثير، ثم إن بني الزبان خرجوا، وهم سبعة نفر فيما يزعمون، في طلب ابل لهم، ومعهم رجل من غفيلة بن قاسط يقال له خوتعة، فلما وقعوا قريباً من بني تغلب انطلق خوتعة حتى أتى كثيف بن زهير فقال له: هل لك إلى بني الزبان بمكان كذا وكذا، وقد نحروا جزوراً وهم في إبلهم، قال: نعم، فجمع لهم ثم أتاهم، فقال له عمرو بن الزبان: يا كثيف إن في وجهي وفاءً من وجهك، فخذ لطمتك مني أو من إخوتي إن شئت، ولا تنشئن الحرب وقد أطفأها الله، ذلك فداؤنا، فأبى كثيف، فضرب أعناقهم وجعل رؤوسهم في الجوالق فعلقه في عنق ناقة لهم يقال لها الدهيم، وهي ناقة عمرو بن الزبان، ثم خلاها في الإبل، فراحت حتى أتت بيت الزبان بن مجالد، فقال لما رأى الجوالق: أظن بني أصابوا بيض نعام، ثم أهوى بيده في الجوالق فاخرج رأساً، فلما رآه قال: آخر البز على القلوص فذهبت مثلاً، وقال الناس: أشأم من خوتعة فذهبت مثلاً - أي هم آخر المتاع، أي هذا آخر آثارهم؛ وقال الناس: أثقل من حمل الدهيم فذهبت مثلاً. قال: ثم إن الزبان دعا في بكر بن وائل فخذلوه فقال في ذلك:
بلغا مالك بن كومة ألا ... يأتي الليل دونه والنهار
كل شيء خلا دماء بني ذه ... لٍ من الحرب ما بقيت جبار
أنسيتم قتلى كثيف وأنتم ... ببلادٍ بها تكون العشار
وكان اشد بكر بن وائل له خذلاناً بنو لجيم، فقال الزبان في ذلك:
من مبلغ عني الأفاكل مالكاً ... وبنى القدارفأين حلفي الأقدم
أبني لجيم من يرجى بعدكم ... والحي قد حربوا وقد سفك الدم
أبني لجيمٍ لو جمحن عليكم ... جمح الكعاب لقد غضبنا نرعم

الجمح: التتابع بعض في اثر بعض، يريد الكعبين اللذين يلعب بهما النرد وغيره. فجعل الزبان لله عليه نذراً ألا يحرم دم غفيلي أبداً أو يدلوه كما دلوا عليه، فمكث فيما يزعمون عشر سنين، فبينا هو جالس بفناء بيته إذ هو براكب قال له: من أنت قال: رجل من غفيلة قال: إيت فقد أدنى لك، فأرسلها مثلاً، قال الغفيلي: هل لك في أربعين بيتاً من بني زهير متبدين بالأقطانتين؟ قال: نعم، فنادى في أولاد ثعلبة فاجتمعوا، ثم سار بهم حتى إذا كان قريباً من القوم بعث مالك ابن كومة طليعةً ينظر القوم وما حالهم، قال مالك: فنمت وأنا على فرسي فما شعرت حتى عبت فرسي في مقراة بين البيوت، فكبحتها فتأخرت على عقبها، فسمعت جارية تقول لأبيها: يا أبت أتمشي الخيل على أعقابها؟ قال: وما ذاك يا بنية؟ قالت: لقد رأيت فرساً تمشي على عقبها، قال: يا بنية نامي، أبغض الفتاة تكون كلوء العين بالليل - ورجع مالك إلى الزبان فاخبره الخبر، فأغار عليهم فقتل منهم فيما يذكر نيفاً على أربعين رجلا، منهم أبو محياة بن زهير بن تميم، وأصاب فيهم جيراناً لهم من بني يشكر ثم من بني غبر بن غنم، فقال في ذلك مرقش أخو بني قيس بن ثعلبة: أتاني لسان بني عامر فجلت أحاديثهم عن بصر بان بني الوخم ساروا معاً بجيشٍ كضوء نجوم السحر فلم يشعر القوم حتى رأوا بريق القوانس فوق الغرر ففرقتهم ثم جمعنهم واصدرنهم قبل غب الصدر فيارب شلوٍ تخطرفنه كريمٍ لدى مزحفٍ أو مكر أي أخذته باقتدار في سرعة، والشلو بقية البدن، وقد جعلوه البدن.
وآخر شاصٍ ترى جلده كقشر القتادة غب المطر فكائن بحمران من مزعفٍ ومن خاضعٍ خده منعفر المزعف: المذرأ عن فرسه، الشاصي: الرافع رجله.
فكأن الزبان قذف جيفهم في الاقطانتين، وهي ركية، فقال السفاح التغلبي: أبني أبي سعد وأنتم إخوة وعتاب بعد اليوم شيء افقم هلا خشيتم أن يصادف مثلها منكم فيترككم كمن لا يعلم ملأوا من الاقطانتين ركيةً منا وآبوا سالمين وغنموا وقال الزبان يعتذر إلى بني غبر اليشكريين فيمن أصيب منهم: ألا ابلغ بني غبر بن غنم ولما يأت دونكم حبيب فلم نقتلكم بدمٍ ولكن رماح الحرب تخطىء أو تصيب ولو أمي علقت بحيث كانوا لبل ثيابها علق صبيب قال: وكان السفاح قد قال في شأن بني الزبان لعمرو بن لأي التيمي: ألا من مبلغ عمرو بن لأيٍ فان بيان غلمتهم لدينا فلم نقتلهم بدمٍ ولكن للؤمهم وهونهم علينا واني لن يفارقني نباك يرى التعداء والتقريب دينا وقال عمرو بن لأي: قفا ضبعٍ تعالج خرج راعٍ أجرنا في العقاب أم أهتدينا
زعموا أن الهذيل بن هبيرة أخا بني ثعلبة بن حبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، كان أغار على أناس من ضبة فغنم ثم انصرف، فخاف الطلب فأسرع السير، فقال له أصحابه: اقسم بيننا غنيمتنا، فقال: إني أخاف أن تشغلكم القسمة فيدرككم الطلب فتهلكوا، فأعادوا عليه ذلك مراراً فلما رآهم لا يفعلون قال: إذا عز أخوك فهن فأرسلها مثلاً، وتابعهم على القسمة.
زعموا أن ليث بن عمرو
بن أبي عمرو بن عوف بن محلم الشيباني تزوج ابنة عمه خماعة بنت عوف بن محلم بن أبي عوف بن أبي عمرو بن عوف بن محلم، فشام الغيث فتحمل بأهله لينتجعه، فقال أخوه مالك بن عمرو: لاتفعل فاني أخاف عليك بعض مقانب العرب أن يصيبك، فقال: والله ما أخاف أحداً، وإني لطالب الغيث حيث كان، فسار بأهله، فلك يلبث إلا يسيراً حتى جاء وقد أخذ أهله وماله، فقال له مالك: مالك؟ فقال: أصابتني خيل مرت علي؛ قال مالك: رب عجلة تهب ريثا ورب فروقة يدعى ليثا ورب غيث لم يكن غيثا، فذهب كلامه هذا أمثالاً.
زعموا أن كعب بن مامة الايادي خرج في ركب من إياد بن نزار و ربيعة بن نزار حتى إذا كانوا بالدهناء في حمارة القيظ عطشوا ومعهم شيء من ماء قليل إنما يشربونه بالحصى فيقتسمونه، فشرب كل إنسان منهم بقدر تلك الحصاة، فشرب القوم حصتهم، فلما اخذ كعب الاناء ليشرب نظر اليه شمر بن مالك النمري، فلما رآه كعب ينظر اليه ظن أنة عطشان، فقال: اسق أخاك النمري يصطبح، فذهبت مثلاً. ثم ظعنوا وبالقوم

مسكة غير كعب، فنزلوا فاقتسموا الماء، فلما بلغ كعباً نصيبه وادركه الموت إليه النمري فقال: اسق اخاك النمري يصطبح، فشرب النمري نصيبه، وأدركه الموت فنزل فاكتن في أصل شجرة فقيل له: إنا نرد الماء غدا فرد كعب إنك وراد فأرسلها مثلاً، وقال الفرذدق:
وكنا كأصحاب ابن مامة إذ سقى ... أخا النمر العطشان يوم الضجاعم
اذا قال كعب هل رويت ابن قاسط ... يقول له زدني بلال الحلاقم
وكنت ككعب غير ان منيتي ... تأخر عني يومها بالأحارم
وقال مامة بن عمرو:
أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنك وراد فما وراد
ما كان من سوقةٍ أسقى على ظمأ ... خمراً بماء إذا ناجودها بردا
من ابن مامة كعبٍ ثم عي به ... زو المنية الا حرة وقدا
أي لم تهتد المنية إلى قتله إلا بالعطش. وقال أبو كعب:
أمن عطش الدهنا وقلة مائها ... بقايا النطاف لا يكلمني كعب
فلو أنني لاقيت كعباً مكسراً ... بأنقاء وهب حيث ركبها وهب
لآسيت كعباً في الحياة التي ترى ... فعشنا جميعاً أو لكان لنا شرب
زعموا أن الحارث بن عباد
بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة طلق بعض نسائه بعدما اسن وخرف، فخلف عليها من بعده رجل كانت تظهر له من الوجد به ما لم تكن تظهره للحارث بن عباد، فلقي زوجها الحارث بن عباد فاخبره بمنزلته منها، فقال له الحارث: عش رجبا تر عجبا، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن مياد بن حن
بن ربيعة بن حزام العذري من قضاعة نافر رجلاً من أهل اليمن إلى حكم عكاظ في الشهر الحرام، فأقبل مياد بن حن على فرسه وسلاحه، فقال: أنا مياد بن حن، انا ابن حباس الظعن، وأقبل اليماني عليه حلة يمانية، فقال مياد بن حن: احكم بيننا ايها الحكم، فقال الحكم: ازلأم المعدي ونفر - نفر غلب، وازلأم: سبق وأسرع - فذهب قوله مثلاً، وقضى لمياد بن حن على صاحبه.
أسرت همدان عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فحبسوه عندهم زماناً وقيدوه، وكان رجلاً خفيف اللحم لا يكاد يسمن، فلما اسر وطال حبسه كثر لحمه وسمن، فمكث أسيراً في همدان ما شاء الله، ثم افتدى نفسه فرجع إلى قومه وهو بادن كثير اللحم فقالوا: لقد سمنت وكثر لحمك فقال: القيد والرتعة فأرسلها مثلاً.
زعموا أن الحطيئة لما حضره الموت اكتنفه أهله وبنو عمه فقالوا له: يا حطىء اوص، قال: فبم وما أوصي؟ مالي بين بني، فأرسلها مثلاً، فقالوا له: قد علمنا إن مالك بين بنيك فأوص، قال: ويل الشعر من رواية الشعر، فأرسلها مثلاً، قالوا له أوص، قال أخبروا أهل ضابىء بن الحارث انه كان شاعراً حيث يقول:
لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
وانشد مثل هذا البيت:
ما لجديد الموت يا بشر لذة ... وكل جديد تستلذ طرائقه
ثم مات. وكانت له أمثال وهو الذي قال لا تراهن على الصعبة ولا تنشد قريضاً فأرسلها مثلاً، يقول إن الصعبة لا تذهب على ما تريد، والقريض أول ما ينشد، يقول: لا تنشد الشعر حتى تحكمه.
زعموا أن بعض ملوك غسان كان يطلب في بطن من عاملة يقال لهم بنو ساعدة - وعاملة من قضاعة - ذحلاً، فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك وسماك ابنا عمرو، فاحتبسهما عنده زمانا، ثم دعا بهما فقال: إني قاتل أحدكما، فأيكما اقتل؟ فجعل كل واحدٍ منهما يقول: اقتلني مكان أخي. فلما رأى ذلك قتل سماكاً وخلى سبيل مالك، فقال سماك حين ظن انه مقتول: ألا من شجت ليلة عامده كما أبداً ليلة واحده فأبلغ قضاعة إن جئتها وأبلغ سراة بني ساعده وأبلغ نزاراً على نأيها فان الرماح هي العائده فأقسم لو قتلوا مالكاً لكنت لهم حيةً راصده برأس سبيل على مرصدٍ ويوماً على طرق وارده أأم سماكٍ فلا تجزعي فللموت ما تلد الوالده

وانصرف مالك إلى قومه فأقام فيهم ليالي، ثم إن راكباً مروا يسيرون وأحدهم يتغنى وهو يقول: فأقسم لو قتلوا مالكا ... الخ، فسمعت ذلك أم سماك فقالت: يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخرج في الطلب بأخيك، فخرج في الطلب به حتى لقي قاتله يسير في ناس من قومه فقال: من احسن لي الجمل الأحمر؟ فقالوا له وعرفوه: لك مائة من الإبل فكف، فقال: لا أطلب أثراً بعد عين، فأرسلها مثلاً، وحمل على قاتل أخيه فقتله، وكان من غسان ثم من بني قمير، فقال مالك في ذلك:
يا راكباً بلغن ولا تدعن ... بني قمير وإن هم جزعوا
فليجدوا مثل ما وجدت فان ي كنت ميتاً قد مسني وجع
لا أسمع اللهو في الندي ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا ... وجد عجول أضلها ربع
ولا كبير أضل ناقته ... يوم توافى الحجيج فاجتمعوا
ينظر في أوجه الركاب فلا ... يعرف شيئاً والوجه ملتمع
جللته صارم الحديدة كاللج صلى الله عليه وسلم فيه سفاسق دفع
أضربه بادياً نواجذه ... يدعو صداه والرأس منصدع
بني قمير فتلت سيدكم ... فاليوم لا فدية ولا جزع
بين قمير وباب جلق في ... أثوابه من دمائه دفع
فاليوم قمنا على السواء فان ... تجروا فدهري ودهركم جذع
وكان فيما يذكر من حديث ابنة الزباء: إنها كانت امرأة من الروم، وأمها من العمالقة، فكانت تكلم بالعربية، وكانت ملكةً على الجزيرة وقنسرين، وكانت مدائنها على شط الفرات من الجانب الغربي والشرقي، وهي قائمة اليوم خربة، وكان فيما يذكر قد شقت الفرات وجعلت أنفاقاً بين مدينتها - أنفاق: جمع نفق وهو السرب - وكانت تغزو بالجنود وتقاتل، وهي فيما يذكر التي حاصرت مارداً حصن دومة الجندل فامتنع مها، وحاصرت الأبلق حصن تيماء فامتنع منها، فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق، فأرسلت قولها مثلاً. وكان جذيمة الأبرش رجلاً من الأزد، وكان ملكا على الحيرة وما حولها، وكان ينزل الانبار، وكان فيما يقال من احسن الناس وجهاً وأجملهم، فذكر أن يخطبها وكان له ربيب ومولى يقال له قصير، وكان رجلاً لبيباً عاقلاً فنهاه عنها وقال: إنه لا حاجة لها في الرجال، قال: وكان جذيمة أول من احتذى النعال ورمى بالمنجنيق ورفع له الشمع، فعصى قصيراً وكتب إليها يخطبها ويرغبها فيما عنده، فكتبت اليه: أن نعم وكرامة، أنا فاعلة، ومثلك رغب فيه، فإذا شئت فاشخص إلي فدعا قصيراً وسار، حنى إذا كان بمكان فوق الأنبار يقال له البقة، فدعا نصحاءه فشاوروهم فيها، نهاه قصير، ورأى أصحابه هواه فزينوها له، فقال قصير حين رآه قد عزم: لا يطاع لقصير رأي، فأرسلها مثلاً. ومضى اليها في ناس كثير من أصحابه فأرسل اليها يعلمها انه قد اتاها، فهيأت له الخيول وقالت: استقبلوه حين يدنو، وقالت: صفوا صفين فاذا دخل بين صفيكم فتقوضوا عليه، فليسر من مر عليه خلفه حتى ينتهي إلى باب المدينة. وذكر أن قصيراً قد كان قال له حين عصاه وأبي إلا إتيانها إن استقبلك الخيل فصفوا لك صفين فتوقض من تمر به من خلفك فان معك العصا فرسك، وانها لا يشق غبارها فأرسلها مثلاً، فتجلل العصا ثم انج عليها

فلما لقيته الخيول وتقوضوا من خلفه عرف الشر وقال لقصير: كيف الرأي؟ فقال له قصير: ببقة صرم الأمر وذهب قوله مثلاً. وسار جذيمة حتى دخل عليها وهي في قصر لها ليس فيه إلا الجواري، وهي على سريرها فقالت: خذن بعضدي سيدكن، ففعلن، ثم دعت بنطع فأجلسته فعرف الشر، وكشف عن عورتها فاذا هي قد عقدت استها بشعر الفرج من وراء وركيها، وإذا هي لم تعذر، فقالت: أشوار عروس ترى فأرسلتها مثلاً فقال جذيمة: بل شوار بظراء تفلة، فقالت: والله ما ذاك من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكن شيمة من أناس، ثم أمرت برواهشه فقطعت فجعلت تشخب دماؤه في النطع كراهية إن يفسد مقعدها دمه، فقال جذيمة: لا يحزنك دم هراقه أهله فأرسلها مثلاً. يعني نفسه. ونجا قصير حين رأى من الشر ما رأى على العصا، فنظر اليه جذيمة والعصا مدبرة تجري فقال: يا ضل ما تجري به العصا، فذهبت مثلاً. وكان جذيمة قد استخلف على ملكه عمرو بن عدي اللخمي، وهو ابن اخته، فكان يخرج كل غداةٍ يرجو أن يلقى خبراً من جذيمة، فلم يشعر ذات يوم حتى اذا هو بالعصا عليها قصير، فلما رآها عمرو وقال خير ما جاءت به العصا فأرسلها مثلاً، فلما جاءه قصير اخبره الخبر، فقال: اطلب بثأرك قال: كيف أطلب من ابنة الزبا وهي أمنع من عقاب الجو فأرسلها مثلاً، فقال قصير: أما اذا أبيت فاني سأحتال لها فاعني وخلاك ذم فأرسلها مثلاً، فعمد قصير إلى أنفه فجدعه، ثم خرج حتى أتى بنت الزبا فقيل: لأمر ما حدع قصير أنفه فصارت مثلاً. فقيل للزبا هذا قصير خازن جذيمة قد اتاك، قال: فأذنت له وقالت: ما جاء بك؟ قال: اتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني، فلا تقرني نفسي مع من جدعني، فأردت أن آتيك فاكون عندك، قالت: فافعل، قال: فان لي بالعراق مالاً كثيراً، وإن بها طرائف مما تحبين أن يكون عندك، فأرسليني وأعطيني شيئاً بعلة التجارة حتى آتيك بما قدرت عليه وأطرفك من طرائف العراق، ففعلت وأعطته مالا، فقدم العراق فأطرفها من طرائفها، وزادها مالاً كثيراً إلى مالها، فقال لها: هذا ربح، فأعجبها ذلك وسرت به، فزادته أموالاً كثيرة وردته الثانية، فأطرفها أكثر مما كان اتاها به قبل ذلك، ففرحت وأعجبها، ونزل منها بكل منزلة؛ ولم يزل يتلطف حتى علم مواضع الأنفاق التي بين المدينتين، ثم ردته الثالثة وزادته أموالاً كثيرة عظيمة فأتى عمراً فقال: احمل الرجال في التوابيت والمسوح عليهم الحديد حتى يدخلوا المدينة ثم أبادرها انا وأنت إلى موضع النفق فتقتلها، فعمد عمرو إلى ألفي رجل من أشجع من يعلم، ثم كان هو فيهم، فلما دنوا أتاها قصير فقال: لو صعدت المدينة فنظرت إلى ما جئت به فاني قد جئت بما صأى وصمت، فأرسلها مثلاً - صأى من الإبل والخيل، وصمت من الذهب وغيره - وكانت لا تخاف قصيراً، قد أمنته، فصعدت المدينة، ورجع قصير إلى العير يحمل كل بعيرٍ رجلين دراعين عليهم السلاح كله، فلما رأت ثقل الأحمال على الإبل قالت:
أرى الجمال مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أم حديدا
أم صرفنا بارداً شديدا ... أم الرجال في المسوح سودا
الصرفان: ضرب من التمر، ويقال انه الرصاص. ودخلت الابل كلها فلم يبق منها شيء وتوسطوا المدينة، وكانت افواه الجواليق مربوطةً من قبل الرجال، لكنهم حلوها ووقعوا في الأرض مستلئمين، فشدوا عليها وخرجت هاربةً تريد السرب، فاستقبلها قصير وعمرو عند باب السرب، وكان لها خاتم فيه سم فمصته وقالت: بيدي لا بيديك عمرو، فذهب قولها مثلاً، وضربها عمرو وقصير حتى ماتت: وقالت العرب في أمرها وأمر قصير فأكثروا، فقال عدي بن زيد العبادي يخاطب النعمان:
ألا يا أيها المثري المرجى ... ألم تسمع بخطب الاولينا
القصيدة كلها. وقال نهشل بن حري الدرامي:
ومولى عصاني واستبد بأمره ... كما لم يطع بالبقتين قصير
فلما رأى ما غب أمري وأمره ... وولت بأعجاز المطي صدور
تمنى أخيراً أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور أمور
وقال المخبل السعدي:
يا أم عمرة هل هويت جماعكم ... ولكل من يهوى الجماع فراق
بل كم رأيت الدهر زيل بينه ... من لا تزايل بينه الأخلاق

طلب ابنة الزبا وقد جعلت له ... دوراً ومسربةً لها أنفاق
وقال المتلمس:
ومن حذر الأيام ما حز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
وقال أبو النجم حبيب بن عيسى: كان جذيمة قال لندمائه بلغني عن رجل من لخم يقال له عدي بن نصر ظرف وعقل، فلو بعثت إليه فوليته كأسي، قالوا: الرأي رأي الملك، فبعث إليه فأحضره وصير إليه أمر كأسه والقيام على ندمائه، فأبصرته رقاش أخت جذيمة فأعجبت به، فبعثت إليه: إذا سقيت القوم فامزج لهم واسق الملك صرفاً، فإذا أخذت الخمر منه فاخطبني إليه، ففعل، وأجابه الملك وأشهد عليه القوم، وأدخلته عليها من ليلتها فواقعها، واشتملت على حمل، وأصبح جذيمة فرأى به آثار الخلوق، فقال: ما هذه الآثار يا عدي؟ فقال: آثار العرس برقاش، فزفر جذيمة وأكب على الأرض واغتم يفكر في الأرض، وأخذ عدي مهلة فلم يحس له أثر، وبعث جذيمة إلى رقاش:
خبريني رقاش لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين
أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون
فأرسلت إليه: لعمري ما زينت ولكنك زوجتني، فرضيت ما رضيت لي. فنقلها إلى حصن له فأنزلها اياه، وتم حملها، فولدت غلاماً فسمته عمراً، حتى إذا ترعرع ألبسته من طرائف ثياب الملوك ثم أزارته خاله، فلما دخل عليه القيت عليه منه المودة، وقذف له في قلبه الرحمة. ثم إن الملك خرج في سنة مكلئة خصيبة قد اكمأت، فسط له في بعض الرياض، وخرج ولدان الحي يجتنون الكمأة، وخرج عمرو فيهم فكانوا إذا اجتنوا شيئاً طيباً أكلوه، وإذا اجتناه جعله في ثوبه، ثم أقبلوا يتعادون، وأقبل معهم وهو يقول: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جانٍ يده إلى فيه ثم استطارته الجن فلم يحسس، ثم اقبل رجلان من بلقين يقال لهما مالك وعقيل، قد اعتمدا جذيمة بهديةٍ معهما، فنزلا في بعض الطريق، وعمدت قينة لهما فأصلحت طعامهما ثم قربته إليهما، فأقبل رجل طويل الشعر والأظافير حتى جلس منهما مزجر الكلب، ثم مد يده فناولته القينة من طعامهما ثم قربته إليهما، فأقبل رجل طويل الشعر والأظافير حتى جلس منهما مزجر الكلب، ثم مد يده فناولته القينة من طعامهما، فلم يغن عنه شيئاً، ثم أعاد يده فقالت القينة: أعطي العبد كراعاً فطلب ذراعاً، فأرسلتها مثلاً، ثم سقتهما شراباً لهما من زق معهما، ثم وكت الزق، فقال عمرو: عدلت الكأس عنا أم عمرو الى آخر البيتين ويروى صددت. فسألاه عن نسبه، فانتسب لهما، فنهضا إليه وقرباه، ثم غسلاه ونظفا، وألبساه من طرائف ثيابهما وقدما به على جذيمة، فجعل لهما حكمهما، فقالا: منادمتك ما بقيت وبقينا، فهما ندمانا جذيمة اللذان يقول متمم ابن نويرة حين رثى أخاه يذكرهما:
وكنا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا
وقال آخر:
ألم تعلما أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاءٍ مالك وعقيل
وأمر جذيمة بصرف عمرو إلى أمه، فتعهدته أياما حتى راجعته نفسه وذهب شحوبه، ثم ألبسته من طرائف ثياب الملوك، وجعلت في عنقه طوقا منذهب،ثم أمرته بزيارة خاله،فلما رأى لحيته والطوق في عنقه قال: شب عمرو عن الطوق فأرسلها مثلاً، ثم أقام مع خاله قد كفاه أمره إلى أن يخرج جذيمة الى ابنة الزباء، فكان من أمره ما كان.
؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
زعموا أن المنذر بن ماء السماء لما هلك وترك عمراً وقابوساً وحساناً وامهم هند بنت الحارث بن آكل المرار الكندي، والأسود بن المنذر وأمه امرأة من تيم الرباب، وعمراً الأصغر وأمه أمامة، وبنين غيرهم لعلات، وأن عمراً ملك بعد أبيه المنذر، وكان عمرو يدعى محرقاً لأنه احرق اليمامة، فاستعمل عمرو أخاه قابوساً على ما بدا له من عمله، وكان له الريف سواد العراق، فغضب عمرو بن امامة فلحق باليمن، يريد إن يستنصرهم على أخيه عمرو ويغزو بهم، فقال عمرو بن أمامة في ذلك:
ألإبن أمك ما بدا ... ولك الخورنق والسدير
فلأمنعن منابت الضم ... ران إذا منع القصور

بكتائب تردي كما ... تردي الى الجيف النسور
إنا بني العلات تقضى دون شاهدنا المور
فنزل عمرو في مراد، فملكوه وعظموه، فتغطرس وجعل يريد إن يستعبدهم، فقتلوه - قتله ابن الجعيد المرادي - فقال في ذلك طرفة بن العبد:
أعمرو بن هند ما ترى رأي معشرٍ ... أفاتوا أبا حسان جاراً مجاورا
دعا دعوةً إذ شكت النبل صدره ... امامة واستدعى بذاك معاشرا
فغزاهم عمرو بن هند حين بلغه قتل عمرو بن امامة، فظفر بهم فقتل فيهم أكثر، وأتى بابن الجعيد سالما فلما رآه قال: بسلاح ما يقتلن القتيل فأرسلها مثلاً، ثم أمر به فضرب بالعمد حتى مات.
وزعموا أن براقش ابنة تقن كانت امراة لقمان بن عاد، وكان بنو تقن من عاد أصحاب إبل، وكان لقمان صاحب غنم، وكان لا يطعم لحوم الابل، فأطعمته امرأته براقش من لحوم الإبل فنحر إبلهم التي يحتملون عليها فأكلها ثم قاتل إخوتها على إبلهم، فقيل: على أهلها تجني براقش، فأرسلت مثلاً.
وزعموا أن لقمان بن عاد كان زوج أخته رجلاً من قومه ضعيفاً أحمق، فولدت له فاحمقت وأضعفت، فلما رأت ذلك أعجبها أن يكون لها ولد، له مثل أدب لقمان أخيها ودهاؤه، فقالت لامرأة لقمان: إني أمسيت الليلة على طهر، فهل لك على إن أجعل لك جعلاً على إن تخليني وأخي فاكون معه الليلة؟ فقالت: نعم، فسقته حتى سكر، فباتت معه، فحملت له، فولدت غلاماً فسمته لقيماً، فلما أفاق من سكره وبات عند امرأته من الليلة المقبلة قال: هذا حر معروف وكنت البارحة في حرٍ منكر فذهب قوله مثلاً، قال النمر بن تولب العكلي يذكر عجائب الدهر:
لقيم بن لقمان من أخته ... وكان ابن أختٍ له وابنما
ليالي حمقت فاستحصنت ... إليه فغر بها مظلما
فأحبلها رجل نابه ... فجاءت به رجلاً محكما
وزعموا أن لقيما خرج من أحزم الناس وأنكرهم وأنه خرج هو لقمان مغيرين، فأصابا إبلاً، فحسد لقمان لقيماً فقال له لقمان: اختر إن شئت فسر بالليل وأسير أنا في النهار، وان شئت فأقم بالنهار وأسير أنا بالليل، فاختار لقيم إن يسير بالليل ويقيم بالنهار، واختار لقمان إن يسير بالنهار، فأخذ لقيم حصته من الإبل، فجعل إذا كان بالنهار رعى إبله ونام، حتى اذا كان بالليل سار بابله ليله حتى يصبح، وكان يرعاها بالنهار ويسير بالليل، وكان لقمان يسير بالنهار فتشغل ابله بالرعية عن السير وينام الليل، فجعلت إبله لا ترعى كثيراً فضمرت، وأبطأ في السير فسبقه لقيم، فلما أتى أهله نحر جزوراً فأكلوها، وكان للقمان ابنة يقال لها صحر، فخبأت له من الجزور لحما تتحف به لقمان إذا جاء، فلما جاء لقمان طبخته أو شوته، ثم استقبلته به قبل أن ينتهي إلى الحي، فلما طعم من اللحم قال: ما هذا؟ قالت: من لحوم العريضات أثراً، قال: ومن أين لك هذا؟ قالت: جاء لقيم فنحر جزوراً، وكان لقمان يحسب أنه قد سبق لقيماً، فلما أخبرته أسف، فلطمها لطمة قال بعض من يحدث: ماتت منها، وقال بعضهم: ألقى أضراسها، وقال الناس: ذنب صحر أنها أتحفته وأكرمته وصدقته فلطمها، فصارت مثلاً.
وقال خفاف بن ندبة السلمي:
وعباس يدب لي المناياوما أذنبت إلا ذنب صحر
وكيف يلومني في حب قوم ... أبي منهم وأمي أم عمرو
وزعموا أن لقمان بن عاد كان إذا اشتد الشتاء وكلب أشد ما يكون شد راحلة موطنة لا ترغوا ولا يسمع لها صوت فيشتدها برحلها ثم يقول للناس، حين يكاد البرد يقتلهم: ألا من كان غازياً فليغز، فلما شب لقيم ابن أخته اتخذ راحلة مثل راحته فوطنها فلما كان حين نادى لقمان من كان غازياً فليفز قال لقيم أنا معك إذا شئت، فلما رآه قد شد رحلها ولم يسمع لها رغاء قال لقمان: كأن برحل باتت، قال لقيم: وبرحلها باتت لقم، فذهب قولاهما مثلاً.

ثم أنهما سارا فأغارا فأصابا إبلاً، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنزلا فنحرا ناقة، فقال لقمان للقيم: أتعشي أم أعشي لك؟ قال لقيم: أي ذلك شئت، قال لقمان: اذهب فارع إبلك حتى النجم قم رأس، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطا نوافر، وحتى ترى الشعرى كأنها نار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت، فقال له لقيم: نعم واطبخ أنت لحم جزورك، فإز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ صلع، وحتى ترى الضلوع كأنها نساء حواسر، وحتى ترى الوذر كأنها قطا نوافر، وحتى ترى اللحم غطياً وغطفان، فالا تكن أنضجت فقد آنيت؛ فانطلق لقيم في إبله، ومكث لقمان يطبخ لحمه، فلما أظلم لقمان وهو بمكان يقال له شرج - وهو اليوم ماء لبني عبس - قطع سمرات من شرج فأوقد النار حتى أنضج لحمه، ثم حفر دونه خندقاً فملأه ناراً ثم واراها، فلما أقبل لقيم إلى مكانهما عرف المكان وأنكر ذهاب السمر فقال: أشبه شرج شرجاً لو إن أسيمرا، فأرسلها مثلاً.
ووقعت ناقة من إبله في تلك النار فنفرت، وعرف لقيم إنما صنع لقمان النار لتصيبه، وإنما حسده، فسكت عنه، ووجد لقمان قد نظم في سيفه لحما من لحم الجزور وكبداً وسناماً حتى توارى سيفه، وهو يريد إذا ذهب لقيم ليأخذها أن ينحره بالسيف، ففطن له لقيم فقال: في نظم سيفك ما ترى يا لقم، فأرسلها مثلاً.
وحسده لقمان الصحبة فقال: القسمة فقال لقمان: ما تطيب نفسي أن تقسم هذه الإبل إلا وأنا موثق فأوثقني، فأوثقه لقيم، فلما قسم الإبل سوى القسمة وبقي من الإبل عشر أو نحوها، فجشعت نفس لقمان، فنحط نحطة تقطعت منها الانساع التي هو بها موثق، ثم قال لي الغادرة والمتغادرة والأفيل النادرة فذهب قوله مثلاً. وقال لقيم قبح الله النفس الخبيثة، هو لك، ثم افترقا.
والغادرة: الباقية، والأفيل تصغير إفال: الولد الصغير من الإبل.
وزعموا أن ابن بيض كان رجلاً من عاد تاجراً مكثراً، فكان لقمان يجيز له تجارته ويجيزه ويعطيه في كل عام جارية وحلة وراحلة، فلما حضر ابن بيض الموت خاف لقمان على ماله، فقال لأبنه: سر إلى أرض كذا وكذا، ولا تقارن لقمان في أرضه فإن له في عامنا هذا حلة وجارية وراحلة، وضع للقمان فيها حقه، فإذا هو قبله فهو حقه عرفناه له واتقيناه به، وإن لم يقبله وبغي أدركه الله بالبغي والعدوان، فصار الفتى حتى قطع الثنية بأهله وماله، ووضع للقمان حقه فيها، وبلغ لقمان الخبر، فلحقهم، فلما كان في الثنية وجد فيها فأخذه وانصرف وقال سد ابن بيض الطريق فأرسلها مثلاً. وقد ذكر ذلك شعراء العرب وقالوا فيه، قال عمرو بن أسود الطهوي:
سددنا كما سد ابن بيضٍ سبيله ... فلم يجدوا فرط الثنية مطلعا
وقال عوف بن الاحوص العامري:
سددنا كما سد ابن بيض فلم يكن ... سواها لذي احلام قومي مذهب
وقال المخبل السعدي:
لقد سد السبيل أبو حميد ... كما سد المخاطبة ابن بيض
زعموا أن رجلاً من عاد كان لبيباً حازماً
يقال له جد نزل على رجل من عاد وهو مسافر فبات عنده، ووجد عنده أضيافاً قد اكثروا من الطعام والشراب قبله، وإنما طرقهم جد طروقاً، وبات وهو يريد الدلجة من عندهم بليل، ففرش لهم رب البيت مبناةً - والمبناة: النطع - فناموا عنده، فسلح بعض القوم الذين كانوا يشربون، فخاف جد أن يدلج فيظن رب البيت أنه هو فعل، فقطع حظه من النطع الذي نام عليه، ثم دعا رب المنزل حين أراد إن يدلج وقد طواه فقال: هذا حظ جدٍ من المبناة، فمن المبناة، فأرسلها مثلاً، يقول انظر اليه فيه شيء مما تكره. وقد ذكرته العرب في أشعارها، وقال مالك بن نويرة:
ولما أتيتم ما تمنى عدوكم ... عدلت فراشي عنكم ووسادي
وكنت كجدٍ حين قد بسهمه ... حذار الخلاط حظه بسواد
وقال خراش بن شمير المحاربي:
ألا يتقي من كاس إن ضاع ضائع ... وكل امرىء لله بادٍ مقاتله
فيأثر بالتقوى ويحتاز نفسه ... إذا بادر الميقات حينا يغاوله
كما احتاز جد حظه من فراشه ... بمبراته في أمره اذ يزاوله
زعموا أنه كان بين لقمان بن عاد وبين رجلين
من عاد يقال لهما عمرو وكعب ابنا تقن مغاورة

وكانا من أشد عادٍ وأدهاها وأنكرها، وكانا ربي إبلٍ، وكان لقمان رب غنم، فأعجب لقمان الإبل، فأرادهما عنها فأبيا أن يبيعاه، فعمد إلى ألبان غنمه من ضأن ومعزى فجمع لبناً كثيراً ثم أتى تلعة هما بأسفلها، فأسأل ذلك اللبن وفيه زبد كثير وأنافح من أنافح السخل، فلما رأيا ذلك قال: إحدى سحيبات لقمان هي، فلم يلتفتا إلى ذلك ولم يرغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك لقمان قال: خر خرير الانفح والنقد المذبح، اشترياها ابني تقن، أقبلت ميسا، وأدبرت هيسا، وملأت البيت أقطاً وحيساً، اشترياها ابني تقن، إنها الضأن تجز جفالا، وتنتج رخالاً وتحلب كثبا ثقالاً، قالا: انصرف لا نشتريها يا لقم، إنها الابل حملن فأثقلن، وزجرن فأعنقن، وبغير ذلك اقلعن، بغزرهن اذا قظن فلما لم يبيعاه الابل ولم يشتريا منه الغنم جعل يراودهما، وكانا يهابانه، وكان يلتمس إن يغفلا فيشد على الابل فيطردها فلما كان ذات يوم اصابا ارنباً وهو يرصدهما رجاءة إن يصيب غفلتهما فيذهب بالابل، فأخذ أحدهما صفيحة من الصفا فجعلها في أيدهما ثم جعل عليها كومة من التراب، فملا الأرنب، فلما أنضجاها نفضا عنها التراب فأكلاها ولما رآهما لقمان لا يغفلان عن إبلهما ولم يجد فيهما مطمعا لقيهما ومع كل واحد منهما جفير مملوء نبلاً، وليس معه غير سهمين، فخدعهما فقال: ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة التي معكما؟ إنما هي حطب، فو الله ما أحمل غير سهمين، فان لم أصب بهما فلست بمصيب، ثم قال رميت فرميت، وأثنيت فأثنيت، الى ذلك ما حي حي أو مات ميت، فأرسلها مثلاً. فعمد إلى نبلهما فنثراها غير سهمين، فعمد الى النبل فحواها، فلم يصب لقمان فيهما بعد ذلك غرة. وكانت فيما يذكرون لعمرو بن تقن امرأة فطلقها فتزوجها لقمان، فكانت المرأة وهي عند لقمان تكثر إن تقول: لا فتى إلا عمرو فأرسلتها مثلاً، فكان ذلك يغيظ لقمان ويسؤوه كثرة ذكرها عمراً فقال لقمان: قد أكثرت في عمرو، فو الله لأقتلن عمراً، فقالت: انك لن تفعل، وكانت لابني تقن سمرة عظيمة يستظلان فيها حتى ترد إبلهما فيسقياها، فصعد فيها لقمان، واتخذ فيها عشاً، ورجا أن يصيب من ابني تقن غرة فلما وردت الإبل تجرد عمرو واكب على البئر يستقي، فرماه لقمان من فوقه بسهم في ظهره، فقال: حس، إحدى حظيات لقمان ثم أهوى إلى السهم فانتزعه، فرفع رأسه في الشجرة فإذا هو بلقمان، فقال: انزل، فنزل، فقال: استق بهذا الدلو، فزعموا إن لقمان لما أراد إن يرفع الدلو حين امتلأ نهض نهضة فضرط، فقال له عمرو بن تقن: أضرطاً آخر اليوم وقد زال الظهر؛ فأرسلها مثلاً. ثم إن عمراً أراد أن يقتل لقمان، فتبسم لقمان، فقال عمرو: أضاحك أنت؟ فقال لقمان: ما اضحك إلا من نفسي، أما إني قد نهيت عما ترى، قال: ومن نهاك؟ قال: فلانة، قال: أفلي عليك إن وهبتك لها لتعلمنها ذلك؟ قال: نعم فخلى سبيله، فأتاها لقمان فقال: لا فتى إلا عمرو، قالت: أقد لقيته؟ قال: نعم قد لقيته فكان كذا وكذا، ثم أسرني فأراد قتلي، ثم وهبني لك، فقالت: لا فتى إلا عمرو.
زعموا أن لقمان كان يقول إذ أمسى النجم، قم رأس، ففي الدثار فاخنس، وسمناهن فاحدس، وأنهش بنيك وأنهس، وإن سئلت فاعبس. احدس: أضجعها فاذبحها، وأنهس: أي أطعم بنيك، خنس في البيت: اذا قعد. وقال: إذا طلعت الشعرى سفراً - أي عشيا - ولم تر فيها مطراً، فلا تغذون إمرةً ولا أمراً، وأرسل العرضات أثراً، يبغينك في الأرض معمراً. سفرا: غروب الشمس قبل إن يغيب الشفق، يقول لا تغذون جذعاً جدياً ولا عناقاً على هذا القليل.
زعموا أنه كان لرجل من طسم كلب فكان يسقيه اللبن ويطعمه اللحم ويسمنه ويرجو إن يصيد به او يحرس غنمه، فاتاه ذات يوم وهو جائع فوثب عليه الكلب فأكله فقيل: سمن كلبك يأكلك، فذهب مثلاً.
وقال بعض الشعراء:
ككلب طسم وقد ترببه ... يعله بالحليب في الغلس
ظل عليه يوماً يفرفره ... إلا يلغ في الدماء ينتهس
يفرفره: أي يحركه برأسه ويقطعه. وقال مالك بن أسماء:
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... ولو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلب
وقال عوف بن الاحوص لقيس بن زهير العبسي:
أراني وقيساً كالمسمن كلبه ... فخدشه أنيابه وأظافره
زعموا أن لقمان بن عاد

جاور حياً من العمالقة، وهم عرب، فملأ عساً له لبنا، ثم قال لجارية له: انطلقي بهذا العس إلى سيد هذا الحي فأعطيه إياه وإياك أن تسالي عن اسمه واسم أبيه، فانطلقت حتى أتتهم، فإذا هم بين لاعب وعامل في ضيعته ومقبل على أمره، حتى مرت بثمانية نفر منهم عليهم وقار وسكينة، ولهم هيئة، فقامت تتفرس فيهم أيهم تعطي العس، فمرت بها أمة، فقالت لها جارية لقمان: إن مولاي أرسلني إلى سيد هذا الحي بهذا العس، ونهاني أن أسأل عن اسمه واسم أبيه، فقالت لها الأمة: إني واصفتهم لك فخذي أيهم شئت او ذري، وفيهم سيد الحي، فقالت الأمة: أما هذا فبيض مرض مرضة وقد أسنت القوم فعدل مرضه عندهم إسناتهم، وقد كانوا يريدون المسير فأقاموا عليه فأوسع الحي دقيقاً نفيضاً، ولحما غريضاً، ومسكا رفيضاً، وكساهم ثياباً بيضا. وأما هذا فحممة: غذاؤه في كل يوم بكرة سنمة، وبقرة شحمة، ونعجة كدمة؛ وأما هذا فطفيل: ليس في أهله بالمسرف النثر، ولا البخيل الحصر، ولا يمنع الحي من خير إن اتمروا. وأما هذا فذفافة: طرق الحي حشاً من الليل، وولدان الحي يتحدثون عنده، فقام مشتملاً وسنان ثملاً إلى جذعان الإبل، وهو يحسبها جندلاً فقذفها إليهم قذفاً لأولها زحيف، و لآخرها حفيف، ولأعناقها على أوساطها قصيف. وأما هذا فمالك: أولنا إذا دعينا، وحامينا إذا غزينا، ومطعم أولادنا إذا شتونا، ومفرح كل كربة أعيت علينا. وأما هذا فثميل: غضبه حين يغضب ويل، وخيره حين يرضى سيل ، في أهله عبد، وفي الجيش قيد، ولم تحمل اكرم منه على ظهورها إبل ولاخيل، و اما هذا ففرزعة إن لقي جائعاً أشبعه، وان لقي قرناً جعجعه - أي رمى به إلى الأرض - وقد خاب جيش لا يغزو معه. وأما هذا فعمار صوات جار لا تخمد له نار للطي عقار اخاذ ووذار فناولت العس مالكاً وكان سيدهم. فقال: من أنت يا جارية؟ قالت: جارية لقمان بين عاد، قال : وكيف هو؟ قالت: شيخ كبير وهو بخير، قال: ويلك وكيف بصره؟ قالت: كليل، و الاله لقد كل بصره، واسترخى سفره، فما يبصر إلا شفا - أي شيئاً قليلاً - وانه على ذلك ليعرف الشعرة البيضاء بين صريح اللبن والرغوة، قال: فما بقي من قيافته؟ قالت: هو والله لقد ضعف بصره، واشتبهت الآثار عليه، وانه على ذلك ليعرف اثر الذرة الأنثى من الذرة الذكر، في الصفا الأملس في ليلة ظلمة ومطر، قال : وكيف أكله؟ قالت: قليل، والاله لقد ضرسه، وانطوت أمعاؤه وما بقي من أكله إلا انه يتغذى جزوراً ويتعشى آخر، و يأكل بين ذلك جذعة من الإبل، قال : فما بقي من رمايته، قالت: قليل، والاله لقد ضعف عضده ، وارعشت يده، وما بقي من رمايته إنه إذا رمى لم تقم رابضة، ولم تربض قائمة، ولم تمسك مخطاة ولدا قال: ويلك كيف قوته؟ قالت: والاله لقد رق عظمه، وانحنى ظهره، وضعفت قوته، وكبرت سنه، ومابقي من قوته إلا انه إذا غدا في إبله احتقر لها ركيةً فأرواها، وإذا راح احتقر لها ركية فأرواها. وهؤلاء أيسار لقمان وإياهم عنى طرفة بقوله:
وهم أيسار لقمان إذا ... اغلت الشتوة ابداء الجزر
وقال أوس بن حجر:
أيسار لقمان بن عاد سماحة ... وجوداً إذا ما الشَّول أمست جرائرا
زعموا أن رجلاً مضى في الدهر الأول
كان له عبد لم يكذب قط، فبايعه رجل ليكذبنه، وجهلا الخطر بينهما أهلهما ومالهما، فلما تبايعا قال الذي زعم ان العبد يكذب لمولى العبد: أرسله فليبت عندي الليلة فانه يكذبك إذا أصبح، فأرسله مولاه معه، فبات عنده، فأطعمه لحم حوار، وعمدوا إلى لبنٍ حليب فجعلوه في سقاء قد حزر، فخضخضوا ذلك اللبن الحليب فسقوه، وفيه طعم الحليب وفيه حرز السقاء، فلما أصبح الرجل احتمل وقال للعبد: الحق بأهلك، فلحق العبد حين احتمل القوم ولما يسيروا فلما توارى عنهم العبد حلوا مكانهم في منزلهم الذي كانوا فيه، وأتى العبد سيده فقال له: ما قروك الليلة؟ فقال: أطعموني لحما لا غثاً ولاسميناً، وسقوني لبناً لا محضا ولاحقيناً، قال: على أية حال تركتهم؟ قال: تركتهم قد ظعنوا فاستقلوا، فما أدري أساروا بعد أو حلوا: وفي النوى يكذبك الصادق، فأرسلها مثلاً، وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله.
زعموا أن النعمان بن المنذر اتخذ مجلساً قريباً من قصره بالحيرة، فجعل تحته طاقات

وجصصة، فكان أبيض، وكان ذلك المجلس يسمى ضاحكاً لبياضه، وكان النعمان فرس يقال له اليحموم، وقد ذكرته العرب في أشعارها ، قال لبيد بن ربيعي:
لو كان شيء في الحياة مخلداً ... في الدهر أدركه أبو يكسوم
والحارثان كلاهما ومحرق ... والتبعان وفارس اليحموم
وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بنعمته يعطي القطوط ويأفق
ويجبى إليه السّيلحون ودونها ... صر يفون في أنهارها والخور نق
ويأمر لليحموم كلّ عشيةٍ ... بقيت وتعليق فقد كاد يسنق
وكان للنعمان أخ من الرضاعة من أهل هجر يقال له سعد القرقرة، وكان من أضحك الناس وأبطالهم، وكان يضحك النعمان ويعجبه، وسعد الذي يقول:
ليت شعري متى تخب بي النا ... قة نحو العذيب فالصيبون
محقباً زكرة وخبز رقائق ... وحباقاً وقطعة من نون
فزعموا أن النعمان قعد في مجلسه ذات يوم ضاحكاً، فأتي بحمار وحش، فدعا بفرسه اليحموم فقال: احملوا سعداً على اليحموم و أعطوه مطرداً وحلوا عن هذا الحمار حتى يطلبه سعد فيصرعه، فقال سعد: أنى إذن أصرع عن الفرس، ومالي ولهذا؟ قال النعمان: والله لتحملنه، فحمل على اليحموم، ودفع إليه المطرد، وحلّي الحمار ، فنظر سعد إلى بعض بنيه قائماً في النظارين فقال: بأبي وجوه اليتامى، فأرسلها مثلاً، فالقى الرمح وتعلّق بمعرفة الفرس، فضحك النعمان، ثم أدرك فأنزل، فقال سعد القرقرة:
نحن بغرس الودي اعلم من ... ا بقود الجياد في السلف
يا لهف أمي وكيف أطعنه ... مستمسكاً واليدان في العرف
قد كنت أدركته فأدرني للصيد جدّ من معشر عنف أي ادركني عرق من آبائي الذين كانوا عنفاً للخيل، أي يكن له فروسية.
زعموا أن مسافرين أبي عمرو أمية بن عبد شمس مرض واستسقى بطنه، فداواه عبادي وأحمى مكاويه، فلما جعلها على بطنه، ورجل قريب منه ينظر إليه، جعل ذلك الرجل يضرط، فقال مسافر: قد يضرط العير والمكواة في النار فأرسلها مثلاً.
زعموا أن ضرار بن عمرو الضبي ولد له ثلاثة عشر ولداً وكلهم بلغ إن كان رجلاً ورأساً، فاحتمل ذات يوم، فلما رأى رجالاً معهم أهلوهم وأولادهم سره ما رأى من هيئتهم، ثم ذكر في نفسه انهم لم يبلغوا ما بلغوا حتى رقَّ وأسنَّ وضعف أنكر نفسه، فقال: من سرَّه بنوه ساءته نفسه، فأرسلها مثلاً، فقال:
إذا الرجال ولدت أولادها ... فانتفضت من كبر أعضادها
وجعلت أوصابها تعتادها ... فهي زروع قد دنا حصادها
زعموا أن طفل بن مالك بن جعفر بن كلاب كانت تحته امرأة من بني القين ابن جسر بن قضاعة، فولدت له نفراً منهم يزيد وعقيل، فتبنت كبشة بنت عروة بن جعفر عقيلاً، وكانت ضرتها ، فعرم بعض العرامة على أمه ففرَّ منها فأدركته وهو يريد إن يلجأ إلى كبشة، فضربته أمه، فألقت كبشة نفسها عليه ثم قالت:ابني ابني، فقالت القينية: ابنك من مّضى عقبك، فأرسلتها مثلاً، فرجعت كبشة وقد ساءها ما قالت القينية فولدت عامر بن الطفيل بعد ذلك.
زعموا أن عصام بن شهير الجرمي كان أشد الناس بأساً، أبينهم لساناً، وأحزمهم راياً، ولم يكن في بيت قومه، وكان من صلحائهم، وكان على عامة أمر النعمان، قال: قائل من الناس: وكيف نزل عصام بهذه المنزلة من النعمان وليس في بيت قومه وليس بسيدهم؟ فقال عصام:
نفس عصام سوَّدت عصاماً ... وجعلته ملكاً هماماً
وعلَّمته الكرَّ والإقداما ... وألحقته السادة الكراما
وعصام بن شهير الذي يقول له النابغة:
ألم اقسم عليك لتخبرني ... أمحمولٌ على النعش الهمام
فاني لا ألومك في دخولٍ ولكن ما وراءك يا عصام
زعموا أن رجلاً من العرب
خطب إلى قوم من العرب فتاة لهم، ورغب في صهرهم، وكانت فتاتهم سوداء دميمة، فاجلسوا له مكانها امرأة جميلة، فأعجبته فتزوجها، فلما دخلت عليه إذا المرأة غير التي رأى، قال: ويلك من أنت، قالت: فلانة ابنة فلان، اسم المرأة التي تزوج، قال: ما أنت بالتي رأيت، قالت: علقت معالقها وصرَّ الجندب فأرسلتها مثلاً، فإن كنت أنت فلانة فالحقي بأهلك فأنت طالق.
زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي وفد إلى بعض الملوك ومعه أخوه عدي بن جناب، وكان عدي يحمق، فلما دخلا شكا الملك إلى زهير - وكان ملاطفاً له - إن امه شديدة الوجع، فقال عدي اطلب لها كمرةً حارة، فغضب الملك وأمر به أن يقتل، فقال له زهير: أيها الملك إنما أراد عدي ان يبعث لك الكمأة، فأنا نستحبها ونتداوى بها في بلادنا فأمر به فرد فقال له الملك: زعم زهير إنما أردت كذا وكذا، فنظر عدي إلى زهير فقال: اقلب قلاّب. فأرسلها مثلاً.
زعموا أن سليحاً من قضاعة
طلبوا غسان في حرب كانت بينهم، فأدركوهم بالقسطل، فقالوا: يوم كيوم القسطل، فذهبت مثلاً.
زعموا أن امرأة كانت بغياً تؤاجر نفسها
وكان لها بنات، فخافت أن يأخذن ماخذها، فكانت إذا غدت في شانها قالت: احفظن أنفسكن، وإياكن إن يقربكن احد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه، فذهبت مثلاً، فقالت الأم: صغراهن مراهن أي أنكرهن وأدهاهن.
زعموا أن قوماً تحملوا وهم في صفر
فشدوا عقد حبلهم الذي ربطوا به متاعهم، فلما نزلوا عالجوا متاعهم فلم يقدروا على حله إلا بعد شر، فلما أرادوا ان يحملوا قال بعضهم: يا حامل اذكر حلاً، فأرسلها مثلا.
زعموا أنه لما غزا المنذر بن ماء السماء غزاته التي قتل فيها قطع به الحارث بن جبلة ملك غسان، وفي جيش المنذر رجل من بني حنيفة ثم أخذ بني سحيم يقال له شمر بن عمرو، كانت أمه من غسان، فخرج يتوصل بجيش المنذر، يريد أن يلحق بالحارث بن جبلة، فلما تدانوا سار حتى لحق بالحارث، فقال: أتاك ما لا تطيق، فما رأى ذلك الحارث ندب من أصحابه مائة رجل اختارهم رجلاً رجلاً ثم قال: انطلقوا غلى عسكر المنذر فاخبروه أنا ندين له ونعطيه حاجته، فادا رايتهم منه غرة فاحملوا عليه، ثم أمر لابنته حليمة بنت الحارث بمركن فيه خلوق، فقال: خلقيهم، فجعلت تخلقهم حتى مرَّ عليها فتى منهم يقال له لبيد بن عمرو، فذهبت لتخلقه، فلما دنت قبلها، فلطمته وبكت، أتت أباها فأخبرته قال: ويلك اسكتي فهو أرجاهم عندي ذكاء قلب، مضى القوم وشمر بنت عمر الحنفي حتى أتوا المنذر، فقالوا له: أتيناك من عند صاحبنا، وهو يدين لك ويعطيك حاجتك، فتباشر أهل عسكر المنذر بذلك وغفلوا بعض الغفلة، فحملوا على المنذر فقتلوه ومن كان حوله، فقيل: يوم حليمة بسر، فذهبت مثلاً، قال النابغة وهو يمدح غسان: ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم بهنَّ فول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب
وزعموا أن سهيل بن عمرو أخا بني عامر لؤي كان تزوج صفية بنت أبي جهل ابن هشام، فولدت انس بن سهيل ، فخرج معه ذات يوم خرج وجهة فوقفا بحزورة مكة، واقبل الاخنس بن شريق الثقفي قال: من هذا؟ قال سهيل: ابني، قال: حياك الله يا فتى؟ أين أمك؟ قال: أمي في بيت أم حنظلة تطحن دقيقاً، قال أبوه: أساء سمعاً فأساء الإجابة، فلما رجعا قال أبوه: فضحني اليوم ابنك عند الاخنس، قال كذا ، قالت : إنما ابني صبي، قال: أشبه امرؤ بعض بزة، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن رجلاً بينما هو في بيته
إذا جاءه ضيف فنزل ناحية فجعلت راحلته ترغو، فقال رب البيت، من هذا الذي آذانا رغاء راحلته ولم ينزل علينا فيستوجب حقَّ الضيف: فقال الضيف: كفى برغائها مناديا.
زعموا أن رجلاً أتى امرأة يخطبها
فأنعظ وهي تكلمه فجعل كلما كلمته ازداد انعاظاً، و جعل يستحيي ممن حضر من أهلها، ويقول، ويضع يده على ذكره: إليك يساق الحديث، فأرسلها مثلاً.

أغارت بنو فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ن خزيمة على ناس من بني كلاب بن ربيعه بن عامر بن صعصعة، فأصابوا إبلاً من إبلهم فاقتسموها، فصار لشأن بن الأشد ين عمرو بن دثار ين فقعس لقحتان، وصارت لبني حذلم بن فقعس بكرة، أمها إحدى لقحتي شأس ، فجعلها بنو حذلم في إبلهم ، فجعلت تجالد إلى أمها عند شأس، فعمد شأس وقد نزلوا بوادي طلح فأحرق من شجره ثم لطخها حتى اسودت، فجاء ينو حذلم ينشدون بكرتهم فقال لهم شأس: هذه بكرتكم، فغضبوا وقالوا: أتستخرمنا؟ قال: إنكم لا تعقلون، قالوا: بل أنت لا تعقل، قال : فان شئتم نافرتكم على نهبي ونهبكم إنها بكرتكم، ففعلوا، فغسلها بالماء فعرفوها، فأخذ نهبهم. فأتوا خالد بن عمرو بن حذلم وكان يسمى الكيس فذكروا ذلك له، فقال: انتم ضيعتم نهبكم، قالوا: بل أنت تريد ان تخذلنا، قال: بل أعلم من القوم مالا تعلمون: فإذا لقيتم أول غلامٍ من بني دثار بن فقعس يعلم إنكم جئتم: في هذا الأمر قاتلكم، فانطلق معهم فلقوا غلاماً من بني دثار بن قفعس فقال لهم: هلم فلنحلب لكم، قالوا: لا حاجة لنا في لبنكم، قد ظلمتم وقطعتم، قال : وفي أي أمرٍ انتم؟ قالوا: في الإبل التي اخذ شأس، فأخذ سهماً فرمى خالداً فأخطأه وأصاب واسطة الرحل، فركض خالدٌ جملة وقال قد أخبرتكم الخبر: وقال يابوين ما اكيسني فأرسلها مثلاً.
بوين: تصغير بان،وقال في ذلك خالد:
لعمري لقد حذرتكم ونهبتكم ... وابنأتكم ان لاغنيمة في شاس
ولست بعيدٍ يتقي سخط ربه ... إذا لم تلمني في مجاملة الناس
؟؟؟؟
زعموا أن دغة بنت معنج كانت امرأة من جرهم، فتزوجها رجل منهم قبل ان تبلغ المحيض، فحملت ولم تشعر بالحمل لحداثة سنها فأخذها الطلق أهلها سائرون، فنزلت منزلاً فانطلقت تبرز، فولدت وهي تبرز، فصاح الصبي، فرجعت إلى أمها فقالت: ياأمتاه، هل يفتح الجعرفاه، قالت: نعم ويدعو أباه، فأرسلها مثلاً، فقيل أحمق من دغة.
وزعموا أن دغة كانت قد بلغت مبلغ النساء من الشرف والعقل،فحسدها ضرائرها إن أنساع بعيرها كنّ يلفين حمراً تزهر وتئط فقلن: إنا نخاف ان يمر بنا الرجال فيسمعوا هذا الأطيط، فيظنوا ان بعضنا قد أحدث - فلو دهنت أنساعك فلم تئط كان ذلك أمثل، فعمدت إلى طرف نسعتها فدهنتها، وخافت ان يكن حسدنها حمرة سيورها وجمالهن، فدهنت طرف السنعى لتنظر كيف يكون، فاسودما دهنت ، فعرفت ما أردن بها فكفت، فلقينها فسألنها: كيف رأيت الدهن للنسعة؟ قالت: هين لين وأودت العين، فأرسلتها مثلاً، تقول ذهب حسنه وحمرته ونبت العين عنه.
زعموا أن رهطاً من قوم دغة
تجاعلوا على نسائهم أيتهن أطوع لهم فأعظموا الخطر، فقالوا: يأمر كل رجلٍ منكم امرأته تنزل على هذه القرية من النمل تنتعش، فجعلت امرأة الرجل منهن إذا مرت على القرية فأمرها زوجها ان تنزل ابت، حتى مررن كلهن، ثم مرت دغة فقال لها زوجها: انزلي على هذه القرية، ففعلت، فقال لها خادمها: أتنزلين من بين هؤلاء النساء على هذا النمل؟ أنت أضعفهن رأياً، فقالت: القوم ما طبّون ويروى ما أطبون أي ما أبصرهم فأرسلتها واخذ زوجها الخطر الذي كانوا خاطروا عليه، وكان فيما ذكروا الخطر على أهل الرجل وماله.
زعموا أن قوماً من العرب
كانت لهم ماشية من إبل وغنم، فوقع فيها الموت فجعلت تموت فيأكل كلابهم من لحومها، فأخصبت وسمنت، فقيل: نعم كلب من بؤس أهله، فذهبت مثلاً.
زعموا أن ناساً من العرب
كانت لهم في مملكتهم شدة، فكلفوا أمة لهم طحيناً او عدوها إن لم تفرغ منه ضربوها، فطحنته، حتى إذا لم يبق إلا مالا بال به ضجرت فاختنقت حتى قتلت نفسها، فقيل كالطاحنة فذهبت مثلاً، يضرب للذي يكسل عن الأمر بعد اتضاحه.
زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي وفد عاشر عشرة من مضر وربيعة إلى امرىء القيس بن عمرو بن المنذر ابن ماء السماء فأكرمهم ونادمهم وأحسن إليهم، وأعطى لكل واحد منهم مائة من الابل، فغضب زهير فقال: قد تخرج الخمر من الضنين.

فغضب امرؤ القيس فقال: أو مني يا زهير؟ قال: ومنك، فغضب الملك فاقسم لا يعطي رجلاً منهم بعيراً، فلامه أصحابه فقالوا: ما حملك على ما قلت؟ قال: حسدتكم إن تجعوا إلى هذا الحي من نزار بتسعمائة بعير وأرجع إلى قضاعة بمائة من الإبل ليس غيرها.
زعموا أن المتلمس صاحب الصحيفة كان أشعر أهل زمانه، وهو أحد بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وانه وقف ذات يوم على مجلس لبني قيس بن ثعلبة، وطرفة بين العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة يلعب مع الغلمان، فاستنشد أهل المجلس المتلمس فلما أنشدهم اقبل طرفة بن العبد مع الغلمان يسمعون، فزعموا ان المتلمس أنشدهم هذا البيت:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم
الصيعرية سمة يوسم بها النوق باليمن دون الجمال، فقال طرفة: استنوق الجمل، فأرسلها مثلاً، فضحك القوم، وغضب المتلمس ونظر إلى لسان طرفة وقال:ويل لهذا من هذا يعني نفسه من لسانه، كذا رواه المفضل وإنما الخبر بين المسيب بن علس الضبعي وبين طرفة.
زعموا أن عمرو بن المنذر بن امرىء القيس، وكان عم النعمان ، وكان يرشح أخاه قابوس بن المنذر - وهما لهند ابنة الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدم عليه المتلمس وطرفة فجعلهما في صحابة قابوس، وأمرهما بلزومه، وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو، وكان يركب يوماً في الصيد فيتركض فيتصيد، وهما معه يركضان حتى يرجعا عشية وقد لغبا، فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان ببابه النهار كلّه فلا يصلان إليه، فضجر طرفة فقال:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور
من المزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنة درور
يشاركنا لنا رخلان فيها ... ويعلوها الكباش فما تنور
لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير
قسمت الدهر في زمن رخي ... كذاك الحكم يقسط أو يجور
لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات ولا نطير
فأما يومهن فيوم سوء ... تطاردهن بالحدب الصقور
وأما يومنا فنظل ركباً ... وقوفاً ما نحل وما نسير
وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، وكان عبد عمرو كريماً عند بن هند، وكان سميناً بادناً فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرد قال: لقد كان ابن عمك طرفة رآك حين قال ما قال، وكان طرفة هجا عبد عمرو قبل ذلك فقال:
ولاخير فيه غير أن قيل واحدٌ ... وأن له كشحاً إذا قام أهضما
يظل نساء الحي يعكفن حوله ... يقلن عسيب من سرارة ملهماً
له شربتان بالعشىِّ وشربة ... من الليل حتى آض جيشاً مورماً
كان السلاح فوق شعبة بانة ... ترى نفخاً ورد الأسرة أسحما
ويشرب حتى تخمر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثماً
فلما قال ذلك قال له عبد عمرو: ما قال لك شر مما قال لي ثم انشده قول طرفة:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور
قال عمرو: وما أصدقك عليه - وقد صدقه، ولكن عمراً خاف ان ينذره وتدركه له الرحم - فمكث غير كثير ثم دعا المتلمس وطرفة فقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما، وسركما أن تنصرفا، قالا: نعم، فكتب لهما إلى عاملة على هجر ان يقتلهما، وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباءٍ ومعروف، فأعطى كل واحد منهما صحيفة، فخرجا وكان المتلمس قد أسن فمر بنهر الحيرة على غلمان يلعبون المتلمس: هل لك أن تنظر في كتابنا فان كان خيراً مضينا له، وإن كان شراً القيناه، فأبى عليه طرفة، فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقراه عليه فاذا فيه السوأة، فالقى كتابه في الماء وقال لطرفة: اطعني وألق كتابك، فأبى طرفة ومضى بكتابه حتى أتى به عامله فقتله، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك جفنة بالشأم، فقال في ذلك المتلمس:
من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمس
ألقى صحيفته ونجت رحله ... عنس مداخله الفقارة عرمس

؟؟
زعموا أن أخوين كانا فيما مضى في ابل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريباً منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أحداً لم يهبط ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زماناً، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير و لأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت ديناراً في كل يوم، قال: أ فاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراًُ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن الناس حالاً، ثم ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا انظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس فأحدّها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوف شرها ندم، فقال لها: هل لك في: ان نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك وانت فاجر لا تبالي العهد. فكان حديث. الحية والفأس مثلاً مشهوراً من أمثال العرب. قال نابغة بن ذبيان:
ليهنأ لكم إن قد نفيتم بيوتنا ... مكان عبدان المحلى باقره
فلو شهدت سهم وأفناء مالك ... فتعذرني من مرة المتناصرة
لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله ... تضاءل منه بالعشي قصائره
وإني لألقى من ذوي الضغن منهم ... وما اصبحت تشكو من الشجر ساهرة
كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... وكانت تديه المال غباً وظاهره
تذكر أنى يجعل الله جنةً ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره
فلما توفى العقل إلا اقله ... وجارت به نفس عن الخير جائره
فلما رأى إن ثمر الله ماله ... وأثل موجوداً وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرةٍ بين المعادل باتره
فقام لها من فوق حجر مشيد ... ليقتلها أو يخطىء الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فاسه ... وللبر عين لا تغمض ناظره
تندم لما فاته الذّحل عندما ... وكانت له إذا خاس بالعهد قاهرة
فقال يمين الله أفعل إنني ... رأيتك مسحوراً يمينك فاجره
أبى لي قبر لا يزال مقابلي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره =

الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة لابن حجر الهيتمي

جمع الإمام ابن حجر الهيثمي في هذا الكتاب مايدل على فضل الصدقة والحث عليها وجاء هذا الكتاب بعد أن حصل في بلاد بجيلة وغيرها من أطراف اليمن والحجاز قحط عام متتابع سنين متعددة إلى أن أجلي كثيرين من بلادهم إلى مكة المشرفة وفي هذه الآونه أكثر بعض أهل التقى السؤال عن الصدقة وفضلها وأحكامها فقام المؤلف رحمه الله بجمع ما بين دفتي الكتاب ردا عليهم ومجيبا على سؤلهم.

مقدمة

الأمر الأول الكسب

الأمر الثاني في حسن الخلق

الأمر الثالث الرحمة والرأفة على الخلق

الأمر الرابع الزهد في الدنيا

الأمر الخامس الشكر

الأمر السادس صلة الرحم

الأمر السابع الشح

الأمر الثامن طول الأمل

الأمر التاسع حقوق الجار

الباب الأول في فضائل الزكاة والضيافة

الفصل الأول فيما يتعلق بالزكاة ترغيبا وترهيبا

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الفصل الثاني

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الفصل الثالث في آداب الضيافة والضيف وما يتعلق بهما وفي ذلك أحاديث

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الحديث الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الحديث الحادي والعشرون

الباب الثاني فيما جاء في السخاء والصدقة

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الحديث الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الحديث الحادي والعشرون

الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثالث والعشرون

الحديث الرابع والعشرون

الحديث الخامس والعشرون

الحديث السادس والعشرون

الحديث السابع العشرون

الحديث الثامن والعشرون

الحديث التاسع والعشرون

الحديث الثلاثون

الحديث الحادي والثلاثون

الحديث الثاني والثلاثون

الحديث الثالث والثلاثون

الحديث الرابع والثلاثون

الحديث الخامس والثلاثون

الحديث السادس والثلاثون

الحديث السابع والثلاثون

الحديث الثامن والثلاثون

الحديث التاسع والثلاثون

الحديث الأربعون

الحديث الحادي والأربعون

الحديث الثاني والأربعون

الحديث الثالث والأربعون

الحديث الرابع والأربعون

الحديث الخامس والأربعون

الحديث السادس والأربعون

الحديث السابع والأربعون

الحديث الثامن والأربعون

الحديث التاسع والأربعون

الحديث الخمسون

الحديث الحادي والخمسون

الحديث الثاني والخمسون

الحديث الثالث والخمسون

الحديث الرابع والخمسون

الحديث الخامس والخمسون

الحديث السادس والخمسون

الحديث السابع والخمسون

الثامن والخمسون

الحديث التاسع والخمسون

الحديث الستون

الحديث الحادي والستون

الحديث الثاني والستون

الحديث الثالث والستون

الحديث الرابع والستون

الحديث الخامس والستون

الحديث السادس والستون

الحديث السابع والستون

الحديث الثامن والستون

الحديث التاسع والستون

الحديث السبعون

الحديث الحادي والسبعون

الحديث الثاني والسبعون

الحديث الثالث والسبعون

الحديث الرابع والسبعون

الحديث الخامس والسبعون

الحديث السادس والسبعون

الحديث السابع والسابعون

الحديث الثامن والسبعون

الحديث التاسع والسبعون

الحديث الثمانون

الحديث الحادي والثمانون

الحديث الثاني والثمانون

الحديث الثالث والثمانون

الحديث الرابع والثمانون

الحديث الخامس والثمانون

الحديث السادس والثمانون

الحديث السابع والثمانون

الحديث الثامن والثمانون

الحديث التاسع والثمانون

الحديث التسعون

الحديث الحادي والتسعون

الحديث الثاني والتسعون

الحديث الثالث والتسعون

الحديث الرابع والتسعون

الحديث الخامس والتسعون

الحديث السادس والتسعون

الحديث السابع والتسعون

الباب الثالث فيما يطلق عليه اسمها وفي ذم السؤال وما يتعلق به

الفصل الأول في الآداب والأحكام

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الحديث الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الحديث الحادي والعشرون

الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثالث والعشرون

الحديث الرابع والعشرون

الحديث الخامس والعشرون

الحديث السادس والعشرون

الحديث الثلاثون

الحديث الحادي والثلاثون

الحديث الثاني والثلاثون

الحديث الثلاث والثلاثون

الحديث الرابع والثلاثون

الحديث الخامس والثلاثون

الحديث السادس والثلاثون

الحديث السابع والثلاثون

الحديث الثامن والثلاثون

الحديث التاسع والثلاثون

الحديث الأربعون

الفصل الثاني فيما يطلق عليه اسم الصدقة

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الحديث الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الحديث الحادي والعشرون

الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثالث والعشرون

الحديث الرابع والعشرون

الحديث الخامس والعشرون

الحديث السادس والعشرون

الحديث السابع والعشرون

الفصل الثالث في السؤال

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الحديث الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الحديث الحادي والعشرون

الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثالث والعشرون

الحديث الرابع والعشرون

الحديث الخامس والعشرون

الحديث السادس والعشرون

الحديث السابع والعشرون

الحديث الثامن والعشرون

الحديث التاسع والعشرون

الحديث الثلاثون:

الفصل الرابع في آداب السؤال

الحديث الأول

الحديث الثاني

الحديث الثالث

الحديث الرابع

الحديث الخامس

الحديث السادس

الحديث السابع

الحديث الثامن

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الباب الرابع

من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه

التاسعة

اليد العليا خير من اليد السفلى

الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر

تابع

الورع أربعة أقسام

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اختص من عباده من شاء بمزايا إنعامه الظاهرة وألهمهم بشكرها والقيام بموجب حقها نورا بقربه ورضاه في الدنيا والآخرة‏.‏

فأنفقوا أفضل أموالهم في سبيله وجادوا ببذل نفوسهم فضلا عن غيرها‏.‏

فجاد عليهم أن جعلهم من حزبه وقبيله‏.‏

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أنتظم بها في سلك الأسخياء وأنجو بها من قبائح الأشحاء الأشقياء‏.‏

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي لم يزل أجود بالخير من الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين فضلهم الله على سائر الأمم بما اختصوا به من السخاء له بنفوسهم وأموالهم وسائر أغراضهم المجملة والمفصلة صلاة وسلاما دائمين بدوام أفضاله‏.‏

أما بعد‏:‏ فإنه لما حصل في بلاد بجيلة وغيرها من أطراف اليمن والحجاز قحط عام متتابع سنين متعددة إلى أن أجلى كثيرين من بلادهم إلى مكة المشرفة هذه السنة سنة خمسين وتسعمائة‏.‏

أكثر كثيرون ممن عندهم تقوى وديانة السؤال عن الصدقة ودلائلها المرغبات والمحذرات ولما علم من هذا السياق تأكد التأليف في هذا الباب وإيضاح دلائله وأحكامه على غاية من البسط والإطناب شرعت فيه بعون الملك الوهاب‏.‏

سائلا منه أن يوفقني فيه وفي غيره لإصابة الصواب وأن ينالني من فضله أفضل المرغوب وأعلى الثواب وأن يجعلني من أوليائه الذين أفاض عليهم من رضائه وقربه وعنايته ولطفه وحبه ما لم يخطر ببالهم ولم يكن لهم في حساب لا إله إلا الله هو عليه توكلت وإليه متاب‏.‏

ورتبته مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة‏.‏

أما المقدمة ففي أمور عامة لها تعلق بالصدقة من حيث توقف كمالها عليها أو مناسبتها لها أو ارتباطها بها أو نحو ذلك‏.‏

الأمر الأول الكسب

إذ بطيبه يعظم ثواب الصدقة وبالمحافظة عليه يستغني المكتسب عن صدقات الناس وأوساخهم‏.‏

وفي ذلك أحاديث‏:‏ قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده‏)‏ أحمد والطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور‏)‏‏.‏ أحمد والطبراني والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏قل ما يوجد في أمتي في آخر الزمان درهم حلال وأخ يوثق به‏)‏ ابن عدي وابن عساكر‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت الرسل أن لا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا‏)‏ الحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله يحب المؤمن المحترف‏)‏ الطبراني والبيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه‏)‏ أحمد وابن ماجة‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أيما رجل كسب مالا حلالا فأطعم نفسه أو كساها فمن دونه من خلق الله فإنها له زكاة وأيما رجل مسلم لم يكن له صدقة فليقل في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصلى على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها له زكاة‏)‏‏.‏

أبو يعلى وابن حبان والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏طلب الحلال فريضة بعد الفريضة‏)‏‏.‏

الطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏طلب الحلال واجب على كل مسلم‏)‏‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏طلب الحلال جهاد‏)‏ القضاعي وأبو نعيم في الحلية‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا سأل أحدكم الرزق فيسال الحلال‏)‏ ابن عدي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏العافية عشرة أجزاء تسعة في طلب المعيشة وقدم فضلا ليوم فقره وحاجته‏)‏ ابن النجار‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏العافية عشرة أجزاء تسعة في طلب المعيشة وجزء في سائر الأشياء‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما جاءنا جبريل إلا أمرني بهاتين الدعوتين‏:‏ اللهم ارزقني طيبا واستعملني صالحا‏)‏ الحكيم الترمذي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما من عبد استحيا من الحلال إلا ابتلاه الله بالحرام‏)‏ ابن عساكر‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أزكى الأعمال كسب الرجل بيده‏)‏ البيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما أكل أحدكم طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمد يده‏)‏ أحمد والبخاري‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة‏)‏ ابن ماجه‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة‏)‏ ابن ماجة والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة‏)‏ الأصبهاني والديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏التاجر الصدوق لا يحجب عن أبواب الجنة‏)‏ ابن النجار‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏التاجر الجبان محروم والتاجر الجسور مرزوق‏)‏ وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلمس‏:‏ ‏(‏إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يصروا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا‏)‏ البيهقي والحكيم الترمذي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي‏)‏ ابن منصور في سننه‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏عليك بالبز فإن صاحب البز يعجبه أن يكون الناس بخير وفي خصب‏)‏ الخطيب‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء المغزل‏)‏ الخطيب وابن لال وابن عساكر‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لو أذن الله تعالى لأهل الجنة في التجارة لأتجروا في البز والعطر‏)‏ الطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه‏)‏ أبو داود والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم‏)‏ البخاري في تاريخه والترمذي والنسائي وابن ماجة‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏طلب الحلال مثل مقارعة الأبطال في سبيل الله ومن بات عيينا من طلب الحلال بات والله سبحانه وتعالى عنه راض‏)‏ البيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله تعالى من الفردوس حيث شاء‏)‏‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته‏)‏ أبو نعيم في الحلية‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما كتب له منها‏)‏ ابن ماجة والحاكم والطبراني والبيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا سبب الله لأحدكم رزقا من وجه لا يدعه حتى يتغير له‏)‏ أحمد وابن ماجة وكذا البيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا فتح الله لأحدكم رزقا من باب فليلزمه‏)‏‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الثابت في مصلاه بعد الصبح يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الآفاق‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏باكروا في طلب الرزق والحوائج فإن الغدو بركة وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من دخل السوق فقال‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة‏)‏ أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم يقبل الله صلاته ما دام عليه‏)‏ أحمد‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من اشترى سرقة ويعلم أنها سرقة فقد شارك في عارها وإثمها‏)‏ البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في السنن‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏شرار أمتي الصائغون والصباغون‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما‏)‏ أحمد والشيخان وغيرهم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يا معشر التجار‏:‏ إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق‏)‏ الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يا معشر التجار إياكم والكذب‏)‏ الطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يا معشر التجار إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة‏)‏ أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة‏)‏ الترمذي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏بئس العبد المحتكر إن أرخص الله تعالى الأسعار حزن وإن غلاها فرح‏)‏ الطبراني والبيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الجالب إلى سوقنا كالمجاهد في سبيل الله والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله‏)‏ الزبير بن بكار والحاكم مرسلا‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس‏)‏ أحمد وابن ماجة‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطىء قد برئت منه ذمة الله ورسوله‏)‏ أحمد والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من احتكر طعاما على أمتي أربعين يوما وتصدق به لم يقبل الله منه‏)‏ ابن عساكر‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من تمنى على أمتي الغلاء ليلة واحدة أحبط الله عمله أربعين سنة‏)‏‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يحتكر إلا خاطئ‏)‏ أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي‏.‏

الأمر الثاني في حسن الخلق

ووجه مناسبته في الصدقة أن بحسنه تكون الصدقة على أكمل الأحوال وأفضلها وبشؤمه تنعدم الصدقة أو تكون هباء منثورا بما يقترن بها من المن وغيره من قبائح الأحوال والأقوال وفيه أحاديث منها‏:‏ قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏مكارم الأخلاق عشرة ذكر منها‏:‏ صدق الحديث وإعطاء السائل والمكافآت بالصنائع وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتذمم للصاحب أي حفظ ذمامه وهو عهده وحقه وقرى الضيف ورأسهن الحياء‏)‏ الحكيم الترمذي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا‏)‏ أحمد وأبو داود وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد‏)‏ الديلمي والخرائطي ورواه الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل‏)‏‏.‏

فالمراد بالماء فيه السخن بالشمس مثلا‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآل وسلم‏:‏ ‏(‏الخلق الحسن زمام من رحمة الله‏)‏ أبو الشيخ‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الخلق الحسن لا ينزع إلا من ولد حيضة أو زنية‏)‏ الديلمي‏.‏

أي والولد وإن لم يتسبب في ذلك ولكنه تولد من قبيح فأثر فيه ومن ثم ورد في ولد الزنا أنه لا يدخل الجنة لكنه مؤول خلافا لمن زعم أنه على ظاهره‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حسن الخلق خلق الله الأعظم‏)‏ الطبراني‏.‏

وهذاكناية عن زيادة شرف حسن الخلق وعظمته لتعاليه تعالى عن الأخلاق وغيرها لأنها من سمات المحدثات‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حسن الخلق نصف الدين‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حسن الملكة أي الصنيع نماء وسوء الخلق شؤم والبر وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم وطاعة المرأة ندامة والصدقة تدفع القضاء السوء‏)‏‏.‏ ابن عساكر‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة القائم بالليل والظامئ بالهواجر‏)‏ الطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الرجل المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم سريرته‏)‏ أحمد والطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق فإن صاحب الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة‏)‏ الترمذي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أحسن الحسن الخلق الحسن‏)‏ المستغفري وابن عساكر‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق‏)‏ البزار وأبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن‏)‏ أحمد‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن‏)‏ أحمد‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا على كل هين لين قريب سهل ‏)‏‏.‏ أبو يعلى والترمذي والطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خياركم أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا‏)‏ أي ‏(‏اللينون الجانب‏)‏ وشراركم الثرثارون أي المكثرون للكلام تكلفا وخروجا عن الحق المتفيهقون المتشدقون‏)‏‏.‏ أي المتوسعون في الكلام - كذلك مع فتح الأفواه وتفخيم الألفاظ‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خير ما أعطي الناس خلق حسن‏)‏ أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خير ما أعطي الرجل المؤمن خلق حسن وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة‏)‏ ابن أبي شيبة‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس‏)‏ البزار والطبراني والبيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر‏)‏ البيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أفضل الأعمال حسن الخلق وألا تغضب إن وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم خلقا‏)‏ ابن النجار‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف‏)‏ الطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها‏)‏ الحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعظم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل دركات جهنم وإنه لعابد‏)‏ الطبراني والضياء‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أحبكم إليّ وأقربكم مني في الآخرة مجالس محاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مساوئكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون‏)‏ أحمد وابن حبان في صحيحه والطبراني والبيهقي وكذا الترمذي وزاد قالوا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ ما المتفيهقون قال‏:‏ المتكبرون‏)‏‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏عليك بحسن الكلام وبذل العطاء‏)‏ البخاري في وقوله صلى الله تعالى عليه وآل وسلم‏:‏ ‏(‏ما أحسن الله تعالى خلق رجل وخلقه فتطعمه النار أبدا‏)‏ الطبراني والبيهقي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏سوء الخلق شؤم وشراركم أسؤكم خلقا‏)‏ الخطيب‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله يبغض المعبس في وجه إخوانه‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة سيئ الملكة‏)‏ الترمذي وابن ماجة‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من ساء خلقه عذب نفسه ومن كثر همه سقم بدنه ومن لاحى الرجال ذهبت كرامته وسقطت مروءته‏)‏ الحارث وابن السني وأبو نعيم‏.‏

فائدة‏:‏ ليست الحدة من سوء الخلق لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الحدة تعتري خيار أمتي‏)‏ الطبراني‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي وأبرارها‏)‏ الديلمي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الحدة تعتري حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم‏)‏‏.‏

ابن عدي‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس أحد أحق بالحدة من حامل القرآن لعزة القرآن في وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خيار أمتي أحداؤهم الذين إذا غضبوا رجعوا‏)‏‏.‏

وبه علم فرقان ما بين الحدة المحمودة والمذمومة‏.‏

وبه علم فرقان ما بين الحدة المحمودة والمذمومة‏.‏

 

الأمر الثالث الرحمة والرأفة على الخلق

سيما الأطفال والشيوخ والأرملة والمساكين ونحوهم ووجه مناسبة هذا للصدفة واضح فإن بتلك الرحمة تكثر الصدقة ويربو ثوابها عند الله تعالى وفي ذلك أحاديث‏.‏

قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء‏)‏‏.‏

عزه وسلطانه وخزائن رحمته‏.‏

وهكذا مجمل سائر الأحاديث والآيات الموهم ظاهره مكانا أو جهته تعالى الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا أو كيف يتصور ذلك وهو تعالى خالق الجهات والأمكنة ومحدثها بعد أن لم تكن فهي لحدوثها مستحيلة على الله تعالى فإنه كان في القدم ولا جهة ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من لا يرحم لا يرحم ومن لا يغفر لا يغفر له ومن لم وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إنما يرحم الله من عباده الرحماء‏)‏‏.‏

‏(‏ليس منا من لا يرحم صغيرنا ولا يعرف حق كبيرنا‏)‏‏.‏

‏(‏ليس منا من غشنا‏)‏ ‏(‏ولا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه‏)‏‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏البركة في أكابرنا فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا فليس منا‏)‏‏.‏ روى هذه الأحاديث الخمسة الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر‏)‏ الدولابي وأبو نعيم وابن عساكر‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء‏)‏ أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم زاد غير أبي داود‏:‏ ‏(‏الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله‏)‏‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من لا يَرحم لا يُرحم‏)‏ الشيخان وغيرهما‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا تنزع الرحمة إلا من شقي‏)‏ أحمد وابو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إرحم من في الأرض يرحمك من في السماء‏)‏ الطبراني وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إرحموا ترحموا وأغفروا يغفر لكم ويل لأقماع القول‏)‏ أي ‏(‏وهم لا ينفعون بما يستمعونه من الخير ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون‏)‏ أحمد وأبو نعيم والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا‏)‏ أحمد والترمذي والحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم شرف كبيرنا‏)‏ أحمد والترمذي والحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه‏)‏ أحمد والحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا‏)‏ أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت للمسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا‏)‏ البخاري في الأدب وابن ماجة وأبو نعيم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أنا وكافل اليتيم له ولغيره أنا وهو كهاتين في الجنة‏)‏‏.‏

مسلم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من أوى يتيما أو يتيمين ثم صبر واحتسب كنت أنا وهو في الجنة كهاتين‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من أحسن إلى يتيم أو يتيمة كنت أنا وهو كهاتين‏)‏ الحكيم الترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من ضم يتيما له أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنة‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إني أحرج عليكم حق الضعيفين‏:‏ اليتيم والمرأة‏)‏ الحاكم والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك إرحم اليتيم وأمسح رأسه وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الصبي الذي له أب يمسح رأسه إلى خلفه واليتيم يمسح وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أدن اليتيم منك وألطفه وأمسح برأسه وأطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك ويدرك حاجتك‏)‏ الخرائطي وابن عبد البر‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين‏)‏ ابن النجار وغيره وكذا ابن عدي بلفظ ‏(‏إلا من فرح الصبيان‏)‏‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وأمسح رأس اليتيم‏)‏‏.‏ الطبراني والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى إذا أراد بالعباد نقمة أمات الأطفال وعقم النساء فتنزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم‏)‏ الشيرازي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن من إجلالي توقير الشيخ من أمتي‏)‏ الخطيب‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه‏)‏‏.‏

الترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏البركة مع أكابركم‏)‏ ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم والحاكم والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الخير مع أكابركم‏)‏ البزار‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إنما تنصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وإخلاصهم‏)‏ أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏هل تنصرون إلا بضعفائكم بدعوتهم وإخلاصهم‏)‏ أبو نعيم‏.‏

وقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله والقائم الليل والصائم النهار‏)‏ أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة‏.‏

الأمر الرابع الزهد في الدنيا

ووجه مناسبته للصدقة ظاهر فإنه لا حاصل عليها أعظم من الزهد في الدنيا وبغضها والتجافي عنها ومعرفة غوائلها وآفاتها وقد أكثر صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الترغيب في الزهد والترهيب من الدنيا وآفاتها فلنذكر من ذلك ما فيه مقنع لمن وفقه الله وهداه‏.‏

قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏اتركوا الدنيا لأهلها فإنه من أخذ منها فوق ما يكفيه أخذ من جنته وهو لا يشعر‏)‏ الديلمي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون مما في يديك أوق منك بما في يد الله وأن تكون في ثواب المصيبة إذ أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها أبقيت لك‏)‏ الترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن والرغبة فيها تكثر الهم والحزن والبطالة تقسي القلب‏)‏ القضاعي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآل وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا وإن أردت أن يحبك الناس فما كان من عندك من فضولها فانبذه إليهم‏)‏ الخطيب مرسلا‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أكبر الكبائر حب الدنيا‏)‏ الديلمي‏.‏

وقال لى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ الدنيا حلوة خضراء من اكتسب فيها مالا من غير حله وأنفقه في غير حقه أحله الله دار الهوان ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة‏)‏ البيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‏)‏ أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والطبراني والحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو وفي رواية للبزار‏:‏ ‏(‏إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكر الله‏)‏‏.‏

وفي أخرى للطبراني‏:‏ ‏(‏إلا ما ابتغى به وجه الله عز وجل‏)‏‏.‏ وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله تعالى أمره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل الله تعالى قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا تغبطن فاجرا بنعمة إن له عند الله قاتلا لا يموت‏)‏ البيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه‏)‏ أحمد والشيخان‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وأقلل له من الدنيا ومن لم يؤمن بك ولم يشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنهان ثم قال‏:‏ وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب تخافون عليه‏)‏ أحمد والحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أنزل الله جبريل في أحسن ما كان يأتيني في صورة فقال‏:‏ إن الله تعالى يقرؤك السلام يا محمد ويقول لك‏:‏ إني قد أوحيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي فإني خلقتها‏.‏

سجنا لأوليائي وجنة لأعدائي‏)‏ البيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ترك الدنيا أمر من الصبر وأشد من حطم السيوف في سبيل الله عز وجل‏)‏‏.‏ الديلمي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حب الدنيا رأس كل خطيئة‏)‏‏.‏ وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏دعوا الدنيا لأهلها من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر‏)‏‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء‏)‏‏.‏ الترمذي والضياء‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا فارتفع إلا وضعه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول‏)‏ الطبراني وأبو نعيم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة‏)‏ ابن ماجة والحاكم وكذا الطبراني والنسائي وأبو نعيم ولكن بمعناه‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى قال‏:‏ إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد من ذهب لأحب أن يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون له ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب‏)‏ أحمد والطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك - أي أصابته شوكة أو بلية عظيمة كناية بالشوكة عنها فلا انتقش - أي فلا أزيلت عنه‏)‏‏.‏

الحديث‏.‏

البخاري وابن ماجة‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد هم المعاد كفاه الله سائر همومه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي واد هلك‏)‏ ابن ماجة‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له‏)‏ وفي رواية ‏(‏إلا ما كتب له‏)‏ الترمذي وابن ماجة‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه آله وسلم‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر إن كثرة المال هو الغنى إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا و من كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر ماله من الدنيا وإنما يضر نفسه شحها‏)‏ النسائي وابن حبان في صحيحه‏.‏

تنبيه‏:‏ قد يحمد كثرة المال والتوسع في الدنيا إذا واسى منها المحتاجين ووصل المنقطعين ولم يبق عليه حق الله فيها‏.‏

كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث قال‏:‏ ‏(‏ليس بخيركم من ترك دنيا لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منها جميعا فإن الدنيا بلاغ الآخرة ولا تكونوا كلا على الناس‏)‏ ابن لال وكذا الحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا كان في آخر الزمان لا بد لناس فيها من الدراهم وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من استطاع منكم أن يقي دينه وعرضه بمال فليفعل‏)‏ أبو داود‏.‏

الأمر الخامس الشكر

ووجه مناسبته للصدقة أنها من جملته فإن علم الإنسان فضله وما ورد فيه كان ذلك حاملا له على إكثار الصدقة وطيبها وإدامتها لعله يكتب من الشاكرين وإن قلوا وندروا وقليل من عبادي الشكور ولنذكر صبابة من أحاديثه‏.‏

قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أحسنوا جوار نعم الله لا تنفروها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم‏)‏ أبو يعلى والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أشكر الناس لله أشكرهم للناس‏)‏ أحمد والطبراني والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر‏)‏ الحاكم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة والفرقة عذاب‏)‏ البيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله عليه كتبه الله شاكرا صابرا من نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا‏)‏ الترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم‏)‏ أحمد وابن حبان في صحيحه‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما شئت أن أرى جبريل معلقا بأستار الكعبة وهو يقول‏:‏ يا واحد يا ماجد لا تزل عني نعمة أنعمت بهان إلا رأيته‏)‏ ابن عساكر‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يشكر الله من لا يشكر الناس‏)‏ أحمدن والطبراني وابن حبان في صحيحه وفي رواية‏:‏ لأحمد والترمذي من لا يشكر الناس لا يشكر الله‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا بأس بالغنى لمن اتقى والصحة لمن اتقى خير من

الأمر السادس صلة الرحم

وهي وإن لم تنحصر في الصدقة لكن الصدقة أحد أنواع الصلة فلذلك تأكدت الصدقة على ذوي الأرحام كما سيأتي ولنذكر من أحاديث الصلة ترغيبا وترهيبا ما يحمل الموفق على الاعتناء بهان وإدامتها والمحافظة عليها‏.‏

قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب‏)‏ القضاعي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلة الرحم وحسنس الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار‏)‏ أحمد والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة‏)‏ عبد بن حميد وابن جرير مرسلا‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أحب الأعمال إلى الله تعالى‏:‏ الإيمان بالله ثم صلة الأرحام ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله تعالى‏:‏ الإشراك بالله ثم وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله ليعمر للقوم الديار ويكثر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم بصلتهم أرحامهم‏)‏ الطبراني والحاكم‏.‏

وقوله‏:‏ بصلتهم متعلق بيعمر ويكثر‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن البر والصلة ليطيلان الأعمار ويعمران الديار ويكثران الأموال ولو كان القوم فجارا وإن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة‏)‏ الخطيب والديلمي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏المرء يصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة ايام فينسئه الله ثلاثين سنة وإنه ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيره الله إلى ثلاثة أيام‏)‏ أبو الشيخ‏.‏

وبه يعلم أن الأحاديث المصرحة بأن صلة الرحم تزيبد في العمر محمولة على ظاهرها من أن الزيادة فيها حقيقة أي بالنسبة لعلم الملائكة واللوح المحفوظ بأن يكتب به معلقا كأن وصل فلان رحمه عاش عشرين سنة وإلا عاش عشرة وما في أم الكتاب الواقع لا غير لأنها علم الله القديم وهو لا تعليق فيه ولا يطلع أحد عليه‏.‏

وقيل‏:‏ المراد بالزيادة في العمر البركة فيه بأن يبارك له في عشرين مثلا فيحصل فيها من أعمال وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من سره أن يعظم الله رزقه وأن يمد في أجلهن فيصل رحمه‏)‏ أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلة الرحم مثراة في المال محبة في الأهل منسأة - أي تأخير - في الأجل‏)‏ الطبراني، وكذا أحمد والترمذي والحاكم ورواه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي بلفظ ‏:‏ ‏(‏من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه‏)‏‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صدقة ذي الرحم على ذي الرحم صدقة وصلة‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صدقة ذي الرحم على ذي الرحم صدقة وصلة‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إنما أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم‏)‏ أحمد وأبو نعيم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم‏)‏ الطبراني وأبو نعيم بلفظ الرحم بدل رحم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ إثنان لا ينظر الله إليهم يوم القيامة قاطع رحم وجار وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرحم فقال من قالت‏:‏ هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال‏:‏ نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فذلك لك‏)‏ الشيخان والنسائي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى كتب في أم الكتاب قبل أن يخلق السموات والأرض إني أنا الرحمن الرحيم خلقت الرحم وشققت لها إسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته‏)‏ الطبراني وكذا أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي والحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى أنا الرحمن أنا خلقت الرحم وشققت لها إسما من إسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ومن بتها بتته‏)‏‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الرحم معلقة بالعرش تقول‏:‏ من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله‏)‏ مسلم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي قطعت رحمه ووصلها‏)‏ أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الدار بلاقع‏)‏ البيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة قاطع‏)‏ أحمد والشيخان وأبو داود‏.‏

الأمر السابع الشح

ووجه مناسبته للصدقة ظاهرة فإنه من أكبر موانعها قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى يبغض البخيل في حياته السخي عند موته‏)‏ الخطيب‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إياكم والشح فإنه هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا أو أمرهم بالفجور ففجروا‏)‏ أبو داود والحاكم‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏بحسب امرىء من البخل أن يقول آخذ حقي كله ولا وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏خصلتان لا يجتمعان في مؤمن‏:‏ البخل وسوء الخلق‏)‏ البخاري في الأدب والترمذي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الشحيح لا يدخل الجنة ‏)‏ الخطيب‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل‏)‏ الطبراني والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏طعام السخي دواء وطعام الشحيح داء‏)‏ الخطيب وغيره‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏قسم من الله تعالى لا يدخل الجنة بخيل‏)‏ ابن عساكر‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديدن من يديهما إلى تراقيهما وأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت على جلده حتى تخفي أي تستر ثيابه وتعفو أثره وأما البخيل فلا يريد أن ينفق إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها فلا تتسع‏)‏‏.‏ أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الويل كل الويل لمن ترك عياله وقدم على ربه بشر‏)‏ وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن السيد لا يكون بخيلا‏)‏ الخطيب‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة‏)‏ أبو يعلى والطبراني‏.‏

الأمر الثامن طول الأمل

ووجه مناسبته نحو ما مر في الشح إذ هو غالبا سبب الشح والإمتناع من الصدقة ووجوه البر والإحسان وفيه أحاديث‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل‏)‏ ابن عدي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يزال قلب الكبير شابا في اثنين‏:‏ في حب الدنيا وفي طول الأمل‏)‏ أبو يعلى وفي رواية ‏(‏الشح يضعف جسمه وقلبه شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال‏)‏ وفي أخرى لمسلم والترمذي والحاكم وابن عدي‏:‏ ‏(‏قلب الشيخ شاب على حب اثنين طول الحياة وكثرة المال‏)‏‏.‏ وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يهرم ابن آدم وتشب معه اثنتان الحرص على المال وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الأمل رحمة من الله على أمتي لولا الأمل ما وضعت أم ولدا ولاغرس غارس شجرا‏)‏‏.‏ وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لو رأيت الأجل ومسيرة أبغضت الأمل وغروره‏)‏ البيهقي‏.‏

الأمر التاسع حقوق الجار

ووجه مناسبته للصدقة أنها من جملة حقوقه بل وآكدها وفيها أحاديث‏.‏

قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه‏)‏ الشيخان وغيرهما‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره واستوصوا بالنساء خيرا‏)‏ البخاري‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه‏)‏ أحمد والبخاري‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا طبخ أحدكم طبخا فليكثر مرقها ثم ليناول جاره منها‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا طبخت فأكثر المرق وتعاهد جيرانك‏)‏ أحمد والبخاري في الأدب والترمذي والنسائي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يا نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة‏)‏ أحمد والشيخان‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أول خصمين يوم القيامة جاران‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏الجيران ثلاثة‏:‏ فجار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقا وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق فأما الجار الذي له حق واحد‏:‏ فجار مشرك لا رحم له حق الجوار وأما الذي له حقان‏:‏ فجار مسلم‏:‏ حق الإسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاثة حقوق‏:‏ فجار مسلم ذو رحم‏:‏ حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم‏)‏ البزار وأبو الشيخ وأبو نعيم‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏وحق الجوار أربعون دارًا‏)‏ البيهقي وكذا أبو داود ولكن مرسلا‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حق الجار إن مرض عدته وإن مات شيعته وإن استقرض أقرضته وإن أعوز سترته وإن أصابه خير هنأته وإن أصابته مصيبة عزيته ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها‏)‏ الطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏‏(‏كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول‏:‏ يا رب هذا غلق بابه دونه فمنع معروفه‏)‏ البخاري في الأدب‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لأن يزني الرجل بعشرة نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيته جاره‏)‏ أحمد والبخاري في الأدب والطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه‏)‏ البخاري في الأدب والحاكم والبيهقي‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به‏)‏ البزار والطبراني‏.‏

وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه‏)‏ مسلم‏.‏

الباب الأول في فضائل الزكاة والضيافة

وأفرد لأنهما أخص أنواع الصدقة مطلقا وفي ذلك فصول‏:‏

 

الفصل الأول فيما يتعلق بالزكاة ترغيبا وترهيبا

الحديث الأول

أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن مسعود‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏حصنوا أموالكم بالزكاة وداوود مرضاكم بالصدقة وأعدوا للبلاء الدعاء‏)‏ ورواه أبو داود في مراسيله لكنه قال ‏(‏واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء والتضرع‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج ابن خزيمة والحاكم عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة‏)‏‏.‏

الحديث الخامس

أخرج البيهقي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا تحت الأرض وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما بلغ تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز‏)‏‏.‏

الحديث السابع

أخرج البيهقي في السنن عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أد الزكاة المفروضة فإنها طهرة تطهرك وأت بالرحم واعرف حق السائل والجار والمسكين‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك‏)‏‏.‏

الحديث التاسع

أخرج النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها كلما تعدت آخرها عادت عليه أولها حتى يقضي بين الناس‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج أحمد ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وأقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها وما من صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وأقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء وكنزه يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاغرا فاه فإذا أتاه فر منه يناديه ربه عز وجل‏:‏ خذ كنزك خذ كنزك الذي خبأته فأنا أغنى منك فإذا رأى أنه لا بد له منه سلك يده فيه فيقضمها قضم الفحل‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت عيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيء ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فير سبيله إما في الجنة وإما إلى النار‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج احمد والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فليزمه أو يطوقه يقول أنا كنزك أنا كنزك‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أخرج احمد والنسائي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل له مال لا يؤدي حق ماله إلا جعل له طوقا في عنقه وهو شجاع أقرع وهو يفر منه وهو يتبعه‏)‏‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج ابن ماجة أيضا أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع حتى يطوق عنقه‏)‏‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج الترمذي عنه أيضا‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل الله له يوم القيامة في عنقه شجاعا ومن اقتطع مال مسلم بيمين لقي الله وهو عليه غضبان‏)‏‏.‏

الحديث السادس عشر

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمته ثم يقول أنا مالك أنا كنزك‏)‏‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه‏:‏ عن أبي ذر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة يوم القيامة الأكثرون إلا من قال في عباد الله هكذا وهكذا وقليل ما هم والذي نفسي بيده ما من رجل يموت يترك غنما أو إبلا أو بقرا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما يكون وأسمنه حتى تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها حتى يقضي بين الناس كلما تقدمت أخرها عادت عليه الحديث

الثامن عشر

أخرج أحمد وابن ماجة والحاكم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقول الله يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا حتى سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت‏:‏ أتصدق وأنى أوان التصدق‏)‏‏.‏

الحديث التاسع عشر

أخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لم يمنع قوم زكاة مالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا‏)‏‏.‏

الحديث العشرون

أخرج الطبراني في الأوسط عن عمر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما تلف مال في بر وبحر إلا بحبس الزكاة‏)‏‏.‏

وأخرج ابن عدي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما خالطت الصدقة مالا إلا أهلكته‏)‏‏.‏

الفصل الثاني

الحديث الأول

أخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الضيف يأتي برزقه ويرتحل بذنوب القوم يمحص عنهم ذنوبهم‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل الضيف على القوم دخل برزقه وإذا خرج خرج بمغفرة ذنوبهم‏)‏ ‏.‏

الحديث الثالث

أخرج أبو الشيخ في الثواب وأبو نعيم في المعرفة عن أبي قرصافة رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أراد الله بقوم خيرا أهدى إليهم هدية الضيف ينزل برزقهن ويترحل وقد غفر الله لأهل المنزل‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان‏:‏ عن حبان بن أبي جيدة‏:‏ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أسرع صدقة إلى السماء أن يصنع الرجل طعاما جيدا ثم يدعو

الحديث الخامس

أخرج البيهقي في الشعب‏:‏ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن من موجبات المغفرة إطعام السغبان‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة‏:‏ عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليلة الضيف حق على كل مسلم فمن أصبح الضيف بفنائه فهو له عليه دين إن شاء اقتضى وإن شاء ترك‏)‏‏.‏

الحديث السابع

أخرج الطبراني عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أطعموا الطعام وأفشوا السلام تورثوا الجنان‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج ابن أبي الدنيا عن ابن جريج مفصلا‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى يحب أهل البيت الخصيب‏)‏‏.‏

الحديث التاسع

أخرج أيضا عن علي بن زيد بن جدعان مرسلا‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج الحكيم الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم ما دامت مائته موضوعة‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏بئس القوم قوم لا يُنزلون الضيف‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج أبو يعلى والحاكم عن صهيب رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خيركم من أطعم الطعام ورد السلام‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أخرج ابن ماجة‏:‏ عن ابن عباس وأنس والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنهم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الرزق أسرع إلى البيت الذي يؤكل فيه من الشفرة إلى سنام البعير‏)‏‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج ابن عساكر عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الرزق إلى البيت فيه السخاء أسرع من الشفرة إلى سنام البعير‏)‏‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أعطى أهل البيت الرفق إلا نفعهم‏)‏‏.‏

الحديث السادس عشر

أخرج أبو نعيم في الحلية‏:‏ عن أبي سعيد رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أطعم مسلما جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة‏)‏‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج الحاكم عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ الحديث التاسع عشر أخرج أحمد والبيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا خير فيمن لا يضيف‏)‏‏.‏وأخرج ابن أبي الدنيا عن الضحاك مرسلا‏:‏ ‏(‏أصب بطعامك من تحب في الله‏)‏‏.‏

الفصل الثالث في آداب الضيافة والضيف وما يتعلق بهما وفي ذلك أحاديث

الحديث الأول

أخرج أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن شريح أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج البخاري عن ابن شريح وأبو داود عن أبي هريرة وأحمد والبخاري عن أبي سعدي والبزار عن ابن عمر والطبراني عن ابن عباس وابن مايع والطبراني والضياء عن النلب بن ثعلبة والطبراني عن ابن طارق بن أشيم رضي الله تعالى عنهم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك وفي رواية فما زاد فهو صدقة‏)‏ وفي رواية ‏(‏فهو معروف‏)‏ زاد البزار ‏(‏وكل معروف صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الضيافة ثلاثة ليال حق لازم فما سوى ذلك فهو صدقة وعلى الضيف أن يتحول بعد ثلاثة أيام‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج القضاعي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر‏)‏‏.‏

وكان ذلك كناية بالأول عن الأغنياء وبالثاني عن الفقراء‏.‏

الحديث الخامس

أخرج ابن ماجة عن ابن عمر والبزار وابن خزيمة والطبراني وابن عدي عن معاذ وابن قتادة والحاكم عن جابر والطبراني وابن عدي والبيهقي عن جرير والبزار عن أبي هريرة وابن عدي عن ابن معاذ وابن قتادة والحاكم عن جابر والطبراني عن ابن عباس وعن عبد الله بن حمزة وابن عساكر عن أنس وعن عدي بن حاتم والدولابي في الكنى وابن عساكر عن أبي راشد رضي الله تعالى عنهم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أتاكم كريم قوم وفي رواية شريف قوم فأكرموه‏)‏ وفي رواية ‏(‏إذا أتاكم الزائر فأكرموه‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج الترمذي والبيهقي عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تحفة الصائم الدهن والمجمر‏)‏‏.‏

وفي رواية البيهقي عنه ‏(‏تحفة الصائم الزائر أن تغلف لحيته وتجمر ثيابه ويذرر وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تمشط رأسها وتجمر ثيابها وتذرَّر‏)‏‏.‏

وكلا الروايتين لا توافق مذهبنا من كراهة البخور ونحوه للصائم‏.‏

الحديث السابع

أخرج ابن ماجة عن بريدة رضي الله تعالى عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى لاله تعالى عليه وآله وسلم أراد الأكل وبلال صائم فقال‏:‏ نأكل أرزاقنا وفضل رزق بلال في الجنة أشعرت يا بلال أن الصائم تسبح عظامه وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده إلى مدة دوام الآكل بحضرته‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار‏)‏‏.‏

الحديث التاسع

أخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏سخافة بالمرء أن يستخدم ضيفه‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من وافق من أخيه شهوة غفر له‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج البيهقي عن ثوبان رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏واكل ضيفك فإن الضيف يستحي أن يأكل وحده‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج البيهقي عن سلمان رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يتكلفنَّ أحد لضيفه ما لا يقدر عليه‏)‏ وأخرجه ابن عساكر عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تكلف للضيف‏)‏‏.‏

والحاكم عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏لاتكلف للضيف‏)‏‏.‏

والحاكم عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏نهى عن التكلف للضيف‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ومسلم وأبو داود عن جابر والطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليدع بالبركة‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏فليصل أي يدع‏)‏ وفي أخرى لابن ماجة ‏(‏من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك‏)‏‏.‏

وفي أخرى للطبراني‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأراد أن يفطر فليفطر إلا أن يكون وفي أخرى لمسلم وابي داود والترمذي وابن ماجة‏:‏ ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم‏)‏‏.‏

وفي أخرى لابن ماجة ‏(‏إذا نزل الرجل بقوم فلا يصم إلا بإذنهم‏)‏‏.‏

وفي أخرى للترمذي‏:‏ ‏(‏من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم‏)‏‏.‏

وفي أخرى ‏(‏بعد فليجب فإن شاء طعم وإن شاء لم يطعم‏)‏‏.‏

وفي أخرى ‏(‏بعده عرسا كان أو نحوه‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج أحمد والبخاري في الأدب والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية ولا تضربوا المسلمين‏)‏‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج أحمد وأبو داود عن رجل صحبه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق‏)‏‏.‏

الحديث السادس عشر

أخرج مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا‏)‏‏.‏

وأخرج البخاري‏:‏ ‏(‏لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت‏)‏‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج الطبراني عن يعلى بن مرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أجب أخاك فإنك منه على اثنتين إما خير فأحق ما شهدته وإما غيره فتنهاه عنه وتأمره بالخير‏)‏‏.‏

الحديث الثامن عشر

أخرج أبو داود والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏نهى عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه‏)‏‏.‏

وفي رواية للطبراني والبيهقي ‏(‏نهى عن إجابة طعام الفاسقين‏)‏‏.‏

الحديث التاسع عشر

أخرج أبو داود والبيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أثيبوا أخاكم ادعوا له بالبركة فإن الرجل إذا أكل طعامه وشرب شرابه ثم دعا له بالبركة فذاك ثوابه منهم‏)‏‏.‏

الحديث العشرون

وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه من طعامه فليأكل ولا يسأل عنه وإن سقاه من شرابه فليشرب ولا يسأل عنه‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والعشرون

أخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه‏)‏‏.‏

وفي رواية لأحمد والحاكم‏:‏ ‏(‏أيما رجل أضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى بقرى ليله من زرعه وماله‏)‏‏.‏

وفي أخرى لأبي داود والترمذي والبيهقي والضياء‏:‏ ‏(‏إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب ولا يحمل‏)‏‏.‏

وفي أخرى لأحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم‏:‏ ‏(‏إذا أتيت على راعي إبل فناد يا راعي الإبل ثلاثا فإن أجابك وإلا فاحلب واشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط فناد يا صاحب الحائط ثلاثا فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد‏)‏‏.‏

وفي أخرى للترمذي‏:‏ ‏(‏من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة‏)‏‏.‏

وفي أخرى لأحمد وابي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة‏:‏ ‏(‏لا ترم النخل وكل مما وقع أشبعك الله وأرواك‏)‏‏.‏

وفي أخرى لأحمد والشيخين وأبي داود وابن ماجةئ‏:‏ ‏(‏إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم‏)‏‏.‏

وهذه الأحاديث كلها ظاهرة في الدلالة لأحمد رضي الله تعالى عنه على وجوب الضيافة الذي قال به وبالأخذ كما ذكر فيها وهي محمولة عند الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره ممن لم ير وجوب الضيافة على ما إذا كان الضيف مضطرا للحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرء مسلم غلا عن طيب نفس‏)‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ هو عام وهذه الأحاديث خاصة فقدمت فقلت‏:‏ إنما يتجه التقديم حيث لم يكن الجمع بين الحديثين وهنا أمكن الجمع بينهما بحمل هذه على المضطر فعليه لا يعارض العام والجمع بين الأحاديث ما أمكن أولى من إلغاء بعضها‏.‏

وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا ترم النخل‏)‏ الحديث فيه دلالة لمذهبنا أن الداخل إلى بستان لا يجوز له أن يأكل إلا مما وقعن لا مما على الشجر ومحله إن كان غير محوط وإلا لم يجز الأكل منه ولا مما وقع عملا بالقرينة الظاهرة فإن الساقط إنما جاز تناوله لدلالة القرائن على أن صاحبه يسمح به فهو كسنابل الحصادين وإنما توجد تلك القرائن مع عدم التحويط أما مع وجوده فالقرائن دالة على أنه لم يسمح بشيء منه‏.‏

الباب الثاني فيما جاء في السخاء والصدقة

وفي فضائلهما والترغيب فيهما وفي أنهما لم يتقيدا بنوع ولا قدر وفيما يتعلق بذلك‏:‏

الحديث الأول

أخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏السخاء خلق الله الأعظم‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج الخطيب في الإفراد والبيهقي عن علي والبخاري في تاريخه والبيهقي عن أبي هريرة وأبو نعيم في الحلية عن جابر والخطيب عن أبي سعيد وابن عساكر عن أنس والديلمي عن معاوية رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا فمن يأخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة والبخل شجرة من أشجار النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن يأخذ بغصن من أغصانها قادة ذلك الغصن إلى النار‏)‏‏.‏

وفي رواية لابن عدي والقضاعي عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏إن في الجنة بيتا يقال له بيت الأسخياء‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه والبيهقي عن جابر والبهقي والطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار والجاهل السخي أحب إلى الله من عابد بخيل‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله يدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينفع المسكين ثلاثة الجنة‏:‏ صاحب البيت الآمر به والزوجة المصلحة والخادم الذي يناوله المسكين‏)‏‏.‏

الحديث الخامس

أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد‏)‏‏.‏

واليمين‏:‏ كناية عن مزيد المحبة والإخاء المستلزمين بزيادة ثوابها وعظم نفعها‏.‏

وفي رواية لأحمد وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ ‏(‏إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي ولده أو فصيله حتى يكون مثل أحد‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج العقيلي في الضعفاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ردوا مذمة السائل ولو بمثل راس الذباب‏)‏‏.‏

الحديث السابع

أخرج الطبراني عن أبي برزة‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند الله حتى تكون مثل أحد‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج مالك وأحمد والبخاري في تاريخه والنسائي‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ردوا السائل ولو بظلف محرق‏)‏‏.‏

الحديث التاسع

أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم عن أم بجيد‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن لم تجدي له ‏"‏ أي السائل ‏"‏ شيئا تعطينه إياه إلا ظلفا محرقا‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج أحمد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج الشيخان والنسائي عن عدي بن حاتم وأحمد عن عائشة والبزار والطبراني والضياء عن أنس والبزار والطبراني والضياء عن أنس والبزار عن النعمان بن بشير وعن أبي هريرة والطبراني عن ابن عباس وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنهم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اتقوا الله ولو بشق تمرة فإن لم تجد فبكلمة طيبة‏)‏‏.‏

وفي أخرى للطبراني عن فضالة بن عبيد‏:‏ ‏(‏اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة‏)‏ وفي أخرى مرسلة ‏(‏تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفئ الخطيئة كما يطفىء الماء النار‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنهم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا ير إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة‏)‏‏.‏

وفي رواية للبزار عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه‏:‏ ‏(‏اتقوا النار ولو بشق تمرة

الحديث الثالث عشر

أخرج الترمذي عن عدي بن حاتم‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقي أحدكم وجهه حر جهنم ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أحدكم لاقي الله وقائل له‏:‏ ما أقول لأحدكم‏:‏ ألم أجعل لك سمعا وبصرا فيقول‏:‏ بلى فيقول‏:‏ ألم أجعل لك مالا وولدا فيقول‏:‏ بلى فيقول‏:‏ أين ما قدمت لنفسك فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة فإني لا أخاف عليكم الفاقة فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما يخاف على مطيها السرق‏)‏‏.‏

وفي رواية لمسلم ‏(‏من استطاع أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل‏)‏‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج الطيالسي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الناس رجل يعطي جهده‏)‏‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج مسلم والنسائي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لها‏:‏ ‏(‏ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك‏)‏‏.‏

وفي رواية أبي داود عنها بلفظ‏:‏ ‏(‏أعطي ولا توكي فيوكي عليك‏)‏‏.‏

وأحمد والشيخان عنها بلفظ‏:‏ ‏(‏أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي عليك‏)‏ وأحمد والترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏أنفقي ولا توكي فيوكي عليك‏)‏‏.‏

وأحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏يا عائشة أعطي ولا تحصي فيحصي الله عليك‏)‏‏.‏

الحديث السادس عشر

أخرج مسلم والنسائي عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا‏)‏‏.‏

وأخرج أبو يعلى عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏خيركن أطولكن يدا‏)‏ أي أكثركن صدقة‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج أحمد والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن الله يأتي برزق كل غد‏)‏‏.‏

الحديث الثامن عشر

أخرج الطبراني عن الحكيم بن عمير رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحب الأعمال إلى الله تعالى من أطعم مسكينا من جوع أو دفع عنه مغرما أو كشف عنه كربا‏)‏‏.‏

الحديث التاسع عشر

أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم‏)‏‏.‏

الحديث العشرون

وأخرج ابن عساكر والطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذ أراد الله بقوم نماء رزقهم السماحة والعفاف وإذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح عليهم باب خيانة‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والعشرون

أخرج الديلمي عن عبد الله بن عمرو المزني رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏استعينوا على الرزق بالصدقة‏)‏‏.‏

وأخرجه البيهقي عن علي وابن عدي عن جبير بن مطعم وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم بلفظ‏:‏ ‏(‏استنزلوا الرزق بالصدقة‏)‏‏.‏

وأحمد والطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏اسمح يسمح لك‏)‏‏.‏

وفي رواية مرسلة ‏(‏اسمحوا يسمح لكم‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والعشرون

أخرج الخطيب في رواية عن ابن عمر وابن النجار عن علي رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى غير أهله فإن أصبت أهله أصبت أهله وإن لم تصب أهله كنت أهله‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والعشرون

أخرج الحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ‏(‏صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أهل المنكر في الدنيا هم هم أهل المنكر في الآخرة وأول ما يدخل الجنة أهل المعروف‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والعشرون

أخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه و آله وسلم قال‏:‏ ‏(‏صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب وصلة الرحم زيادة في العمر وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول ما يدخل الجنة أهل المعروف‏)‏‏.‏

وأخرجه ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلفظ‏:‏ ‏(‏عليكم باصطناع المعروف فإنه يمنع مصارع السوء وعليكم بصدقة السر فإنها تطفىء غضب الرب عز وجل‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والعشرون

وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أحب عباد الله إلى الله من حبب إليه المعروف وحبب إليه أفعاله‏)‏‏.‏

الحديث السادس والعشرون

أخرج أبو الغنائم النرسي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏عجبت لمن يشتري المماليك بماله ثم يعتقهم كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فهو أعظم ثوابا‏)‏‏.‏

الحديث السابع العشرون

وأخرج أبو الشيخ عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحبوا المعروف وأهله فوالذي نفسي بيده إن البركة والعافية معهما‏)‏‏.‏

الحديث الثامن والعشرون

أخرج الديلمي عن أبي اليسر‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قافل‏:‏ ‏(‏المعروف ينقطع فيما بين الناس ولا ينقطع فيما بين الله وبين من فعله‏)‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏المعروف باب من أبواب الجنة وهو يدفع مصارع السوء‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والعشرون

أخرج الخطيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو مرت الصدقة على يدي مائة لكان لهم من الأجر مثل أجر المبتدىء من غير أن ينقص من أجره شيئًا‏)‏‏.‏

وأخرجه ابن النجار بلفظ‏:‏ ‏(‏يدور المعروف على يدي مائة رجل آخرهم فيه كأولهم‏)‏‏.‏

الحديث الثلاثون

أخرج أحمد والشيخان والترمذي عن حارثة بن وهب‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تصدقوا فسيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فيقول الذي يأتيه بها لو جئت بالأمس لقبلتها فأما الآن فلا حاجة لي فيها فلا يجد من يقبلها‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والثلاثون

أخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والثلاثون

أخرج الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تسد الصدقة سبعين بابا من السوء‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والثلاثون

أخرج القضاعي عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الصدقة تمنع ميتة السوء‏)‏‏.‏

وأخرجه الطبراني والبيهقي عن حارثة بن النعمان بلفظ‏:‏ ‏(‏مناولة المسكين تقي ميتة السوء‏)‏‏.‏

وأخرج الخطيب عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والثلاثون

أخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم عن سليمان بن عامر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلىالله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان فصدقة وصلة‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والثلاثون

أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الصدقة على وجهها واصطناع المعروف وبر الوالدين وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء‏)‏‏.‏

الحديث السادس والثلاثون

أخرج أحمد والطبراني والضياء عن الحسين وأبو داود عن علي والطبراني عن الهرماس بن زياد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏للسائل حق وإن جاء على فرس‏)‏‏.‏

وأخرجه ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏أعطوا السائل وإن جاء على فرس‏)‏‏.‏

الحديث السابع والثلاثون

أخرج النسائي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت‏)‏‏.‏

وفي رواية لأحمد والترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله فإن ماله ما تقدم ومال وارثه ما تأخر‏)‏‏.‏

أي ما تقدم على موته في الإنفاق في الخير وما تأخر عن موته بالإمساك بخلا وشحا‏.‏

الحديث الثامن والثلاثون

أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة‏:‏ عن ثوبان رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والثلاثون

أخرج الطبراني عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى استخلص هذا الدين لنفسه ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق ألا فزينوا دينكم بهما‏)‏‏.‏

الحديث الأربعون

أخرج البيهقي عن طلحة بن عبيد الله وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها‏)‏‏.‏

وفي رواية لهما وللحاكم والبيهقي‏:‏ عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى وفي رواية لابن عساكر وأيضا عن سعد بن أبي وقاص‏:‏ ‏(‏إن الله كريمن يحب الكرماء جواد يحب الجودة يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والأربعون

أخرج الترمذي الحكيم والبزار والحاكم في الكنى والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤنة وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة‏)‏‏.‏

وفي رواية عنه أيضا لابن عدي وابن لال ‏(‏إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر البلاء‏)‏‏.‏

وفي رواية عنه أيضا لابن عدي وابن لال ‏(‏إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر البلاء‏)‏ وفي أخرى عنه للحسن بن سليمان‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى ينزل المعونة من السماء على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر المصيبة‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والأربعون

أخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها والبيهقي عن معاذ رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما عظمت نعمة الله على عبد إلا اشتدت عليه مؤنة الناس فمن لم يحتمل تلك المؤنة للناس فقد عرض تلك النعمة للزوال‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والأربعون

أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الصدقة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والأربعون

أخرج الطبراني عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الصدقة لتطفىء عن أهلها حر القبور وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والأربعون

أخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن علقمة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الصدقة يبتغي بها وجه الله تعالى والهدية يبتغي بها وجه الرسول وقضاء

الحديث السادس والأربعون

أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المؤمن آخذ عن الله أدبا حسنا إذا وسع عليه وسع وإذا أمسك عنه أمسك‏)‏‏.‏

الحديث السابع والأربعون

أخرج الشيخان عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفخ فيه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه‏)‏‏.‏

وفي رواية ‏(‏وعمل فيه خيرا‏)‏ وفي رواية لابن ماجة ولابن حبان في صحيحه‏:‏ ‏(‏الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وكسبه من طيب‏)‏‏.‏

الحديث الثامن والأربعون

أخرج أحمد والحاكم عن بريدة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والأربعون

أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن إبليس يبعث أشد أصحابه وأقوى أصحابه إلى من يصنع المعروف في ماله‏)‏‏.‏

الحديث الخمسون

أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما تصدق واحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - غلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله‏)‏‏.‏

واليمين والكف هنا كنايتان عن مزيد الرضا والقبول وإعظام الجزاء لاستحالة معناهما على الله تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا وقد أشار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى ذلك بقول ‏"‏ الرحمنط‏.‏

وفي رواية لأحمد والشيخين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله عز وجل يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والخمسون

أخرج أبو نعيم في الحلية عن الزبير رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن باب الرزق مفتوح من لدن العرش إلى قرار بطن الأرض ويرزق الله كل عبد على قدر نهمته وهمته‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والخمسون

أخرج الترمذي عن فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن في المال حقا سوى الزكاة‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والخمسون

أخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهماك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع الناس ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم‏)‏‏.‏

وفي رواية للطبراني‏:‏ ‏(‏إن لله تعالى عبادا اختصهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والخمسون

أخرج الدار قطني في الأفراد عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن مفاتيح الرزق متوجهة نحو العرش فينزل الله تعالى للناس أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له‏.‏

الحديث الخامس والخمسون

أخرج الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ‏(‏تداركوا الهموم والغموم بالصدقات يكشف الله تعالى ضركم وينصركم على عدوكم‏)‏‏.‏

الحديث السادس والخمسون

أخرج الطبراني في مكارم الأخلاق‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أتدرون ما يقول الأسد في زئيره يقول‏:‏ اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف‏)‏‏.‏

الحديث السابع والخمسون

أخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خلقان يحبهما الله وخلقان يبغضهما الله فأما اللذان يحبهما الله فالسخاء والسماحة وأما اللذان يبغضهما الله تعالى فسوء الخلق والبخل وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله على الحديث

الثامن والخمسون

أخرج الدار قطني في الأفراد والطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير أبواب البر الصدقة‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والخمسون

أخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن سبرة‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أما علمت أن ملكا ينادي في السماء يقول اللهم اجعل لمال منفق خلفا واجعل لمال ممسك تلفا‏)‏ رواه الشيخان وغيرهما ولكن الذي في روايتهم‏:‏ ‏(‏أن ملكين ينزلان فيقول أحدهما‏:‏ اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا‏)‏‏.‏

ولا تنافي لأن الذي في الأول ملك في السماء والذي في الثاني ملكان في الأرض فالذي ينادي بذلك في السماء واحد ومن ينادي به في الأرض اثنان كما اقتضاه ظاهر الحديثين‏.‏

الحديث الستون

أخرج البيهقي عن الحسن مرسلا‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى يقول يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا سرق ولا غرق أوفيكه أحوج ماتكون

الحديث الحادي والستون

أخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لأن تصدق بخاتمي أحب إلي من ألف درهم أهديها إلى الكعبة‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والستون

أخرج أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والستون

أخرج ابن صصري في أماليه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أتى سائل امرأة وفي فمها لقمة فأخرجت اللقمة فناولتها السائل فلم تلبث أن رزقت غلاما فلما ترعرع جاء ذئب فاحتمله فخرجت تعدو في أثر الذئب وهي تقول‏:‏ ابني ابني فأمر الله ملكا إلحق الذئب فخذ الصبي من فيه وقال‏:‏ قل لأمة الله يقرئك السلام وقل‏:‏ هذه لقمة بلقمة‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والستون

أخرج البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ من جملة حديث‏:‏ ‏(‏وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له‏:‏ ألم أوتك مالا فليقولن‏:‏ بلى‏.‏

ثم ليقولن‏:‏ ألم أرسل غليك رسولا فيقولن‏:‏ بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والستون

أخرج مسلم عن جرير رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أما بعد‏:‏ فإن الله تعالى أنزل في كتاب‏:‏ ‏{‏يا أَيُها النّاسُ اِتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ‏}‏ إلى آخر الآية ‏{‏يا أَيُها الَّذَينَ آَمَنوا اِتَّقوا الله وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏هُمُ الفائِزونَ‏}‏ تصدقوا قبل أن لا تصدقوا تصدق رجل من ديناره تصدق رجل من درهمه تصدق رجل من بره تصدق رجل من تمره تصدق رجل من شعيره لا تحقرن شيئا من الصدقة ولو بشق تمرة‏)‏‏.‏

وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي عن جرير أيضًا بلفظ‏:‏ ‏{‏يا أَيُها النّاسُ اِتَقوا رَبَّكُم الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقوا الَله الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحام إِنّ اللَهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا‏}‏ ‏{‏يا أَيُها الَّذَينَ آَمَنوا اِتَقوا اللَهَ وَلَتَنظُر نَفسٌ ما قَدَمَت لِغَد وَاِتّقوا اللَهَ إِنّ اللَهَ خَبيرٌ بِما تَعملون‏}‏‏.‏

‏(‏تصدق رجل من ديناره ومن درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره ولو بشق تمرة‏)‏‏.‏

وفي رواية للطبراني عن أبي جحيفة‏:‏ ‏(‏ليتصدق الرجل من صاع بره وليتصدق من صاع تمره‏)‏‏.‏

الحديث السادس والستون

أخرج أحمد والشيخان عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر ما أحب أن لي أُحدا ذهبا أمسي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا ويا أبا ذر الأكثرون هم الأقلون إلا من قال هكذا وهكذا‏)‏‏.‏

وأخرج عنه أيضًا‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر ما أحب أن لي أحدا ذهبا فتأتي عليّ ثالثة وعندي منه شيء إلا شيء أرصده في قضاء دين‏)‏‏.‏

وفي أخرى لمسلم عنه ‏(‏ما يسرني أن لي أُحدا ذهبا يتي علي ثالثة فكرهت أن يبيت عندنا فأمرت بقسمته‏)‏‏.‏ وفي أخرى للنسائي والبخاري‏:‏ ‏(‏ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا فكرهت أن يبيت عندنا فأمرت بقسمته‏)‏‏.‏ وفي أخرى للنسائي عنه أيضا‏:‏ ‏(‏إني ذكرت وأنا في العصر شيئا من تبر كان عندنا فكرهت أن يبيت فأمرت بقسمه‏)‏‏.‏

وفي أخرى للبزار عن بلال وعن أبي هريرة والطبراني عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أنفق يا بلال ولا تخشمن ذي العرش إقلالا‏)‏‏.‏

وفي أخرى للطبراني عن معاوية رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏إنما أنا مبلغ والله يهدي وإنما أنا قاسم والله يعطي‏)‏‏.‏

الحديث السابع والستون

أخرج النسائي والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أطعم أخاه من الخبز حتى يشبعه وسقاه من الماء حتى يرويه بعده الله من

الحديث الثامن والستون

أخرج أحمد ومسلم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والستون

أخرج أحمد ومسلم وابن حبان في صحيحه والنسائي عن عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقول ابن آدم مالي وهل لك يا ابن آدم ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت زادك لأولادك وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس‏)‏‏.‏

الحديث السبعون

أخرج أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي‏:‏ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اليد العيا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والسبعون

أخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة يقول‏:‏ إسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له‏:‏ يا عبد الله‏:‏ ما إسمك قال‏:‏ قلان‏:‏ للاسم الذي سمع في السحابة فقال له‏:‏ يا عبد الله‏:‏ لم تسألني عن إسمي قال لأني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول‏:‏ اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال‏:‏ أما أنك قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأنا أتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثا‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والسبعون

أخرج أحمد والشيخان وابن ماجة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والسبعون

أخرج أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والسبعون

أخرج أحمد وأبو يعلى والضياء عن بريدة وإبن أبي الدنيا عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان‏)‏‏.‏

وفي رواية الترمذي عن أنس‏:‏ ‏(‏إن الدال على الخير كفاعله‏)‏‏.‏

وابن النجار عن علي ‏(‏دليل الخير كفاعله‏)‏ والبزار عن ابن مسعود والطبراني عن سهل بن سعد وعن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏الدال على الخير كفاعله‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والسبعون

أخرج أبو يعلى والبزار عن أنس والطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله‏)‏‏.‏

الحديث السادس والسبعون

أخرج الخطيب عن أبي هريرة وابن لال عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ذبوا عن أعراضكم بأموالكم‏)‏‏.‏

الحديث السابع والسابعون

أخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة نفر كان لأحدهم عشرة دنانير فتصدق منها بدينار وكان لآخر عشر أواق فتصدق منها بأوقية وكان آخر له مائة أوقية فتصدق منها بعشر أواق هم في الأجر سواء كل قد تصدق بعشر ماله‏)‏‏.‏

الحديث الثامن والسبعون

أخرج النسائي عن أبي ذر وابن حبان في صحيحه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏سبق درهم مائة ألف درهم رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها‏)‏‏.‏

الحديث الحديث التاسع والسبعون

أخرج القضاعي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما والديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏السماح رباح والعسر شؤم‏)‏‏.‏

الحديث الثمانون

أخرج الحاكم في تاريخه والديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالك ‏(‏شاب سخي حسن الخلقن أحب إلى الله تعالى من شيخ بخيل عابد سيئ الخلق‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والثمانون

أخرج أبو بكر بن مقسم في جزئه عن عمرو بن عوف‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏صدقة المرء المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ويذهب الله بها الفخر والكبر‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والثمانون

أخرج أحمد وابن ماجة عن سراقة بن مالك وأحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهماك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏في كل ذات كبد حرى أجر‏)‏‏.‏

وأخرجه البيهقي عن سراقة بلفظ‏:‏ ‏(‏في الكبد الحارة أجر‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والثمانون

أخرج أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏:‏ أنفق أنفق عليك‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والثمانون

أخرج ابن عدي وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى اله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قوا بأموالكم عن أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والثمانون

أخرج أحمد والحاكم عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس‏)‏‏.‏

الحديث السادس والثمانون

أخرج العقيلي في الضعفاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه

الحديث السابع والثمانون

أخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم‏)‏‏.‏

الحديث الثامن والثمانون

أخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسالة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والثمانون

أخرج ابن المبارك عن ابن شهاب مرسلا‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على تركته‏)‏‏.‏

الحديث التسعون

أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل مسلم يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه

الحديث الحادي والتسعون

أخرج أحمد والضياء‏:‏ عن عبادة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله تعالى عنه مثل ما تصدق‏)‏‏.‏ وفي رواية للطبراني عن عبادة ‏(‏من تصدق بشيء من جسده أعطي بقدر ما تصدق‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والتسعون

أخرج النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من مسلم كسا مسلما ثوبا إلا كان في حفظ الله تعالى ما دام عليه منه خرقة‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والتسعون

أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والتسعون

أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ويل للأغنياء من الفقراء‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والتسعون

أخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة جهد المُقل وابدأ بمن تعول‏)‏‏.‏

وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول‏)‏‏.‏

الحديث السادس والتسعون

وأخرج أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ ‏(‏اليد العليا خير من اليد السفلى وابدا بمن تعول‏)‏‏.‏

الحديث السابع والتسعون

أخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏هدية الله إلى المؤمن السائل على بابه‏)‏‏.‏

الباب الثالث فيما يطلق عليه اسمها وفي ذم السؤال وما يتعلق به

الفصل الأول في الآداب والأحكام

الحديث الأول

أخرج أحمد وابو داود والحاكم والطبراني‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ابدأ بمن تعول‏)‏‏.‏

ومر لهذا الحديث طرق وسيأتي له طرق أخرى عند البخاري والنسائي وابن حبان وغيرهم‏.‏

الحديث الثاني

أخرج النسائي عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج الطبراني عن معاذ رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ابدأ بأمك وأبيك وأخيك والأدنى فالأدنى ولا تنسوا الجيران وذوي الحاجة‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة‏:‏ إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الإبن أطعمني إلى من تدعني‏)‏‏.‏

الحديث الخامس

أخرج أحمد عن أبي رمثة والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن طارق المحاربي‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك واباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك إنها لا تجني نفس على أخرى‏)‏‏.‏

وأخرج أحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏إذا أعطى الله الرجل خيرا فليبدا بنفسه وأهل بيته‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج أحمد والبخاري عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله‏)‏‏.‏

الحديث السابع

أخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالك ‏(‏إن الصدقة على ذي القرابة يضعف أجرها مرتين‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وأحمد والنسائين وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي‏)‏‏.‏

وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة‏:‏ لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني‏)‏‏.‏

وفي رواية لأحمد وأبي داود‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة‏:‏ في سبيل الله أو ابن السبيل أو وأخرج البخاري والنسائي ‏(‏ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي ولا يسأل الناس إلحافا‏)‏‏.‏

وأخرج أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي‏:‏ ‏(‏ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى فيغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس‏)‏‏.‏

وصح في أحاديث كثيرة أن الصدقة لا تحل لمحمد أو لآل محمد فهي محرمة عليه صلى الله تعالى عليه وآله فرضها ونفلها وأما على آله فلا يحرم عليهم إلا فرضها ولو نذرا وكفارة بخلاف نفلها‏.‏

الحديث التاسع

أخرج أحمد والطبراني عن أبي أيوب وعن حكيم بن حزام والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي عن ابي سعيد والطبراني والحاكم عن أم كلثوم أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أمسك عليك

الحديث الحادي عشر

أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى ذي قرابته فإن كان فضل فها هنا وها هنا‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير الصدقة ما أبقت غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول‏)‏‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج البخاري في الأدب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أربعة دنانير‏:‏ دينارا أعطيته مسكينا ودينارا أعطيته في رقبة ودينارا أنفقته‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لزوجة ابن مسعود‏:‏ ‏(‏وولدك أحق من تصدقت عليهم‏)‏‏.‏

الحديث السادس عشر

أخرج مسلم عن ميمونة‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لها‏:‏ ‏(‏لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك‏)‏‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج الشافعي رضي الله عنه في السنن والبيهقي في المعرفة عن محمد بن علي مرسلا‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏افعلوا المعروف إلى من هو أهله وغلى من ليس هو أهله فإن أصبتم أهله فقد أصبتم أهله وإن لم تصيبوا أهله فأنتم أهله‏)‏‏.‏

ومر أن الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر وابن النجار عن علي مرسلا والإتصال مقدم على الإرسال‏.‏

الحديث الثامن عشر

أخرج أبو داود عن جابر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يأتي أحدكم بماله لا يملك غيره فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى‏)‏‏.‏

الحديث التاسع عشر

أخرج أحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال رجل‏:‏ لأتصدقن الليلة فخرج بصدقة فوضعها في يد سارق فاصبحوا يتحدثون تُصدق الليلى على سارق فقال‏:‏ اللهم لك الحمد على سارق لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال‏:‏ اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غنى فأتي فقيل له‏:‏ أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله‏)‏‏.‏

الحديث العشرون

أخرج أحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت‏:‏ يا رب هل لك في خلقك شيء أشد من الجبال قال‏:‏ نعم الحديد فقالت‏:‏ يا رب هل في خلقك شيء أشد من الحديد قال‏:‏ نعم النار قالت‏:‏ يا رب هل في خلقك أشد من النار قال‏:‏ نعم الماء قالت‏:‏ يا رب هل في خلقك شيء أشد من الماء قال‏:‏ نعم الريح فقالت‏:‏ يا رب هل في خلقك شيء أشد من الريح قال‏:‏ نعم ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها من شماله‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والعشرون

أخرج ابن ماجة وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والعشرون

أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن صدقة السر تطفئ غضب الرب وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء وعن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من البلاء أدناها الهم‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والعشرون

أخرج الطبراني عن علي والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏باكروا بالصدقة فإن البلايا لا تتخطى الصدقة‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والعشرون

أخرج ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق لله صدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كان مسلمين فيكون لوالديه أجرها‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والعشرون

أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏المعتدي في الصدقة كمانعها‏)‏‏.‏

الحديث السادس والعشرون

أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا

الحديث الثلاثون

أخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى اله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة سر إلى فقير وجهد من مُقل‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والثلاثون

أخرج ابن النجار عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل عليكم السائل بغير إذن فلا تطعموه‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والثلاثون

أخرج الدار قطني في الأفراد‏:‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا رددت على السائل ثلاثا فلم يذهب فلا بأس أن تزبره‏)‏‏.‏

الحديث الثلاث والثلاثون

أخرج الديلمي عن أنس رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الصدقات بالغدوات يذهبن بالعاهات‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والثلاثون

أخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا تصدقت فأمضها‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والثلاثون

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏استتمام المعروف أفضل من ابتدائه‏)‏‏.‏

الحديث السادس والثلاثون

أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من منح منيحة غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها وغبوقها‏)‏‏.‏

المنيحة أن تعطي غيرك شاة لبونا‏.‏

وهي سنة مؤكدة كما يأتي ومن ثم كثرت فيها الأحاديث وعظم فيها الأجر كما يعلم مما يأتي‏.‏

الحديث السابع والثلاثون

أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وأخرج البخاري وأبو داود‏:‏ ‏(‏أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز لا يعمل عبد بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعدها إلا أدخله الله بها الجنة‏)‏‏.‏

الحديث الثامن والثلاثون

أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن البراء‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من منح منيحة ورق أو منيحة لبن أو أهدى زقاقا فهو كعتق نسمة‏)‏‏.‏

وأخرج مالك والبخاري‏:‏ ‏(‏نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة والشاة الصفية منحة يغدو بإناء ويروح بإناء‏)‏‏.‏

وأخرج البزار‏:‏ ‏(‏المنحة مردودة والناس على شروطهم ما وافق منها الحق‏)‏‏.‏ وأخرج الطبراني‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة المنيحس أن تمنح الدرهم أو ظهر الدابة‏)‏‏.‏

وأخرج أحمد ‏(‏خير الصدقة المنيحة تغدو بأجر وتروح بأجر‏)‏‏.‏

ولا ينافي ما قبله لأن المنحة اللبون تارة تكون أفضل وتارة يكون غيرها بحسب الحاجة فكل من الحديثين محمول على ما إذا كان الإحتياج لما فيه أكثر‏.‏

الحديث التاسع والثلاثون

أخرج ابن ماجة عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لها‏:‏ ‏(‏يا حميراء من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب ذلك الملح ومن سقى مسلما شربة من ماء حديث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها‏)‏‏.‏

وأخرج أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لدرهم أعطيته في عقل أحب إليّ من خمسة دراهم في غيره‏)‏‏.‏

الحديث الأربعون

أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه‏:‏ عن سعد بن عبادة وأبو يعلى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة سقي الماء‏)‏‏.‏

أي في المحل المحتاج إلى ماء فيه أكثر من غيره وإلا فالتصدق بالمحتاج إليه أكثر في ذلك المحل أفضل وبهذا تجتمع الأحاديث التي ظاهرها التعارض‏.‏

وفي رواية للبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏ليس صدقة أعظم أجرا من ماء‏)‏ أي بالمعنى المقرور‏.‏

وأخرج البيهقي ‏(‏أفضل الصدقة أن تشبع كبدا جائعا‏)‏‏.‏

الفصل الثاني فيما يطلق عليه اسم الصدقة

الحديث الأول

أخرج الخطيب في الجامع عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إسماع الأصم صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج البخاري عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أمط الأذى عن الطريق فإنه لك صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج البخاري في الأدب وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج أحمد والشيخان والنسائي عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏على كل مسلم صدقة فإن لم يجد فيعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق فإن لم يستطع فيعين ذا الحاجة الملهوف فإن لم يفعل فيأمر بالخير فإن لم يفعل فيمسك عن الشر فإنه له صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الخامس

أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل على دابته فيحمل عليها ويرفع عليها متاعه صدقة‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ابن آدم ستون وثلاثمائة مفصل على كل واحد منها في كل يوم صدقة فالكلمة الطيبة يتكلم بها الرجل صدقة وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة والشربة من الماء صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة‏)‏‏.‏

الحديث السابع

أخرج مسلم والنسائي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقةن وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزىء عن ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس‏.‏

أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أونهي عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج أبو داود عن أبي ذر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة تسليمه على من لقي صدقة وبضعه أهله صدقة ‏(‏أي جماعه لزوجته أو أمته‏)‏ ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى قالوا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة قال‏:‏ أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم يكن يأثم‏.‏

الحديث التاسع

أخرج أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏على كل نفس في كل يوم طلعت عليه الشمس صدقة منه على نفسه من أبواب الصدقة‏:‏ التكبير وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله وأستغفر الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعزل الشوك عن الطريق والعظم والحجر وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها وتسعى بشد ساقيك إلى اللهفان المستغيث وترفع ذراعيك مع الضعيف كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ولك في جماعك زوجتك أجر أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت أجره فمات كنت تحتسب به فأنت خلقته فأنت هديته فأنت رزقته فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج الطبراني عن عمرو بن أمية‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج أحمد والبخاري عن جابر قال‏:‏ ‏(‏كل معروف صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج الخطيب في الجامع عن جابر والطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أخرج عبد بن حميد والحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل معروف صدقة وما أنفق المسلم من نفقة على نفسه وأهله كتب له بها صدقة وما وقى به المرء المسلم عرضه كتب له به صدقة وكل نفقة ينفقها المسلم فعلى الله خلفها والله ضامن إلا نفقة في بنيان أو معصية‏)‏‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلىالله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل معروف صدقة‏)‏ والدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان‏)‏‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج أحمد والطبراني عن المقدم بن معدي كرب‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك هو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة‏)‏‏.‏

الحديث السادس عشر

أخرج أحمد عن عمرو بن أمية الضمري‏:‏ ان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالك ‏(‏ما أعطى الرجل امرأته فهو له صدقة‏)‏‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أنفق الرجل في بيته وأهله وولده وخادمه فهو له صدقة‏)‏‏.‏ وأخرج البخاري والترمذي‏:‏ ‏(‏ما أنفق الرجل على أهله صدقة‏)‏‏.‏

الحديث الثامن عشر

أخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من صدقة أحب إلى الله من قول الحق‏)‏‏.‏

ورواه جابر بلفظ‏:‏ ‏(‏ما من صدقة أفضل من قول الحق‏)‏‏.‏

الحديث التاسع عشر

أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المؤمن ليؤجر في هدايته السبيل وفي تعبيره بلسانه عن الأعجمي وفي إماطة الأذى عن الطريق حتى إنه ليؤجر في السلعة تكون في ثوبه فيلمسها بيده فيخطئها فيخفق لها فؤاده فترد عليه ويكتب له أجرها‏)‏‏.‏

الحديث العشرون

أخرج أحمد ومسلم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالوا للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يا رسول الله‏:‏ ذهب أهل الدثور ‏(‏أي الأموال‏)‏ بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا‏:‏ يا رسول‏:‏ أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال‏:‏ أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والعشرون

أخرج أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه‏:‏ ‏(‏أن رجلا جاء وقد انقضت صلاة الجماعة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والعشرون

أخرج أحمد والترمذي والحاكم عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط وأن تصب من دلوك في إناء جارك‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والعشرون

أخرج الترمذي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق وإذا اشتريت لحما أو طبخت قدرا فأكثر مرقه واغرف منه‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والعشرون

أخرج ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والعشرون

أخرج الطبراني في الكبير والبيهقي في سننه عن سمرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل صدقة اللسان‏:‏ الشفاعة تفك بها الأسير وتحقن بها الدم وتجر بها إلى المعروف والإحسان إلى أخيك وتدفع عنه الكريهة‏)‏‏.‏

الحديث السادس والعشرون

أخرج الديلمي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة حفظ اللسان‏)‏‏.‏

الحديث السابع والعشرون

أخرج أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة ظل فسطاط، في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله أو طروقة فحل في سبيل الله‏)‏‏.‏

الفصل الثالث في السؤال

الحديث الأول

أخرج الشيخان والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة - أي قطعة - من لحم‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج مالك والبخاري والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج البيهقي عن حبشي بن جنادة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الذي يسأل من غير حاجة كالذي يلتقط الجمر‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج البيهقي مرسلا‏:‏ ‏(‏ليستغن أحدكم عن الناس بقضيب سواك‏)‏‏.‏

الحديث الخامس

أخرج أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم في مستدركه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يويم القيامة ومسالته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح قيل وما الغنى قال‏:‏ خمسون درهما أو قيمتها من الذهب‏)‏‏.‏

وهذا كالحديث الثامن والعشرين محمول على ذلك الزمن لأن الغنى عندنا بالنسبة للزكاة من له ما يكفيه أو من عنده كفاية سنة أو العمر الغالب على الخلاف فيه وبالنسبة لصدقة التطوع من له كفاية يوم وليلة على ما يأتي ويدل على ما يأتي في الحديث الثاني والعشرين‏.‏

الحديث السادس

أخرج أحمد والنسائي وابن ماجة عن ثوبان رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى

الحديث السابع

أخرج أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه‏:‏ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏المسائل كدوح يكدح الرجل بها وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك غلا أن يسأل الرجل ذا السلطان في أمر لا يجد منه بدا‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج النسائي وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس‏)‏‏.‏

الحديث التاسع

أخرج أحمد والبخاري وابن ماجة عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة الحطب على ظهره فيبعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك بأن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج أبو داود والنسائي‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا‏)‏‏.‏

وأخرجه النسائي وغيره بلفظ‏:‏ ‏(‏من سأل وله قيمة أربعين درهما فهو الملحف‏)‏‏.‏

الحديث الثاني عشر

أخرج أبو داود والنسائي‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا‏)‏‏.‏

وأخرجه النسائي وغيره بلفظ‏:‏ ‏(‏من سال وله قيمة أربعين درهما فهو الملحف‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أخرج أحمد وأصحاب السنن الأربعة‏:‏ عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة‏:‏ لذي دمع موجع أو لذي غرم مفظع أو لذي فقر مدقع‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏إن المسالة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي إلا لذي فقر مدقع أو غرم مفظع‏)‏ مفظع مرة أي قوة سوى ‏(‏ومن سأل الناس ليثري به ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة ورضفا - أي حجرا - يأكله في جهنم فمن شاء فليكثر ومن شاء فليقل‏)‏‏.‏

الحديث الرابع عشر

أخرج ابن عساكر عن عطية السعدي رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اليد المنطية ‏(‏أي المعطية‏)‏ إذ العين تبدل نونا في لغة شهيرة وعليه قراءة ‏(‏إنا أنطيناك‏)‏ هي العليا - وإن السائلة هي السفلى فما استغنيت فلا تسأل وإن مال الله مسؤول ومنطى‏)‏‏.‏

الحديث الخامس عشر

أخرج أحمد ومسلم عن معاوية رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنما أنا خازن وإنما يعطي الله فمن أعطيته عطاءا عن طيب نفس مني فيبارك له فيه

الحديث السادس عشر

أخرج أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أوتيكم ولا أمنعكوه إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت‏)‏‏.‏

وفي رواية للترمذي وغيره‏:‏ ‏(‏ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت‏)‏‏.‏

الحديث السابع عشر

أخرج أحمد ومسلم عن عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل‏)‏‏.‏

الحديث الثامن عشر

أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏:‏ عن قبيصة‏:‏ ‏(‏إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة‏:‏ رجل تحمل حمالة فتحل له حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسالة حتى يجد قواما من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجي ‏(‏أي العقل والدين‏)‏ من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ثم فما سواهن من المسألة فسحت يأكلها صاحبها سحتا‏)‏‏.‏

والظاهر أن التقيد بالثلاثة من قومه في الفاقة إشارة إلى أن المعتبر فيها حرف أهل المحل الذي هو فيه لكن ضبطه الفقهاء بما سيأتي نظرا منهم إلى أن ما ضبطوه به هو عرف أكثر الناس والحديث الثاني والعشرون يدلان لما ضبطوه به كما مر‏.‏

الحديث التاسع عشر

أخرج أحمد والشيخان وابو داود والترمذي والنسائي عن أبي سعيد رضي الله تعالىعنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم وإنه من يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى الله أحدا عطاء خيرا وأوسع من الصبر‏)‏‏.‏

الحديث العشرون

أخرج أحمد وابو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن سهل بن الحنظلية رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سأل شيئا وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قالوا‏:‏ وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه‏)‏‏.‏

الحديث الحادي والعشرون

أخرج ابن ماجة وابو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن هذا المال حضر حلو فمن أخذه بحق بورك له فيه ومن أخذه إسراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى‏)‏‏.‏

الحديث الثاني والعشرون

أخرج أبو داود والنسائي عن الفراسي رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا‏)‏‏.‏

الحديث الثالث والعشرون

أخرج الطبراني والضياء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل‏)‏‏.‏

الحديث الرابع والعشرون

أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليجيئن أقوام يوم القيامة ليست في وجوههم مزعة لحم قد أخلقوها‏)‏‏.‏

الحديث الخامس والعشرون

أخرج الطبراني عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هُجرا ‏(‏أي فحشا‏)‏‏.‏

الحديث السادس والعشرون

أخرج أحمد عن رجل من مزينة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من استعف عفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل إلحافا‏)‏‏.‏

الحديث السابع والعشرون

أخرج أحمد والنسائي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من استغنى أغناه الله ومن استعف عفه الله ومن استكفى كفاه الله ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف‏)‏‏.‏

الحديث الثامن والعشرون

أخرج أحمد عن حبشي بن جنادة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سأل الناس بغير فقر فإنما يأكل الجمر‏)‏‏.‏

الحديث التاسع والعشرون

أخرج أحمد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تسأل شيئا ولا سوطك وإن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه‏)‏‏.‏

الحديث الثلاثون‏:‏

أخرج أبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة‏)‏‏.

الفصل الرابع في آداب السؤال

الحديث الأول

أخرج الدار قطني في الأفراد والطبرانيب في الأوسط وتمام عن أبي هريرة والبخاري في تاريخه وابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والطبراني فيه أيضا والبيهقي عن ابن عباس وابن عدي وابن عساكر عن أنس والطبراني في الأوسط عن جابر وتمام عن أبي بكر والطبراني في الكبير عن أبي خصيفة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ابتغوا وفي رواية اطلبوا وفي رواية التمسوا‏)‏ الخير عند حسان الوجوه‏)‏‏.‏

الحديث الثاني

أخرج ابن عدي والبيهقي عن عبد الله بن جراد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا ابتغيتم المعروف فاطلبوه عند حسان الوجوه‏)‏‏.‏

الحديث الثالث

أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الخير عند حسان الوجوه وتسموا بخياركم وإذا أتاكم كريم فأكرموه‏)‏‏.‏

الحديث الرابع

أخرج ابن لال في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا طلب أحدكم من أخيه حاجة فلا يبدأ بالمدحة فيقطع ظهره‏)‏‏.‏

الحديث الخامس

أخرج الترمذي عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح لحاجته‏)‏‏.‏

الحديث السادس

أخرج ابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تربوا صحفكم أنجح لها فإن التراب مبارك‏)‏‏.‏

الحديث السابع

أخرج العقيلي في الضعفاء وابن عدي والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في السنن عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه والخرائطي عن عمر والخطيب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود‏)‏‏.‏

الحديث الثامن

أخرج العقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا وتنجحو فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي‏)‏ ‏(‏ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهمن فلا ترزقوا ولا تنجحوا فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏إن سخطي فيهم‏)‏‏.‏

الحديث التاسع

أخرج البزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالك ‏(‏لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين‏)‏‏.‏

الحديث العاشر

أخرج الطبراني في الكبير وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين أو ذي حسب أو لذي حلم‏)‏‏.‏

الحديث الحادي عشر

أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ قال داود‏:‏ ‏(‏ادخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خير لك من أن تسال من

الحديث الثاني عشر

أخرج تمام وابن عساكر عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عشر

أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صنع إليه معروف فقال لصاحبه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء‏)‏‏.‏

 

الحديث الرابع عشر

أخرج ابن منيع والخطيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا قال الرجل لأخيه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء‏)‏‏.‏

وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والطبراني عن أم حكيم رضي الله تعالى عنهاك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏جزاء الغني من الفقير النصيحة والدعاء‏)‏‏.‏

 

الباب الرابع

اعلم أن صدقة التطوع سنة للأحاديث الكثيرة الشهيرة وقد قدمنا أكثرها وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من أخذها أنه يصرفها في معصية وينبغي أن يحمل العلم في كلامهم على ما يشمل الظن نظير ما قالوه من أن الإنسان إذا علم رضي صديقة بالأخذ من ماله جاز له الأخذ ولو بغير إذنه قالوا والظن هنا كالعلم فإذا ألحقوه به هنا ففيما نحن فيه أولى أن يلحق به‏.‏

ثم رأيتني ذكرت في حاشية العباب ما يوافق ذلك حيث قلت عقب قولهم القرض قربة لأنه فيه إعانة على كسب قربة غالبا نعم إن غلب على ظن المقرض أن المقترض يصرف ما اقترضه في معصية أو مكروه لم يكن قربة كما يأتي في الشهادات مع بيان أنه إنما يجوز الإقتراض لمن علم من نفسه الوفاء أي بأن كان له جهة ظاهرة وعزم على الوفاء منها وغلا لم يجز إلا يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء ويعطيه فلا يحرم وأن الحق له فقد أسقطه بإعطائه مع علمه بحاله فعلم أنه لا يحل لفقير إظهار الغنى عند الإقتراض لأن فيه تغريرا للمقرض كما في المضطر والاقتراض كعادم للمال إذا وهب له‏.‏

وقد يحرم القرض كأن يعلم المقرض من الآخذ أنه يصرف ما اقترضه في معصية قلته تخريجا ثم رأيت بعضهم صرح به فقال‏:‏ وقد يكره كما إذا غلب على ظنه أنه ينفقه في مكروه ويحرم كما إذا غلب أنه يصرفه في انتهت عبارة الحاشية المذكورة مع بعض زيادة عليها‏.‏

وبه يعلم أن المتصدق لو علم من الفقير صرف ما يأخذه في مكروه كرهت الصدقة عليه حيث عرض للصدقة ما صيرها مكروهة كما عرض لها ما صيرها محرمة‏.‏

صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏رأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل‏:‏ ما بال القرض أفضل من الصدقة قال‏:‏ لأن للإنسان أن يسأل وعنده ولا يقترض إلا من حاجة‏)‏‏.‏

لكن قد يعارض الحديثين خبر ابن ماجة أيضا وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أقرض مسلما درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة‏)‏‏.‏

ومن ثم قال ابن مسعود‏:‏ ‏(‏لأن أقرض مرتين أحب إلي من أن أتصدق مرة‏)‏‏.‏

وكذا قال ابن عباس وأبو الدرداء رضي الله تعالى عنهم‏.‏

وذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ إلى الأخذ بالحديثين الأولين فإنه فرق بين الصدقة بأنها إنما يكتب أجرها حين التصدق وهو يكتب ما دام عند المقرض على أن هذا إن صح عنه كان في حكم المرفوع لأنه ما يقال من قبل الرأي وعليه يكون نصا صريحا في أفضلية القرض ولك أن تسلك طريقا وسطا في الجمع بين تلك الأحاديث بأن تحمل الخبر المقتضى لأفضلية الصدقة على ما إذا وقعت في يد محتاج والقرض في يد محتاج على خلاف الطالب ويدل عليه الحديث الثاني وتعليلهم أخذا منه أفضلية القرض بأن لا يقع إلا في يد محتاج بخلاف الصدقة‏.‏

وعليه ينتج من ذلك أن الذي يقع منهما في يد محتاج أفضل من غيره وعليه يحمل الخبر المقتضي لأفضلية الصدقة والخبر المقتضي لأفضلية القرض أما إذا وقع كلا بيد محتاج أو بيد غير محتاج فظاهر أن الصدقة أفضل إذ لا بدل لها بخلاف القرض هذا هو الذي يتجه في هذا المحل ولم أر من صرح بشيء منه ثم رأيت البلقيني تعرض لنحو ما ذكرته مع زيادة فقال‏:‏ الذي يظهر في هذه المسألة أن يقال‏:‏ الآيات في الحث على الصدقات معلومة كآية‏:‏ ‏{‏فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ وَما أَدراكَ ما العَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَو إِطعامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ يَتيمًا ذا مَقربَةٍ‏}‏ فلم يذكر إلا الإعتاق والصدقة‏.‏

وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن ميمونة لما أعتقت وليدة لها قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك‏)‏‏.‏

وقد تجب الصدقة كأن وجد مضطرا ومعه ما يطعمه فاضلا عن نظير ما علمته في القرض من وجوبه‏.‏

فإن قلت كيف يتصور وجوب الصدقة للمضطر مع قولهم يلزم معه طعام لم يحتج إليه حالا وهناك مضطر بذلة ولو ذميا وإن احتاجه مالا يعوض ولو نسيئة لمعسر لا مجانا‏.‏

قلت يتصور ذلك في حق حيوان مضطر لا مالك له وكذا مضطر لا يمكنه التزام العوض لنحو صبي أو جنون أو إغماء فيجب البذل له مجانا على ما قاله جمع ويؤيده قولهم‏:‏ يجب على القادر المبادرة إلى تخليص المشرف من ماء ونار مجانا لأنه لا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة انتهى‏.‏

فكذلك في نحو الصبي أو المجنون المضطر لا يجوز تأخير طعامه إلى تقدير بدله فوجب بذلك له مجانا على ما في ذلك مما بينه آخر الأطعمة في شرح الإرشاد‏.‏

واتضح قول من قال بوجوب الصدقة على المضطر إن أراد هذه الحالة وإلا لم يصح إطلاقه لما علمت من تصريحهم بما يرده فتأمل ذلك فإنه مهم وعلم بما تقرر أن كلا من الصدقة والقرض يكون سنة وهو الأصل فيهمان وقد يعرض لكل الوجوب والكراهة والحرمة وخلاف الأولى بأن ظن من الآخذ الصرف في واحد من هذه إذ الوسائل حكم المقاصد وسيأتي صور أخرى‏.‏

تنبيه‏:‏ مر في بعض تلك الأحاديث ما صرح بتفضيل القرض على الصدقة وبذلك صرح ابن الرفعة في ‏(‏قرض الشيء من صدقته‏)‏‏.‏

ولخبر ابن ماجة ولكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي‏.‏

والصدقة والقرض يختلف التفضيل منهما باعتبار الأحوال فإذا علم احتياج الفقير ونحوه فصدقة التطوع عليه أفضل من القرض له أو لغيره‏.‏

وإذا لم تعلم حاجته وإنما أعطيت السائل وأنت شاك في حاله وآخر طالب لقرض نظير لذلك ولا تعلم من حالهما اختلاف إلا مجرد الطلب فها هنا يفضل القرض على الصدقة فمثلا بالغالب في طلب الصدقة وطلب القرض‏.‏

وعلى هذا ينزل حديث أنس أي السابق هذا بالنسبة لحال الآخذ وإما بالنسبة لحال المعطي ووجه عن الشيء لله تعالى فحاله أفضل من حال المقرض الذي لم يخرج عن الذي أقرضه وإنما هو طالب رده فإذا أقرضه مرتين كان حاله في ذلك كحال المتصدق نظرا إلى أنه راغب في إقراضه فحاله في الأول اقتضى حصول نصف أجر الصدقة نظرا إلى أنه راغب في إقراضه وحاله في الثاني اقتضى حصوله النصف الثاني‏.‏

على هذا ينزل حديث ابن مسعود على تقدير العمل به ويكون حديث ابن أنس بالنسبة إلى حال الآخذ وحديث ابن مسعود إلى حال المعطي‏.‏

والذي يقتضيه مجرى الكلام للشافعي رضي الله تعالى عنه أن أصل صدقة التطوع أفضل من القرض فإذا ترجح باحتياج ونحوه صار إليه‏.‏

وللقرض عموم من وجه آخر وهو دخوله مال غير المكلف خلاف صدقة التطوع ولصدقة التطوع رجحان من وجوه كثيرة والمعتمد ما قدمته انتهى‏.‏

فإن قلت ما حكمة كون درهم القرض بثمانية عشر وهلا كان بعشرين لأنه ضعفا الصدقة على ما مر‏.‏

قلت‏:‏ لما كان في القرض رد مثل ذلك الدرهم لم يبق في مقابله شيء فيكون الباقي محض المضاعفة وقد علم من كونه ضعفي درهم الصدقة أنه بدرهمين أصالة وبثمانية عشر مضاعفة لأنه من كون الحسنة بعشرة أمثالها أن المضاعفة تسعة ومن كونها بعشرين أن المضاعفة بثمانية عشر فلما رد الدرهم سقط مقابله وهو اثنان من العشرين فبقي ثمانية عشر‏.‏

فصل في مسائل تتعلق بصدقة التطوع الأولى وتعبيرهم باليوم في قولهم‏:‏ ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة بشيء وإن قل للأخبار الصحيحة لم يريدوا باليوم فيه التقييد وإنما أرادوا أن هذا أدنى الكمال وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها وإن قلت كما عبرت‏.‏

الثانية إسرارها أفضل من إظهارها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن تُخفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم‏}‏‏.‏

ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين يستظلون بالعرش يوم لا ظل إلا ظله‏.‏

 

من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه

نعم الوجه وفاقا للغزالي وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة وإنما قصد أن يقتدى به ولم يتأذ به الآخذ بالإظهار كان الإظهار أفضل لما فيه من المصلحة فإن اختل شرط من ذلك فالإسرار أفضل لما فيه من المصلحة فإن اختل شرط من ذلك فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام‏.‏

هذا حكم صدقة التطوع أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا‏.‏

قال في المجموع‏:‏ ومثله المالك إجماعا ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه أفضل نظير ما مر قريبا‏.‏

وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي فإن أحب الإسرار أظهر وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له بنقيض قصده الناقص في المثاني‏.‏

الثالثة قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي لأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان ولأنه سيد الشهور وأفضلها لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات فتكون الحاجة فيه أشد‏.‏

قال الماوردي‏:‏ ويستحب أن يوسع فيه على عياله ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة وعند الكسوف والسفر بمكة والمدينة وبيت المقدس وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة وايام العيد ونحو ذلك‏.‏

ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف والسفر‏.‏

وظاهر كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان ونحوه مما ذكر وعبارته‏:‏ وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور رمضان‏.‏

انتهت‏.‏

لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا‏:‏ ليس المراد أن من قصد التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها بل المراد أن التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا‏.‏

انتهى‏.‏

وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح بالمتصدق به‏.‏

ومرادهم بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا لعذر مما يأتي‏.‏

الرابعة أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل وقد مر منها جملة مستكثرة من ذلك حديث الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن زينب امرأة ابن مسعود وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقالتا لبلال‏:‏ سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ أيجزى عنا من الصدقة النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة يعني النفقة عليهم فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ لهم أجر القرابة وأجر الصدقة‏)‏‏.‏

في الصحيحين أيضا عن ‏(‏ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها‏:‏ أنها أعتقت وليدة لها فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك‏)‏‏.‏

وصح حديث‏:‏ ‏(‏صنائع المعروف تقي مصارع السوء‏)‏‏.‏

و‏(‏صدقة السر تطفئ غضب الرب‏)‏ و‏(‏صلة الرحم تزيد في العمر‏)‏‏.‏

ومعنى الزيادة فيه كما مر البركة فيه بالتوفيق للخير والحفظ من الشر فيتيسر له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة أو هي زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب وهي علم الله القديم الذي لا يقبل التبديل والتغيير‏.‏

وهنا معنى القول بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم يصل رحمه خمسون سنة فإن وصله فستون إلا إلى ما عند الله فإنه تعالى يعلم الواقع من الصلة قال أصحابنا‏:‏ ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب وتقديمه على الأجنبي بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته أو غيره وعبارة البغوي‏:‏ دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم كما قلنا في صدقة التطوع فلا فرق بينهما وهكذا الكفارات والنذور والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر يستحب تقديم الأقارب فيها حيث يكون بصفة الاستحقاق‏.‏

قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا‏:‏ يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة ليتألف قلبه ويرده إلى المحبة والألفة ولما فيه من مجانبة الرياء‏.‏

وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم ومر حديث ‏(‏أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح‏)‏‏.‏

أي العدو وصح أن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم الأقرب فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر وفي ترتيبهم الزوج والزوجة ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم من جانب ويقدم ذوي الولاء من أعلى على ذوي الولاء من أسفل كما بحثه الأذرعي وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة ويستثنى مما ذكر الجار ولو أجنبيا فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد ولو كان قريبا لكن بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه والأقدم القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار وظاهر أن أهل الحاجة أولى من أهل الإصلاح‏.‏

الخامسة‏:‏ قال أصحابنا وغيرهسم‏:‏ يستحب أن يتصدق بما يتيسر ولا يستقله ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته فإن قليل الخير كثير عند الله تعالى وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل‏.‏

ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة أو فرسن شاة وهو من البعير والشاة كالحافر من غيرها‏.‏

السادسة يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير وأهل المروءات والحاجات كما مر فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِسكينًا وَيَتيمًا وَأَسيرًا‏}‏ ومر خبر الرجل الذي قال‏:‏ ‏(‏لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية فلما علم تصدق في ليلة أخرى فوقعت في يد غني فلما علم تصدق في ليلة أخرى فوقعت في يد سارق فقيل له‏:‏ لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق والسارق يستعف بها عن سرقة‏)‏‏.‏

رواه الشيخان وروي أيضا‏:‏ ‏(‏أن رجلا اشتد عليه العطش فرأى بئرا فشرب منها ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فقال‏:‏ لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني فنزل البئر فملأ الخف ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ إن لنا في البهائم أجرا قال‏:‏ في كل كبدن رطبة أجر‏)‏‏.‏

وروي ‏(‏بينما كلب يطيف بركية ‏(‏أي بئر‏)‏ قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها ‏(‏أي خفها‏)‏ فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به‏)‏‏.‏

ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة وجه ويحرم المن بها‏.‏

‏.‏

بطل ثوابه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى‏}‏‏.‏

وروى مسلم‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب‏)‏‏.‏

قال في الإحياء‏:‏ واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يظهرها والأذى أن يذكرها‏.‏

وقال سفيان‏:‏ المن هو أن يذكرها ويتحدث بها‏.‏

وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء والأذى ان يعيره بالفقر‏.‏

وقيل هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه وثمرته التحدث بما أعطاه وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في الأمور‏.‏

وإن الأذى هو التوبيخ والتغيير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه‏.‏

ومنبعه‏:‏ كراهة البذل الموجب لضيق الخلق ورؤيته أنه خير من الفقير‏.‏

قال واستعظام العطية إعجاب بها وهو محبط بالعمل أي فهو عنده كالمن به‏.‏

السابعة‏:‏ يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنفِقوا مِن طيباتِ ما كَسِبتُم‏}‏‏.‏

وللأحاديث السابقة في ذلك‏.‏

قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع لأنه عبادة

التاسعة قال الحليمي يسن أن يعطي لله فإن نوى شكر نعمته أو دفع نقمته لم يضر وقال الماوردي‏:‏ إنما يكون على الغنى صدقة إذا قصد بها وجه الله وابتغاء ثوابه فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة‏.‏

العاشرة يستحب أن يتحرى التصدق بالماء فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه منها الحديثان السابقان‏.‏

ومنها أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة‏:‏ أن أمه ماتت فقال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلمك ‏(‏إن أمي ماتت فأتصدق عنها قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأي الصدقة أفضل قال‏:‏ سقي الماء‏)‏‏.‏

وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا‏.‏

ورواه النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا لكنه اعتضد بالحديثين الصحيحين السابقين وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم تعتضد لأنها فتشت فوجدت منقولة على أن المرسل يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد‏.‏

ومر في الكلام على الأحاديث حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام وإلا فالتصدق بالطعام أفضل‏.‏

الحادية عشرة تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة أو شاة ذات لبن فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة السابقة‏.‏

الثانية عشرة يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ‏}‏‏.‏

ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَن تَنالوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون‏}‏‏.‏

وورد‏:‏ ‏(‏من لبس ثوبا جديدا ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به لم يزل في حفظ الله حيا وميتا‏)‏‏.‏

وليس هنا تصدقا بالرديئين بل هو مما يحب فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة‏.‏

الثالثة عشرة قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة أي للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة وقد قدمت منها حديث الشيخين‏:‏ ‏(‏من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل‏)‏‏.‏

والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو ويقال بكسر الفاء وإسكان اللامن هو ولد الفرس في صغره‏.‏

ومنها حديث مسلم أيها الناس ‏(‏إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين‏)‏ قال الله عز وجل‏:‏ ‏(‏يا أَيُّها الرُسُلُ كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحًا إِنَّي بِما تَعمَلونَ عَليمٌ‏)‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ ما رَزَقناكُم‏}‏ ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب‏:‏ يا رب ومطعمه حرامه ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك‏)‏‏.‏

الرابعة عشرة قال الجرجاني من أصحابنا‏:‏ يستحب الصدقة بعد كل معصية‏.‏

انتهى‏.‏

ومنه الصدقة في واطئ الحائض بدينار لمن وطئ ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن وطئ زمن إدباره وضعفه والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة‏.‏

الخامسة عشرة قال الحليمي من أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده‏.‏

انتهى‏.‏

وينبغي في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله‏.‏

السادسة عشرة صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض لحديث الشيخين‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم قال‏:‏ أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا الا وقد كان لفلان‏)‏‏.‏

السابعة عشرة قال النووي رحمه الله في المجموع يستحب استحبابا متأكدا صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل والجيران والأصهار وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته والإحسان إليهم‏.‏

وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح جمعت معظمها في رياض الصالحين‏.‏

انتهى ومر منها جملة‏.‏

الثامنة عشرة مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة أحد المتصدقين منها خبر الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين‏)‏ أي بالتثنية والجمع‏.‏

قال السرخسي وغيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره بما أذن فيه صريحا وبما لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به فإن لم تعلم حرم عليها‏.‏

ومرادهم بالعلم هنا ما يشمل الظن‏.‏

قال في المجموع وهذا التفصيل متعين وعليه يحمل الأحاديث الواردة في ذلك وهكذا حكم المملوك المتصدق من مال سيده على هذا التفصيل‏.‏

وتلك قد مر معظمها منها حديث الشيخين‏:‏ ‏(‏إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا‏)‏‏.‏

وحديث لمسلم‏:‏ ‏(‏لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره نصف أجره له‏)‏‏.‏

أي إن علمت أو ظنت رضاه فلها أجر وله أجر كما مر‏.‏

وروى مسلم‏:‏ ‏(‏عن عمير مولى آبى اللحم ‏)‏بهمزة ممدودة مع كسر الباء‏)‏ قال‏:‏ أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فعلم بذلك مولاي فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه فقال‏:‏ لم ضربته فقال‏:‏ يعطي طعامي بغير أن آمره فقال‏:‏ الأجر بينكما‏)‏‏.‏

وهذا محمول على أنه ظن أن سيده يرضي بذلك القدر فلم يرض لاحتياجه إليه بمعنى آخر فيثاب السيد على إخراج ماله ويثاب العبد على نيته‏.‏

وفي رواية لمسلم أيضا قال‏:‏ ‏(‏كنت مملوكا فسالت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أأتصدق من مال مولاي بشيء قال‏:‏ نعم والأجر بينكما نصفان‏)‏‏.‏

وهذا محمول على ما يرضى به سيده‏.‏

والمراد بما جاء في هذه الأحاديث من كون الأجر بينهما نصفين أنه قسمان لكل واحد أجر ولا يلزم أن يكونا سواء فقد يكون أجر صاحب الطعام أكثر وقد يكون أجر المرأة والخازن والمملوك أكثر بحسب قدر الطعام وقد التعب في إنفاذ الصدقة وإيصالها إلى المسكين‏.‏

العشرون

 

اليد العليا خير من اليد السفلى

ثم في رواية‏:‏ ‏(‏فإن العليا المنفقة والسفلى السائلة‏)‏‏.‏

وفي أخرى للبخاري‏:‏ ‏(‏العليا المنفقة‏)‏‏.‏

وفي أحاديث والله أعلم‏.‏

الحادية والعشرون يحل أخذ صدقة التطوع لآل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما مر‏.‏

وأما هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيحرم عليه الجميع تمييزا لمرتبته الشريفة على مرتبة غيره‏.‏

إذ في الصدقة مطلقا نوع منه وذلك وسخ فنزه مقامه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن ذلك بالكلية‏.‏

وجاز تطوعها لآله لأنه ليس فيها كبير ذلك بخلاف نحو الزكاة فإن الوسخ فيها محقق إذ هي طهرة للمال وصاحبها كأنه مجبور عليها لوجوبها وتحتمها عليه فليس فيها غالبا من رضى الثانية والعشرون قال في المجموع يحل للأغنياء أخذ صدقة التطوع بلا خلاف فيجوز دفعها غليهم ويثاب دافعها عليها ولكن المحتاج أفضل ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها‏.‏

قال صاحب البيانك ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة‏.‏

وهذا الذي قاله صحيح وعليه حمل الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏أن رجلا من أهل الصفة توفي فوجد له ديناران فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ كيتان من نار‏)‏‏.‏

وأما إذا سأل الغني صدقة التطوع فقد قطع صاحب الحاوي والسرخسي وغيرهما بتحريمها عليه‏.‏

قال صاحب الحاوي‏:‏ إن كان غنيا عن المسألة بمال فسؤاله حرام وما يأخذه يحرم عليه هذا لفظه‏.‏

وقال الغزالي وغيره من أصحابنا في كتاب النفقات‏:‏ وفي تحريم السؤال على القادر على الكسب وجهان‏.‏

ففي الأحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهي عن السؤال وظواهره كثيرة تقتضي التحريم‏.‏

وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه وصرح به الماوردي وهو ظاهر انتهى كلام المجموع‏.‏

وأفهم قوله ويكره له التعرض لها إذا كان أخذ الغني لها بلا تعرض خلاف السنة وليس مكروها وهو ما أفهمه كلام الروضة أيضا‏.‏

وأما قول الأسنوي إنه مكروه ففيه مفسدة كتأذ وقطيعة رحم وإلا فالأولى الأخذ إذا كان المال حلالا لا شبهة فيه وإلا ندب له الرد وإن حصل ما ذكر نقله في المجموع واعتمده من أن الغني متى أظهر الفاقة حتى أعطيها أو سالها فأعطيها حرم عليه هو المنقول المعتمد‏.‏

قال الأذرعي لا يكون دفعها إليه سنة بل إما مكروه أو حرام‏.‏

انتهى‏.‏

وجزم في محل آخر بالحرمة‏.‏

والذي يتجه عدم الحرمة لقولهم‏:‏ قد يجوز الإعطاء ويحرم الأخذ كما في الرشوة على حق وكما يعطي للشاعر خوفا من لسانه‏.‏

ثم رأيت النووي صرح بما ذكرته من عدم الحرمة في شرح مسلم وكان وجه ما ذكرته من القياس على ما قالوه في هذين الفرعين‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد يقال بينهما وبين ما نحن فيه فرق واضح فإن الراشي على الحق معذور لأنه يستخلص بذلك ماله مثلا وكذلك معطي الشاعر يستخلص عرضه منه فهما معذوران فجاز لهما الإعطاء لعذرهما ولم أر أن فيه إعانة على معصية وهي الأخذ بخلاف مسألتنا فإنه لا عذر لمعطي الغني مع سؤاله أو إظهار الفاقة فكان القياس ما جزم به الأذرعي من الحرمة لا ما ذكرته كشرح مسلم من عدمها‏.‏

قلت‏:‏ سبب تحريم أخذ الغني مع السؤال وإظهار الفاقة رعاية حق المعطي كما هو ظاهر فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا أي تغرير المعطي فلما كان سبب التحريم رعاية حق المعطي كما هو ظاهر فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا أي تغرير المعطي فلما كان سبب التحريم رعاية جانب المعطي لم يتجه القول بحرمة إعطائه لمن سأله أو أظهر له الفاقة لأنه لم يقصد بالإعطاء إلا البر والصلة بخلاف من علم من الآخذ أنه يصرف ما يأخذ في محرم فإنه بالإعطاء له معين له على تلك المعصية فافترقا ثم المراد بالغني الذي يحرم عليه الأخذ مع السؤال أو إظهار الفاقة هو الغني في العرف وهذا ما قاله الصميري لكن ضبطه الغزالي بأنه الذي يجد ما يأكله هو من في نفقته في يوم وليلة وما يسترهم عن الناس من ثوب وسراويل ومنديل وما يحتاجون إليه في أكلهم من الآنية ويكفي أن يكون من الخزف‏.‏

قال‏:‏ ولا يجوز أن يسأل ما يحتاج عليه بعد يومه وليلته إلا ألا يتيسر السؤال عند نفاد ما عنده فله طلب ما يحتاجه لسنة بخلاف ما إذا كان يتسر عند نفاد ذلك فلا يجوز له السؤال قبل نفاده‏.‏

انتهى‏.‏

قال الأذرعي‏:‏ وينبغي جواز طلب ما يحتاج غليه إلى وقت يعلم بالعادة تيسر السؤال فالاستغناء ولا يتجاوز ما اعتمده في المجموع من أن السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب ليس بحرام ولا مكروه وهو المعتمد أيضا‏.‏

وفي الجواهر وغيرها عن الغزالي‏:‏ يباح السؤال لضرورة كجوع وعري ولحاجة مهمة كمن لا جنة له وتأذى بالبرد وكأجرة مركوب لمن يشق عليه البرد والمشي وترك السؤال أولى‏.‏

أما السؤال لحاجة غير مهمة لثوب يتجمل به ومحمل يركب فيه مع وجود الراحلة فإن أظهر الحاجة أو شكى الله تعالى أو تذلل أو ألح في الطلب حرم وإلا كره‏.‏

ويحل السؤال للمستغرق في طلب علم شرعي وإن قدر على الكسب والاكتساب أفضل من التخلي للعبادة ويحرم سؤال واحد كفاية يوم وليلة وله مؤنة وله سؤال قوته ولو لسنة ولو لم يتيسر له الطلب وقت حاجة‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وقوله‏:‏ يباح السؤال للضرورة مراده ما يعم الواجب كما أنه ظاهر أنه يجب السؤال على مضطر توقفت إزالة اضطراره الذي يخشى منه مبيح تيمم على السؤال‏.‏

وقوله‏:‏ ترك السؤال أولى أي في الشق الثاني والكلام في مجر تأذ خفيف بالبرد أو المشي إما بأن يخشى منه مبيح تيمم فيجب معه السؤال كما علم مما مر آنفا لأنه ليس من قسم الحاجة المهمة بل من قسم الضرورة وظاهر تخصيصه حرمة السؤال مع أحد الأحوال الأربعة‏:‏ الذل أو الإلحاح أو الشكوى أو إظهار الفاقة بالحاجة غير المهمة‏:‏ جواز السؤال مع الضرورة أو الحاجة المهمة مع أحد هذه الأربعة بل مع وجودها كلها وهو ظاهر إن لزمه السؤال في الحالة التي قدمتها أما حيث لم يلزمه فلا يجوز له مع واحد من هذه الأربعة كما صرح به في الخادم واقتضاه قول النووي في شرح مسلم من أذل نفسه إذلالا زائدا على ذل السؤال أو ألح فيه وأذى المسؤول حرام باتفاق‏.‏

انتهى‏.‏

ويؤيده ما يصرح به قول ابن الصلاح والسؤال مع التذلل وإلحاح وإيذاء المسؤول حرام وإن كان محتاجا‏.‏

والواو في كلامه بمعنى أو كما علم من كلام شرح مسلم ومما يصرح بذلك أيضا وبما قدمته بحثا قول الإمام السؤال مع الإيذاء حرام مطلقا ومع الحاجة جائز والتعفف عنه أولى ولغير حاجة مكروه إلا في مباسطة الأصدقاء وواجب عند الضرورة‏.‏

انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ إنه لغير حاجة مكروه على غير الحاجة المهمة أو على الفقير وقوله‏:‏ والتعفف عنه أولى يقتضي أنه غير مكروه وبه صرح في المجموع نقلا عن الماوردي كما مر نقلا عنه لكن اعترض بأن الذي في حاوي الماوردي الجزم بالكراهةن ويرد بأن النووي لم ينقله عن الحاوي حتى يعترض عليه بذلك وإنما نقله عن الماوردي فلعل كلامه اختلف في كتبه النووي عدم الكراهة فلا يرد عليه ذلك الاعتراض هنا‏.‏

وإعتراض تجويزهم السؤال ولو مع الحاجة فإنهم ذكروا لتحريمه أسباباس وفي إظهار الحاجة والشكوى والذل والإلحاح والإيذاء والالتزام بالذل حياء والسؤال مطلقا لا يخلو عن واحد من هذه فأين المحل الذي يجوز فيه‏.‏

وأجاب الغزالي عن ذلك‏:‏ بأن الأولين يندفعان بأن يظهر شكر الله تعالى والاستغناء عن الخلق ولا يسأل سؤال محتاج ويندفع الثالث بسؤال نحو قيبه أو صديقه أو سخي يعلم منه أنه لا ينقص بذلك في عينه والرابع بأن لا يعير بالسؤال أحدا فإن كان من القوم شخص تنظر إليه الأعين لو لم يبذل كان سؤاله إيذاء‏.‏

قال‏:‏ ومتى أخذ شيئا مع العلم أي أو الظن بان باعث المعطي الحياء منه أو من الحاضرين لولولاه ما ابتدأه به فهو حرام إجماعا ويلزمه رده أو رد بديله إليه أو إلى وارثه‏.‏

انتهى‏.‏

قال الحليمي وإذا لم يجد المسؤول شيئا فليدع لسائله بالرزق وغيره‏.‏

وقال‏:‏ ورد السائل صغيرة فإن انضم إليه نهره كبيرة‏.‏

انتهى‏.‏

وما ذكره من الدعاء واضح وأما قوله إن رده صغيرة الخ فغريب جدا اللهم إلا أن يحمل على مضطر علم بحاله فرده صغيرة بل كبيرة كما هو ظاهر لما فيه من عظيم الإيذاء ومن الامتناع من البذل الواجب عينا عليه ويؤيد ذلك قول الأذرعي عقب كلام الحليمي وهو غريب جدا لكن يتجه في المعذور والمضطر مع العلم بحاله‏.‏

انتهى‏.‏

الرابعة والعشرون قال الغزالي قد يعطي الإنسان المال لغيره تبرعا لحاجة إليه أو لنسبه أو لصلاحه ونحوه فإن علم الآخذ أنه أعطاه إياه لحاجته لم يحل له الأخذ إلا أن يكون محتاجا وإن علم أنه يعطيه لشرف نسبه لم يحل له الأخذ إن كان كاذبا فيه وإن علم أنه أعطاه لعلمه لم يجز له الأخذ إلا أن في العلم كما يعتقده المعطي وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إلا أن في العلم كما يعتقده المعطي وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إن كان فاسقا في الباطن فسقا لو علم به المعطي لما أعطاه‏.‏

انتهى‏.‏

وفي العلم في جميع ذلك غلبة الظن كما هو ظاهر وقضية قوله لا بد أن يكون في العلم كما اعتقده أنه لا بد أن يكون في الدين والصلاح كما ظنه المعطي وإلا لم يجز له الأخذ وإن لم يكن عنده فسق أصلا‏.‏

الخامسة والعشرون يندب التصدق على الكافر للأحاديث الصحيحة السابقة ‏(‏في كل كبد رطبة أجر‏)‏‏.‏

ولا فرق بين الحربي وغيره كما أفاده صريح قول المجموع‏:‏ من تصدق على كافر ولو حربيا فله أجر في الجملة فاستفيد منه ندب التصدق ولو على حربي‏.‏

وكأن الأذرعي والزركشي لم يستحضرا عبارة المجموع هذه حيث نقل الثاني حرمة التصدق على الحربي وسكت عليها‏.‏

وحيث قال الأول هنا أي حل الصدقة على كافر في نحو من له عهد أو ذمة أو قرابة أو يرجى إسلامه وإلا ففي جواز الصدقة عليه بما له وقع من المال نظر ولا سيما إذا كان يحمله إلى دراهم‏.‏

انتهى‏.‏

والجواز ظاهر جدا وإنما الكلام في الندب‏.‏

وقد علمت أن عبارة المجموع مصرحة به نعم إن كان بإعطائه مرتب مفسدة والذي ينبغي حرمته و شمل كلامه حل التصدق على الكافر ولو من أضحية التطوع لكن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في البويطي على المنع‏.‏

السادسة والعشرون قال الغزالي اختلف العلماء في أن الأفضل للإنسان أن يكتسب المال ويصرفه إلى المستحقين أو يشتغل بالعبادات وهذا فيمن يسلم من آفات الدنيا وإلا فالعبادة له أفضل وينبغي أن يجتهد في ذلك ويزن الخير والشر ويفعل ما يدل عليه نور العلم دون طبعه وما يجده أخف على قلبه فهو في الغالب إصر عليه لأن النفس لا تشير إلا بالشر‏.‏

انتهى‏.‏

يكره إمساك الفضل غير المحتاج إليه كما بوب عليه البيهقي واستدل له وسيأتي في الحادية والثلاثين لذلك مزيد تحرير‏.‏

وذكر ذلك في المجموع ما يناسب ذلك حيث قال‏:‏ ما حاصله‏:‏ فرع في ذم البخل والشح والحث على الإنفاق في الطاعات ووجوه الخيرات قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحون‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَجَعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنقِكَ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَما أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهوَ يُخلِفُهُ‏}‏‏.‏

وفي حديث مسلم‏:‏ ‏(‏واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم‏)‏‏.‏

وروى الشيخان أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر‏:‏ اللهم أعط مسرفا تلفا‏)‏‏.‏

وروي أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏:‏ أنفق أنفق عليك‏)‏‏.‏

وروي مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏في شاة ذبحوها وتصدقوا بها إلا كتفها وروى أيضا‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله‏)‏‏.‏

ومرت هذه الأحاديث في جملة الأحاديث السابقة‏.‏

وبحث بعضهم أنه لا يكره إلا إمساك ما زاد عن سنة‏.‏

ويؤيده أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربما حزن لعياله قوت سنتهم ومن ثم قالوا‏:‏ لو كان بالناس ضرورة وعنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله سنة لزمه بيع الفضل فإن لم يفعل أجبره السلطان على بيعه‏.‏

انتهى‏.‏

فأبقوا له قوت السنة مع ما بالناس من الضرورة ولم يجوزا إجباره على بيع شيء منه والكلام في غير حالة الإضطرار والإلزام غير المحتاج حالاس وإن إحتاج مالا لليع كما مر أوائل هذا الباب في الروضة في باب السير عن الإمام وأقراه أنه يجب على الموسرين المواساة بما زاد على كفاية سنة‏.‏

الثامنة والعشرون قال في المجموع يكره للإنسان أن يسأل بوجه الله إلا الجنة وصح بإسناد على شرط الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏فاثنوا عليه بدل فادعوه له‏)‏‏.‏

ومر الحديث بطرقه‏:‏ قال الحليمي‏:‏ ولو سأل الفقير بالله تعالى فإن علم أن المسؤول يهتز لإعطائه جاز له ذلك وإن كان ممن يتلوى ويتضجر ولا يأمن أن يرده فحرام عليه السؤال بالله تعالى‏.‏

انتهى‏.‏

وظاهر كلام المجموع عدم الحرمة مطلقا وله وجه ظاهر‏.‏

التاسعة والعشرون قال في المجموع أيضا إذا عرض عليه مال من حرام على وجه يجوز أخذه ولم يكن فيه مسألة ولا إشراف ولا يطلع إليه جاز له أخذه بلا كراهة ولا يجب وقال بعض أهل الظاهر‏:‏ يجب‏.‏

وفي المسألة أحاديث تقدم كثير منها وفيها ما ظاهره وجوب القبول لكنه محمول عند العلماء على أنه أمر ندب نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإذا حَلَلتُم فاصطاوا‏}‏‏.‏

ومن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان‏:‏ عن عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏كان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يعطيني العطاء فأقول‏:‏ أعطه أفقر إليه مني حتى أعطاني مرة مالا‏.‏

فقلت أعطه أفقر إليه مني فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ خذه وما جاءك من هذا المال وأنت عليه غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك‏)‏‏.‏

وكان عبد الله ابنه لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه‏.‏

الثلاثون اختلف العلماء المتقدمون والمتأخرون في أن

الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر

والذي رجحه الغزالي في موضع أن الغني الشاكر أفضل وهذا هو الذي عليه الأكثرون واختاره العز بن عبد السلام وتبعه تلميذه ابن دقيق العيد فقال‏:‏ إنه الظاهر القريب من النص‏.‏

وأطال الغزالي في الاستدلال له قال‏:‏ وهو الذي نفسه كنفس الفقير ولا يصرف لنفسه إلا قدر الضرورة ويصرف الباقي في وجوه الخيرات أو يمسكه معتقدا أنه يمسكه خازنا للمحتاجين ينتظر حاجة حتى يصرفه فيها لله تعالى فهذا هو الغني الشاكر الذي الخلاف فيه‏.‏

ورجح في موضع آخر ما عليه أكثر الصوفية أن الفقير الصابر أفضل وأشار إلى أن الخلاف في الفقير الذي يجد مرارة الصبر‏.‏

والفقير الراضي الذي لا يجده مرارة الفقير الشاكر الذي بحلول الفقير فهو أفضل قطعا‏.‏

واستدل ابن عبد السلام وغيره لما رجحوه من أن الغني الشاكر أفضل بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم استعاذ من الفقر‏.‏

قال‏:‏ ولا يجوز حمله على فقر النفس لأنه خلاف الظاهر بغير دليل وبأن أخرجا له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغني بخيبر وفدك والعوالي وأموال بني النضير وغيرها‏.‏

وكذا من تأخر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم‏.‏

وإذا كان أغلب أحواله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الفقر إلى أن أغناه الله تعالى بما ذكر لأن الأنبياء والأولياء لا يأتي عليهم يوم إلا والذي بعده خير منه‏.‏

وقد ختم أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالغني ولم يخرجه عما كان يتعاطاه في فقره من البذل لا يقال انتصارا للثاني إنما استعاذ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الفقر لأنه مصيبة من مصائب الدنيا والغنى نعمة من نعمها فور أنهما الرضى والعافية فكون الرضى فيه الثواب لا يمنع سؤال العافية‏.‏

وأيضا فالذي اختاره الله تعالى لنبيه وجمهور صحابته هو الفقر غير المدقع‏.‏

وأيضا فالفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء وبخمسمائة عام وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة يسألون عن فضول أموالهم‏.‏

لأنا نقول الجواب‏:‏ أما عن الأول فهو أنه لا دلالة فيه لترجيح أفضلية الفقير الصابر كماهو ظاهر‏.‏

وأما عن الثاني فهو أنه مردود بما مر من أن الذي ختم به أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هو الغنى‏.‏

أما عن الثالث فهو أنه فرض الكلام في الأغنياء الذين هم ليسوا من محله الخلاف لأنهم المحبوسون يسألون عن فضول أموالهم فيما أنفقوها والغني الذي الكلام فيه قد أخرج ماله جميعه لله تعالى في الذي يسأل عنه على أن سبق الدخول إلى الجنة لا يدل على الأفضلية بل قد يكون التأخر لمزية تظهر لذلك المتأخر في الموقف حتى يشاهدها الحاضرون ثم ويظهر تميزه بها على من دخل قبله وبعده‏.‏

إذا كان محتاجا إلى ما عنده لنفقة نفسه أو عياله فقيل لا تسن له صدقة التطوع ولا تكره وبه قطع الماوردي والغزالي وجماعات من الخراسانيينس وتابعهم الرافعي وظاهر نص المختصر يوافقهم ولفظه‏:‏ أحب أن يبدأ بنفسه ثم بمن يعول لأن نفقة من يعول فرض والفرض أولى به من النفل ثم بقرابته ثم من يشاء‏.‏

وعبارة الماوردي‏:‏ صدقة التطوع قبل أداء الواجبات من الزكاة والكفارات وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب والزوجات غير مستحبة ولا مختارة واستدلوا بالإبحاثة بحديث الصحيحين وغيرهما‏:‏ ‏(‏أن رجلا من الأنصار بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه وقال لامرأته نومي الصبيان وأطفئي السراج وقربي للضيف ما عندك فنزلت هذه الآية ‏{‏وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصة‏}‏‏)‏‏.‏

وقيل يكرهس وبه قطع المتولي‏.‏

والثالث هو الأصح عند النووي وغيره حرمة الصدقة وبه قطع الشيخ أبو إسحاق في المهذب والتنبيه وشيخه القاضي أبو الطيب والدارمي وابن الصباغ والبغوي وصاحب البيان وآخرون‏.‏

قال في المجموع بعد ذكره ذلك والجواب عن الحديث الذي احتج به الأولون من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن هذا ليس من باب صدقة التطوع إنما هو من باب الضيافة والضيافة لا يشترط فيها الفضل على عياله ونفسه لتأكدها وكثرة الحث عليها حتى أن جماعة من العلماء أوجبوها‏.‏

الثاني أنه محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين بل كانوا قد أكلوا حاجاتهم وأما الرجل وامرأته فتبرعا بحقهما وكانا صابرين فرحين بذلك ولهذا جاء في الآية والحديث الثناء عليهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏نومي صبيانك لا يدل على أنهم كانوا جياعا لأنهم لا يتركون الأكل عند حضور الطعام وإن كانوا غير جياع فخاف إن بقوا مستيقظين أن يطلبوا الأكل على العادة فينكدوا عليهما وعلى الضيف لقلة الطعام‏)‏‏.‏

انتهى‏.‏

وما ذكره من أن الضيافة لا يشترط فيها الفضل خالفه في شرح مسلم فيسوي بينها وبين الصدقة في تحريمها بما يحتاجه ولعل هذا أقرب وإن مشى جمع متأخرون على ما في المجموع من الفرق بينهما ووجه ترجيحي بما في شرح مسلم أن نفقة عياله أكد لوجوبها إجماعا بخلاف الضيافة سيما والكلام إنما هو في شافعي وهو لا يعتقد وجوبها فكيف يقدم ما لا يعتقد وجوبه على ما هو واجب عليه بالإجماع ولو كان الفرد في مجرد التقديم مع عدم فوات الواجب الآخر الذين تلزمه نفقتهم بالإجماع فنتج أن حقهم أقوى وألصق به فتعين تقديمهم وعلى ما في المجموع‏.‏

فيتعين تقيد الضيف بما إذا لم يؤد ذلك إلى إلحاق ضرر بهم لا يطاق عادة والأوجب تقديمهم اتفاقا فيما يظهر في عيال غير بالغين أو غيره عقلا أما البالغون العقلاء إذا رضوا بتقديم غيرهم عليهم فالأفضل التصدق كما بحثه في المطلب وصرح به ابن عصرون في كلامه على قصة الصديق رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه في تصدقه بجميع ماله والذي يتجه أن محل ذلك فيمن يصبرون عليها فنهاية أمرهم أنهم كالمتصدق إذا أراد أن يتصدق بما يحتاجه لنفسه وحكمه أنه صبر على الإضافة يسن له التصدق بجميع الفاضل عن كفايته وإن لم يصبر حرم عليه فإذا جرى هذا التفضيل في المتصدق نفسه فأولى أن يجري في مؤنة البالغ العاقل إذا رضي ثم المراد بكفايته إن لم يصبر على الإضافة وبكفاية من تلزمه مؤنة كفاية يوم وليلة وكسوة فصل فهذا هو الذي يحرم التصدق به دون ما زاد عليه هذا هو الظاهر الذي قاله جماعة أخذا من كلام الإحياء وليس المراد بذلك ما يكفيهم حالا فقط ولا ما يكفيهم سنة‏.‏

قال الأذرعي‏:‏ قد يقال يدخر لنفسه وعياله قوت سنة ولا يتصدق بالفاضل إذا لم يتوقع حصول شيء قبل مضي عام‏.‏

وأيده غيره لقوله في الروضة في السير عن الإمام وأقره يجب على الموسر من المواساة بما زاد على كفاية سنة‏.‏

انتهى‏.‏

ولك أن تقول إن أراد الأول أخذا من جواز التصدق بل ندبه على ما زاد عن كفاية يوم وليلة وكسوة فصل‏.‏

وما في الروضة لا يدل للأذرعي لأن وجوب البذل يحتاط له أكثر فلا يلزم من اعتبار السنة اعتبارها في المطلوب الذي هو صدقة التطوع‏.‏

بقوله لا يتصدق بالفاضل‏.‏

إلخ أن التصدق بشيء من نفقة السنة حرام كان بعديا جدا ومخالفا لكلامهم وإن أراد كراهة التصدق بذلك كان له نوع اتجاه لكن الظاهر وما ذكرته من حرمة التصدق بما يحتاجه الإنسان لنفسه إذا لم يصبر على الإضافة هو المعتمد وأما في الروضة من عدم التحريم واغتر به جماعة فمحمول على من صبر على الإضافة كما أفاده كلام المجموع وعلى الأول أعني الحرمة مع عدم التبصر حرام على ما قالوه في التيمم من حرمة إيثار عطشان آخر بالماء وعلى الثاني أعني الحل مع الصبر حمل ما قالوه في الأطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما أما ما فضل عن حاجة نفسه ومؤنة يومهم وليلتهم وكسوة فصلهم فيسن التصدق بجميعه إن صبر على الإضافة وإلا كره كما في المهذب وغيرهس‏.‏

وعلى هذا التفصيل جملة الأخبار المختلفة منها الخبر الصحيح أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه تصدقن بجميعب ماله فأثنى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك‏.‏

والخبر الصحيح أن رجلا جاء بمثل البيضة من ذهب وقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عنه إلى أن أعاد عليه القول ثلاث مرات ثم أخذها ورماه بها رمية لو أصابته لأوجعته ثم قال‏:‏ يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف وجوه الناس‏.‏

خير الصدقة ما كان على ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر وخرج بجميع الفاضل بعضه فيسن التصدق مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع فالأوجه جريان التفصيل السابق فيه‏.‏

الثانية والثلاثون محل ما تقرر في الحادية والثلاثين فيمن لا دين عليه أما من عليه دين سواء طلب منه أم لا كما هو ظاهر فيحرم عليه التصدق بما يحتاجه لوفائه كما قاله صاحب المهذب وشيخه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والبغوي وآخرون يكره‏.‏

وقال الماوردي والغزالي وقال المتولي وآخرون لا يستحب‏.‏

قال في المجموع بعد حكاية ذلك والمختار أنه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى فلا بأس بالصدقة وقد يستحب وإلا فلا وعلى هذا التفصيل يحمل كلام الأصحاب المطلق‏.‏

وظاهر أن إبراء المدين من دين له على آخر مع احتياجه لقبضه منه في وفاء دينه حرام أيضا لكن إن كان المدين المبرء مليا مقرا أو عليه بينة به وغلبه من ظن حصول الوفاء من جهته يستلزم كونها ظاهرة الذي قيد به الغزالي وغيره فلا اعتراض على المجموع في حذف هذا القيد لما علمت أن تعبيره بغلبة ظن الحصول من جهة تستلزم ظهورها نعم قول المجموع فلا بأس أن يستثنى منه ما إذا حصل بذلك تأخير وقد وجب وفاء الدين فورا بمطالبة أو غيرها أي ككونه عصى بسببه أو كان ليتيم ونحوه ولا مانع من الدفع فالوجه كما قاله الأذرعي وغيره وجوب المبادرة إلى إبقائه وتحريم الصدقة بما يتوجه عليه دفعه في دينه وإن رجا وفاءه من جهة ظاهرة وبما تقرر أنه لا فرق بين الدين الحال والدين المؤخل وبين الزكاة وغيرها‏.‏

وبحث ابن الرافعة وتبعه القمولي إلحاق المؤجل بما يحتاجه لنفقة عياله في المستقبل وأجاب عنه الأذرعي بأن الذمة مشغولة بالدين الآن بخلاف نفقة العيال في المستقبل‏.‏

قال أعني الأذرعي ولم يقل فيما أظن أن من عليه صداق أو غيره أنه إذا تصدق برغيف ونحوه مما يقطع بأنه لو بقي لم يدفعه إلى جهة الدين أنه لا يستحب له التصدق به ولو قيل بكراهة الصدقة أو حرمتها على من عليه دين أي حال أو مؤجل سواء أرجة الوفاء أم لا لسد باب التطوع فإن غالب الناس لا يخلو ذمته من دين معمر أو غيره وحيث حرمة الصدقة بشيء لم يملكه المتصدق عليه على الأوجه كما التيمم تصح هبة من لزمته كفارة أو ديون ماء يملكه لإمكان الغرف بأن الهبة فيها عقد والحرمة لا تنافية لأنها ليست ذاتية له والصدقة ليس فيها ذلك أو لا ملك فيها إلا الأخذ وهو هنا حرام لذاته وما كان حراما لذاته لا يقتضي الملك‏.‏

وبما ذكرته يعلم وما بحثه ابن الرافعة‏:‏ أن الصدقة حيث حرمت كان في ملك الآخذ لها الخلاف في هبة الطهارة في الوقت وخالفه الأذرعي ففرق بأنه هنا تعلق به حق آدمي وهو نحو قريبه وتوجه عليه صرفه حالا بخلاف الماء عند اتساع الوقت أو عند ضيقه لأن له بدلا وهو التراب أي فلا يملكه هنا جزما‏.‏

الثالثة والثلاثون من دفع إلى وكيله أو ولده أو غلامه أو غيرهم شيئا ليعطيه سائلا أو غيره صدقة تطوع لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه فإن لم ينفق دفعه إلى ذلك المعين استحب له أن لا يعود فيه بل يتصدق على غيره فإن استرده وتصرف فيه جاز لأنه باق على ملكه‏.‏

الرابعة والثلاثون في مواضع متفرقة يكره لمن تصدق بشيء صدقة تطوع أو هبة أو دفعه إلى غيره زكاة أو كفارة أو نذرا أو غيرها من وجوه الطاعات أن يتملكه من المدفوع إليه بعينه بمعاوضة أو هبة ولا يكره ملكه منه بالإرث ولا أن يتملكه من غيره إذا انتقل إليه واستدلوا في المسالة بحديث عمر رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ‏(‏حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعة برخص فسألت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن ذلك فقال‏:‏ لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏‏.‏

رواه الشيخان‏.‏

وتملك جزء الصدقة كتملك كلها فيكره أخذا من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعمر في قصته السابقة لا تشتره من نتاجه أي أن ولد الحيوان جزء منه ولا ينافيه قول البغوي‏:‏ ليس من ذلك أن يشتري من غلة أرض كان تصدق به لأنها غير العين المتصدق بها أي وغير جزئها‏.‏

وبحثه الزركشي أن محل الكراهة فإن الآخذ يسامحه فيكون كالراجع في شيء من صدقته أن لا تتأتى المسامحة بأن اشتراه منه بأضعاف قيمته انتفت الكراهة أيضا وهو محتمل‏.‏

الخامسة والثلاثون على أنه ينبغي للمتصدق أن لا يطمع في دعاء المتصدق عليه فإن دعي له ندب له أن يجيئه بمثله‏.‏

السادسة والثلاثون قال في المجموع كالروضة قال في الإحياء اختلف السلف في أن المحتاج هل الأفضل له أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع‏.‏

وكان الجنيد وإبراهيم الخواص وجماعة رضي الله تعالى عنهم يقولون‏:‏ الأخذ من الصدقة أفضل لئلا يضيف محل أصناف الزكاة ولئلا يخل بشرط من شروط الأخذ بخلاف الصدقة فإن أمرها أهون من الزكاة‏.‏

وقال الآخرون‏:‏ الأخذ من الزكاة أفضل لأنه إعانة على واجب إذ لو ترك أهل الزكاة كلهم أخذها أثموا أي وقد تلوا لأن قبولها فرض كفاية ولأن الزكاة لا منة فيها‏.‏

قال الغزالي‏:‏ والصواب أنه يختلف بالأشخاص فإن عرض له شبهة في استحقاقه لم يأخذ الزكاة وإن قطع باستحقاقه نظر إن كان المتصدق إن لم يأخذها منه لا يتصدق فليأخذ الصدقة فإن إخراج الزكاة لا بد منه وإن كان لا بد من إخراج تلك الصدقة ولم يضيف بالزكاة تخير وأخذ وذكر أيضا اختلاف الناس في إخفاء أخذ الصدقة وإظهاره أيهما أفضل مع أن في كل واحد منهما فضيلة ومفسدة ثم قال‏:‏ وعلى الجملة الأخذ في الملأ وترك الأخذ في الخلاء أحسن‏.‏

انتهى كلام المجموع‏.‏

السابعة والثلاثون قال في المجموع قال صاحب الغايات لو نذر صوما أو صلاة في وقت بعينه لم يجز فعله قبله كما لو عجل الزكاة أي بجامع أن كلا عبادة مالية فيفتقر فيها ما لا يفتقر في العبادة البدنية‏.‏

الثامنة والثلاثون أفتى القفال بأن من دفع مالا لفقيه ليدفعه لتلامذته لزمته التسوية بينهم إلا إن قال له‏:‏ أنت أعلم بهم فله التخليص والتفضيل‏.‏

انتهى‏.‏

ولك أن تقول‏:‏ إذا جاز له التخليص والتفضيل فهل يجب عليه مراعاة مقتضى ذلك من الأحوجية وزيادة الصفات التي يقصد التصدق لأجلها أوله ذلك بحسب ما يريد فيه نظر

التاسعة والثلاثون قال الغزالي إذا أعطى السلطان من خزانته شيئا لإنسان استحق في بيت المال شيئا وعلم أنه في الخزانة الحلال والحرام كما هو الغالب في هذه الأزمان ويحتمل أن يكون العطاء من واحد منها فقال قوم‏:‏ بجواز أخذه ما لم يتيقن أنه حرام لأن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم أخذوا من أموال السلاطين ونوابهم الظلمة كأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وجرير بن عبد الله وابن عمرو وابن عباس والحسن البصري وإبراهيم النخعي والشافعي أخذ من هارون الرشيد وكذا مالك وإنما ترك من ترك الأخذ منهم تورعا كما زهد بعضهم في الحلال المطلق‏.‏

وقال آخرون‏:‏ لا يجوز حتى يتحقق أنه حلال ويحمل أخذ من أخذ على أنهم علموا أنه من الحلال أو على أنهم أخذوه وصرفوه في مصارفه من بيت المال‏.‏

وقد قال جماعة أخذنا له وصرفنا إياه في المحتاجين خير من تركه في يد السلاطين‏.‏

والشافعي رضي الله تعالى عنه لما أخذ من هارون الرشيد فرقه في الحال ولم يأخذ منه حبة أو على أن الغالب كان الحلال بخلاف ما في يد السلطان اليوم فإن غالبه حرامن وكلا القولين إسراف‏.‏

والأعدل أنه إن كان الأكثر حراما حرم الأخذ وإن كان الأكثر حلالا ففيه توقف‏.‏

انتهى‏.‏

ونقله القمولي في جواهره واعترض قوله وإن كان الأكثر حراما خرج الآخذ بأنه مبني على ما تقدم من أنه يحرم معاملة من أكثر ماله حرام والمذهب خلافه كما في المجموع فإنه قال‏:‏ ومذهبنا أنه إذا كان الأكثر حراما كره الأخذ منه بالابتياع وغيرهس‏.‏

قال القمولي‏:‏ فانفرد الغزالي بالتحريم وهو شاذ‏.‏

انتهى‏.‏

واعترض بعضهم قول الغزالي‏:‏ إن كان الأكثر حلالا ففيه توقف بأنه لا وجه له ويرد بأن له وجها لأن كون الأكثر حلالا لا ينافي احتمال الوقوع في الحرام وإن كان أبعد مما إذا استويا أو كان الحرام أكثر فوجه التوقف هذا الاحتمال اللائق بالوقوع مراعاته وأنه لا مجزم بالحل فاتجه أن لا توقفه وهما وإن كان المعتمد الحل ولو فيما إذا كان الأكثر حراما‏.‏

وفي الجواهر عن الغزالي أيضا‏:‏ لو بعث السلطان إلى إنسان مالا ليفرقه على المساكين فإن عرف أنه مغصوب من إنسان بعينه لم يجز له الأخذ إلا ليوصله إلى صاحبه وإن لم يعرفه جاز أخذه وتفرقته لكن يكره إن قارنته مفسدة بحيث يغتر به جهال ويعتقدون طيب أموال السلاطين وما ذكره هنا يجري في أخذه لنفسه أيضا كما هو ظاهر‏.‏

وحكى القمولي وغيره عن الغزالي أربعة مذاهب فيما لو لم يدفع السلطان إلى كل المستحقين حقوقهم من بيت المال وإنما دفع لبعضهم فقط فهل له أن يستأثر بما دفع إليه وإن أعدل تلك المذاهب أن له أخذ جميع المدفوع إليه وإن أكثر حيث كان قدر حقه أو أقل عنهز وقيد العز بن عبد السلام كراهة معاملة من اشتملت يده على حلال وحرام بما إذا كان ما بيده من جنس الحرام الذي يكتسبه قال‏:‏ فإن كان من غير جنسه فلا باس المعاملة وإن تردد في أنه اشتراه به وقياسه أنه لا كراهة هنا في الأخذ من مال بيت المال الذي أكثره حرام إلا إذا كان ما فيه من جنس ذلك الحرام وإلا فلا كراهة وإن احتمل أن ناظره استبدله به‏.‏

وقال الغزالي‏:‏

 

الورع أربعة أقسام

لأنه‏:‏ إما ورع الشهادة وهو الامتناع مما يسقطها وإما ورع المتدين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم الذي له موقع وإن أفتى المفتي بحله عملا بالظاهر ولا أثر للاحتمال البعيد كمن ترك الاصطياد لاحتمال أن الذي يصطاده قد اصطاده غيره وانفلت منه - فهذا وسواس لا ورع وأما ورع المتقين وهو ترك ما يخاف انجراره إلى الحرام وإن كان حلالا لا شبهة فيه‏.‏

وأما ورع الصديقين وهو ترك ما ليس فيه شيء مما سبق ولكن تناوله من غير نية التقوى على العبادة ويتطوع إلى أسبابه كراهة فإذا اختلط ببلد حرام غير منحصر بحلال كذلك كان ترك الشراء والأكل من ذلك ورعا محبوبا‏.‏

وكلما كثر الحرام تأكد الورع والامتناع من كل حلال لكون فاسق أو كافر حمله وسواس لا ورع‏.‏

قال‏:‏ ولو اشترى طعاما في الذمة وقضى ثمنه من حرام ينظر فإن كان البائع سلمه له قبل أن يقبضه الثمن بطيب قلب حل له أكله إجماعا وليس تركه ورعا مؤكدا وإن قضى ثمنه من حرام لكنه باق في ذمته حتى يبرئه منه مع علمه بأن قبضه حرام لأنه يبرأ بخلاف ما لوظن حل ما قبضه فإنه لا يبرأ بإبرائه لأنه لا يقصد حقيقة إبرائه ومتى أخذ ذلك الطعام قبل أن يقبض البائع الثمن حرم عليه أكله لأن للبائع حق الحبس إن كان الثمن حالا ولو وفى الثمن من حرام ثم قبض المبيع ثم يحل له أكله إلا إن علم البائع أن ما قبضه حرام ثم أقبضه إياه لأن إقباضه له إسقاط لحقه من الحبس ويبرأ بإبرائه إن علم أن ما قبضه حرام ثم أبرأه منه وإلا لم يبرأ كما مر‏.‏

قال‏:‏ وله شراء دار من دور بلد علم أن فيها دارا مغصوبة أو وقف لا يعرفها وجب السؤال‏.‏

انتهى‏.‏

وكأن الفرق بين هاتين الصورتين أن الدور في الثانية محصورة فلا مشقة في السؤال بخلافه في الأولى قال‏:‏ ولو كان ببلد مدائين ورباطات وبعضها مخصوص بأهل مذهب معين لم يجز أن يسكن شيئا منها ولا يأكل من وقفها حتى يسأل ولو نهب متاع فصادف من نوعه شيئا يباع فإن كان مع معروف بالصلاح جاز شراؤه وتركه ورع أو مع مجهول فإن كثر مماثل المنهوب في البلد جاز الشراء منه وإن ندر فالورع تركه وفي أخذ منه نظر‏.‏

انتهى‏.‏

والقياس عدم الحرمة كما علم مما في المعاملة من أكثر ماله حرام قال‏:‏ وإذا أردت شراء طعام أو أهدي لك أو ضيفت به لم تكلف أنك تسأل عن حله ولا تترك لأن فيه تفضيلا هو أن المالك جهل حاله ولا علامة تدل على طيب ماله من غير سؤال فإن رأى فيه علامة تدل على الفساد كهيئة الظلمة أو تساهله في فصل الحرام وجب السؤال أو دلت العلامة على أن أكثر ماله حرام وإلا كان السؤال ورعا‏.‏

انتهى‏.‏

والقياس عدم وجوب السؤال وإن دلت العلامة على أن أكثره حراسم وإيجاب الغزالي به مبني على طريقته أنه حرام معاملة من أكثر ماله حرام ومر أنه طريقة شاذة فإن عرف من حاله ما يحصل ظن حل ماله حرام السؤال أو ظن حرمته وجب السؤال‏.‏

انتهى‏.‏

والقياس أن لا وجوب نظير الذي قبله قال‏:‏ ولو تعلق الشك بالمال بأن اختلط حلال بحرام في سوق فلا يلزم المشتري من أهله السؤال إلا إن غلب الحرام‏.‏

انتهى‏.‏

والقياس عدم الوجوب وإن غلب الحرام ثم رأيت بعضهم أشار في بعض تلك الصور إلى ما ذكرته من بناء السؤال على رؤية حرمة معاملة من أكثر ماله حرام والمذهب خلافه في الأنوار‏:‏ لا يجوز مبايعة من حرم ماله كله كالخمار والمكاس والبغي ويجب السؤال ممن يعرف حال أمواله ولا تسأل عنه إذ لا ثقة بقوله والورع لمن يشتري شيئا للأكل أوغيره أن يشتري بثمن في ذمته فإنه يملكه قطعا وعند الشراء بالعين لا يقطع بذلك‏.‏

وظاهر‏:‏ أنه إنما يقطع بملك المبيع إذا قطع بملك بائعه له لكونه اصطاده مثلا بخلاف من ملكه بمعاوضة أو مجانا وإنما يأتي الشك في الثمن العين حيث لم يقطع بملك المشتري به لكونه أخذه من معدن مثلا وإلا فلا شك وإن أخذ من غيره مالا بتمليك بعوض أو بغيره أو بإباحة ظانا أنه ملكه اعتمادا على الظاهر وأكله وهو مغصوب في الباطن فهل يطالب بما أكله في الآخرة أفتى البغوي بأن المأخوذ منه إن كان ظاهره الخير فأرجو أن لا يطالب أو ممن يلطخ ماله بالحرام طولب به‏.‏

انتهى‏.‏

ولهذه المسائل كبير تعلق بالنسبة للمال المتصدق منه وقبول المتصدق عليه قلنا‏:‏ ذكرتها هنا وإن كان الفقهاء ذكروها في باب البيع‏.‏

الأربعون فيمن كان يفرق فلوسا في الجامع فيعطي الفقراء ويتجنب الأغنياء ندفع منها إلى رجل اشتبه حاله عليه وهو غني في الباطن بأنه يحل له ظاهرا ولا يجب عليه رده إلى الدافع لأنه قد يعطي الغني أو أهل المسجد مطلقا وأما في الباطن فإن غلب على ظنه أن الدافع أراد الفقراء فليرده إليه ولا يصرفه إلى فقير إلا إذا تعذر الرد وإن شك فالورع أن يفعل ذلك أيضا‏.‏

تنبيه‏:‏ مر في كثير من الأحاديث إطلاق الصدقة على غير إعطاء كالتسبيح والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل بين اثنين وإعانة الرجل على دابته أو متاعهن وما أكل من زرعه أوغرسه وإماطة الأذى عن الطريق والخطو إلى الصلاة والكلمة الطيبة وغير ذلك مما مر في تلك الأحاديث ومن حديث‏:‏ ‏(‏كل معروف صدقة‏)‏ وهذا شامل لما ذكر غيره‏.‏

خاتمة‏:‏ أخرج أحمد وأبو داود عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أبشروا يا معشر صعاليك المهاجربين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة‏)‏‏.‏

والخطيب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أبشروا يا أصحاب الصفة فمن بقي من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بماهو فيه فإنه من رفقائي يوم القيامة‏)‏‏.‏

وابن عباسكر أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أطولكم حزنا في الدنيا أطولكم فرحا في الآخرة وإن أكثركم شبعا في الدنيان أكثركم جوعا في الآخرة‏)‏‏.‏

وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يا معشر الفقراء ألا أبشركم إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام‏)‏‏.‏

وفي رواية لأحمد والترمذي عن جابر رضي اله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏بأربعين خريفا‏)‏‏.‏

وابو نعيم في الحلية عن الحسن بن علي رضي الله عنهما‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة‏)‏‏.‏

والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحبوا الفقراء وجالسوهم وأحب العرب من قلبك وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك‏)‏‏.‏

وأحمد ومسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأحمد والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها النساء‏)‏‏.‏

والديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير الناس مؤمن فقير يعطي جهده‏)‏‏.‏

وابن لال عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء‏)‏‏.‏

وأبو نعيم في الحلية عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة عام هؤلاء في الجنة يتنعمون وهؤلاء يحاسبونؤز والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما الذي يعطي من سعة بأعظم أجرا من الذي يقبل إذا كان محتاجا‏)‏‏.‏

وفي رواية للطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم‏:‏ ‏(‏ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا‏)‏‏.‏

وعبد بن حميد وابن ماجة عن أبي سعيد والطبراني والضياء عن عبادة ابن الصامت رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين‏)‏‏.‏

زاد الحاكم‏:‏ ‏(‏وإن أشقى الأشقيا من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة‏)‏‏.‏

والطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الفقر أزين على المؤمن من العذار الحسن على خد الفرس‏)‏‏.‏

وابن عساكر عن عمر رضي اله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الفقر أمانة فمن كتمه كان عبادة ومن باح به فقد قلد إخوانه المسلمين‏)‏‏.‏

والبيهقي وغيره عن قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء‏)‏‏.‏

وأحمد والترمذي‏:‏ عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه‏)‏‏.‏

أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج والعمرة ويكفرها والديلمي عن معاذ رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تحفة المؤمن في الدنيا الفقر‏)‏‏.‏

والترمذي عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا حاجة وفاقة‏)‏‏.‏

وابن عساكر وابن عدي والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله تعالى عليهم الرزق وكانوا في كنف الله تعالى‏)‏‏.‏

والحكيم الترمذي عن عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما صبر أهل بيت على جهد ثلاثا إلا أتاهم الله برزق‏)‏‏.‏

وأحمد وأبو داود والحاكم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت آجل أو غنى عاجل‏)‏‏.‏

والطبراني وابن عدي عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله‏)‏‏.‏

والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة وترك الدعاء معصية‏)‏‏.‏

وأحمد وابن أبي شيبة وابن حبان والحاكم عن ثوبان رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبسه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر‏)‏‏.‏

وبينهما تناف في نقص المعصية للرزق وحديث الشيخين أولى بالتقديم أو يحمل على كل نوع من الرزق‏.‏

وأبو نعيم في الحلية عن عثمان رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الصبحة أي النوم بعد الصبح‏)‏ تمنع بعض الرزق‏)‏‏.‏

البخاري ومسلم والنسائي‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏نعوذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏جهد البلاء‏:‏ أن تحتاجوا إلى ما في أيد الناس فتمنعوا‏)‏‏.‏

أعاذنا الله من ذلك وغيره من جميع ما استعاذ منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ونجانا من كل فتنى ومحنة إلى أن نلقاه وهو راض عنا‏.‏

بمنه وكرمه إنه لى ما يشاء قدير وبالإجابة جدير‏.‏

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لوجهك وعظيم سلطانك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وصل اللهم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وذرياته كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وكما يليق بعظيم شرفه وكماله ورضاك عنه وما تحب وترضى له عدد معلوماتك أبدا وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين‏.‏ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق